جميل جدا أن تشعر بالتطور الفكري الشعبي المغربي , حين تجلس كمواطن مغربي صرف , ترخي أذنك للاستماع لنكتة أو حكاية مغربية . وبطلها يتقمص التفوق النهائي في حالات متعددة على شكل نكت , أو قصص , أو حكايات قصيرة أو روايات قد تطول ليكون هذا البطل مغربيا منتصرا ومتفوقا على باقي الشخصيات التي تنافسه ذكاء او مغامرة أو مبارزة كلامية ... وغالبا ما تستمع للنكتة المغربية وهي تبدأ بتصنيف المغربي في آخر الأبطال أو الأشخاص الذين يشملهم الوصف , ومن الذكاء الواضح والبين , نلاحظ أن النكتة أو الأقصوصة غالبا ما تكون تتحدث عن ثلاثة أبطال , يهدف الراوي إلى إبراز قسط معين من تفوقهم وحيلهم , و هؤلاء الأبطال من مختلفي الجنسيات أو الديانات أو المهن , فان البطل المتفوق في آخر المطاف هو المغربي , وقد يتجاوز هذا التفوق كل حدود الحياء والحشمة الاجتماعية , لان الغرض الأهم من السرد والحكاية أو النكتة والأقصوصة , هو التفوق الفكري المغربي الشعبي , وان لم يكن ينطبق على الواقع الاجتماعي المعاش , فانه على الأقل , يتحقق في الخيال الراقي الذي يحمل معه المستمع إلى الشعور بالمتعة السردية المفضية إلى الإفراج عن الضحك غالبا في آخر النكتة المغربية , والتي ترمي من وراء كل هذا إلى اعتبار المغربي أذكى وافطن الناس جميعا . فما الذي يدفع بالطبقة الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة تحبذ مثل هذه النكت والحكايات السردية المغربية ؟ . لهذا نجد المغربي يفتخر بها ويرددها خاصة في المحافل والأعراس , حتى أصبح بعض من هذا النمط من النكت , يعرفه الصغير والكبير والمتعلم والجاهل . كالاستهزاء ببعض المهن كالتعليم والصحة , والدين والأعراف والتقاليد ... أيمكن اعتبار هذا النمط من تفكيرنا الشعبي المغربي , كمتنفس عن القمع الاجتماعي المغربي الغير المعترف به منذ خلفيات سنوات الرصاص وقمع الحريات العامة والفردية ... وأكثر من ذلك تجد الراوي للنكتة , يتفنن في استعمال مصطلحات بيانية خاصة باللغة العامية , مما يعطى روحا جديدة للهجة المغربية , وقد تكون متداولة محليا أو إقليميا أو جهويا أو وطنيا . وأود هنا أن اذكر نتفا منها للتذكير وليس للحصر : ( كوعليم : معلم . بزناس : رجل أعمال . شمكار : منحرف . واحد خينا : فلان ....) أليس هذا الفكر فكرا مغربيا محضا من صنع المغاربة المبدعين إلى جمهور معين من المغاربة المسكوت عنهم ؟ . الم يحن الأوان إلى تدوين هذا النمط من الفكر الشعبي المغربي دون المساس بهامات المفكرين الأكاديميين المحترمين ؟ . منذ الاستقلال , والطبقة العامة من الشعب المغربي , تتحاور بلغة و بفكر خاص بها , وكأن الجرائد والمجلات والكتب التي تصدر وتكتب يوميا , بعيدة كل البعد , عن الذوق الشعبي المغربي الأصيل , مما دفع هذه الطبقة العريضة من هذا الشعب المغربي الأبي , تبتكر نمطا من الفكر والتفكير الخاص بها , على شكل حكايات ونكت كوميدية , لا يفهمها ويدرك مغزاها إلا من كان مغربيا قحا من الطبقة الكادحة المهمشة . فحين أتحدث عن نمط و نوع التفكير الخاص بالطبقة الشعبية المغربية بكل أصنافها من عرب وأعراب وامازيغ , فاني لا أريد بتاتا أن أكون شوفينا في التفكير والتحليل , بقدر ما اقصد التنبيه إلى إشكالية نمطية ونوعية الفكر المغربي المعاصر , فان بقي اهتمامنا مركزا فقط على " اللغة الرسمية " كما يحلو للبعض الترنم بها , فان الهوة تستفحل وتزداد اتساعا يوما بعد يوم بين الفكر الأكاديمي المدون والفكر الشعبي المغربي النامي في الظل والخفاء . محمد همشة . دار ولد زيدوح في : 17/05/2012 .