جاء خطاب الملك عبدالله حول الشأن السوري متأخرا وباهتا لن يقدم ولن يؤخر في مسيرة حراك الشعب السوري ولن يطيح بنظام الاسد ولن يعيد الحياة لشهدائه الذين يسقطون كل يوم في شوارع المدن فبعد اكثر من خمسة اشهر على اندلاع الثورة السورية يطلع النظام بنصوص تدين وتشجب وتندد بل تسمح بمظاهرات سورية في الرياضوجدة. وهو النظام الذي يعتقل مواطنيه ان هم فكروا بالاعتصام او التظاهر مطالبين بحقوق شرعية كمثيلتها في الدول العربية التي شهدت حراكا سياسيا انبهر به العالم وكيف بنظام لا يزال يسجن ناشطين دعوا الى التظاهر نصرة لغزة ان يتصدر قائمة الانظمة المدافعة عن حقوق الشعوب العربية ولا يزال يستضيف اثنين من الزعماء العرب الفارين من عدالة شعوبهم ويؤمن لهم كافة وسائل الرفاهية والرعاية الصحية وهو يعلم مصيرهم ان هم عادوا الى بلادهم. وليس بمقدور نظام يرسل قواته لمساندة ونصرة نظام فئوي قمعي بحريني قتل اكثر من ثلاثين شخصا في مواجهات كانت سلمية وفي ساعات الفجر الاولى ان يؤتمن على مصير الشعب السوري وثورته التي قدر لها ان تكون دموية منذ يومها الاول وكيف بنظام لا يزال يعرقل حراك الشعب اليمني ويستقطب زعاماته بأموال النفط ان يكون مناديا بوقف العنف ومناصرا لقضية سورية بحتة. النظام السعودي كغيره من الانظمة القمعية في المنطقة ينظر للحراك العربي بمنظور امته اولا وثانيا بمنظور هوسه وارتعاده من ايران. ففي الشأن السوري كانت السياسة السعودية قائمة على مبدأ التعجيل بقطع علاقات سورية بايران تحت مظلة امريكية تتطلب اعادة سورية الى محيطها العربي بزعامة السعودية وقد فشل المشروع في تحقيق اهدافه بالطرق الدبلوماسية والمؤامرات من خلال النافذة اللبنانية لذلك جاءت الثورة السورية الحالية كفرصة لتحقيق الهدف المرجو وما تصريح الملك الاخير الا محاولة يائسة للتسلق على اكتاف هذه الثورة من اجل تحقيق هيمنة سعودية جديدة تآكلت في لبنان وفشلت في تحجيم حزب الله ضمن المخطط الامريكي الصهيوني. يخطئ النظام السعودي عندما يخوض المعركة الطائفية في سورية فيصور الصراع القائم حاليا انه صراع بين الطائفة العلوية والاكثرية السنية ويستعرض كتابه على صفحات الاعلام التسلط العلوي والاستئثار بالسلطة على حساب الاكثرية ويفتح هذا النظام الملف الطائفي وهو بذلك يجعل الساحة العربية بمجملها مهيأة لمذابح ينفذها اصحاب الميول الضيقة ويدفع ثمنها الابرياء بل هو يمهد لاعادة صياغة الجغرافيا العربية على اسس ومنطق الدويلات الطائفية حيث تتصدر سورية بعد العراق قائمة المساحات المنقسمة والمجزأة ويجب على النظام السعودي ان يسأل نفسه كيف سيكون مستقبله في ظل الكانتونات الطائفية والخطاب المتأزم الذي ينشره تحت ذريعة نصرة السنة والكل يعلم ان النظام السعودي يتصدر قمع الحركات الاسلامية وفي سجونه آلاف المعتقلين الذين يصفهم بالارهاب بين ولا يتردد في اقتناصهم ان هم كبروا في المساجد نصرة لقضية اسلامية. وهل هزيمة المشروع الايراني في المنطقة تتطلب تفكيك سورية وتقسيمها رغم ان الشعب السوري قد اثبت خلال محنته الحالية تماسكا يحسده عليه المجتمع السعودي نفسه. لسورية باع طويل في المجتمع المدني وتماسك عميق الجذور التاريخية لن يقوضها الخطاب السعودي الطائفي الذي أربك العالم العربي بل الاسلامي اجمع وان تلاعب النظام السعودي بالامن السوري وتسلق على ظهر ثورته سيحصد ما يزرع ولن تمر فترة طويلة قبل ان تصل الشرارة القاتلة الى العمق السعودي ذاته فكيف سينظر النظام الى احتمال تفكك السعودية ذاتها واعادة صياغة خارطتها على اسس مناطقية وطائفية. ولا مجال هنا للتذكير ان دمشق ومركزيتها ورمزيتها في مشروع الدولة السورية هي اقدم بكثير من مشروع الرياض الهش الذي فرض على الجزيرة العربية تحت المظلة البريطانية واستطاعت دمشق ان تحفظ الوحدة السورية دون براميل نفط بل بقدرتها على صياغة هوية لدولة لم تستطع الرياض حتى هذه اللحظة ان تنجزها الا باستخدام عائدات النفظ كوسيلة لكسب الشرعية المفقودة تاريخيا. لا نخاف على سورية من التفكك والتقزم بل نخاف على السعودية والتي فشلت حتى هذه اللحظة في صياغة هوية قومية بعيدا عن المنظومة النفطية وعائداتها وبقيت هذه الهوية رهينة للريع النفطي ومدى استفادة المجتمع منه. ونستطيع ان نجزم ان النظام في السعودية لم ينجح الا في تثبيت علاقة ميكانيكية مع شعبه على حساب علاقة عضوية مبنية على هوية قومية مشتركة تعتمد على جذور تاريخية عميقة. وهو حتى هذه اللحظة يعتبر نظاما فئويا عمق الهوة بين مناطق المملكة بدلا من صهرها في بوتقة وطنية مشتركة. وعندما يتخذ النظام السعودي موقفا من الثورة السورية ينبثق من سردياته الطائفية هو بلا شك يفتح الباب على مصراعيه امام انماط التشرذم التي قد تكون من نصيبه في اي لحظة من لحظات الربيع العربي. وليس من المعقول ان تكون الجبهة السعودية الايرانية مفتوحة في سورية وعلى حساب الشعب السوري لكن الانظمة العفيفة هي فقط من يلجأ الى مساحة ثالثة من اجل تصفية حساباته مع منافسيه والنظام السعودي ليس بمقدوره مواجهة ايران على ضفاف الخليج ووجها لوجه من اجل تصفيات حسابات العراق ولبنان لذلك جاءت الثورة السورية كفرصة تاريخية يقتنصها ليبعد سورية عن ايران وتتم له زعامة العرب البعيدة المنال. هذه الزعامة لن تتم مهما صرفت عليها الاموال لانها مرهونة بعوامل لم تتوفر في النظام السعودي وصفات بعيدة عنه تماما منها. اولا: وجود قيادة تتمتع بكاريزما مدعومة بفكر حي يبث في عرب الجوار روحا جديدا وارادة قوية. ثانيا: تغلغل اقتصادي قوي يجعل الهامش العربي مرتبطا ارتباطا حيويا بمركز ثقل اقتصادي سعودي لا يقوم فقط على صناعة بترولية او على استيراد اليد العاملة العربية بل على مشاريع تنموية توفر فرص العمل لملايين من العرب العاطلين وان كان النظام السعودي قد فشل في توفير ذلك لشعبه فليس من المتوقع ان يستطيع فعل ذلك تجاه العرب الآخرين. فقط عندما تجتمع السياسة وتلتحم بالاقتصاد نستطيع ان نجزم ان للسعودية مكانة محورية في العالم العربي تستطيع تحجيم ايران ومشروعها المزعوم في المنطقة. ولن تنهض السعودية بالامة العربية رغم تشدقها بمركزية ورمزية المعالم الاسلامية على أرضها اذ ان هذه المعالم تظل رهينة القيادة السعودية ومشروعها الذي يختلف عن المشروع الاسلامي الكبير وتظل ارادتها السياسية مرهونة للارادة الامريكية وحليفتها اسرائيل في المنطقة. وبعد تصارع الاقطاب الاقليمية على الساحة السورية ودخول السعودية على الخط فقط من اجل حربها غير المعلنة مع ايران لا يسعنا الا ان نقول ان الحل السوري هو بيد شعبه فقط وان كان لبشار الاسد فرصة تاريخية فهي تتمثل بوقف حمامات الدم فورا وتلبية مطالب شعبه قبل ان تختطفهم السياسة السعودية فتتجزأ سورية تحت ضغط الخطاب والدعم الطائفي السعودي الذي يزج بالسنة في معاركه السياسية عند كل لحظة لانه نظام مفرغ من محتواه يدغدغ مشاعر الضعفاء اصحاب الهويات الضيقة الذين صنعهم وجندهم لحروبه السياسية واجندته الخفية وان كان النظام قد نجح في التلاعب بعواطف شعب الجزيرة. فعلى بشار الاسد ان يفوت الفرصة على النظام السعودي في الوصول الى العمق السوري وهو بذلك يؤدي اكبر خدمة لبلاده والعرب اجمعين وتفويت الفرصة لا يتم عن طريق قتل الشعب السوري بل ببث روح الحياة فيه من جديد بتغيير سياسي ثوري يطوي صفحة التصفيات السياسية وسياسة الحزب الواحد وقمع الحريات ويفتح الباب امام تنازلات سياسية فعلية يستحقها الشعب السوري كغيره من الشعوب العربية. ان انتقال سورية الى حكم ديمقراطي هو اكبر صفعة يقدمها بشار الاسد للنظام السعودي الذي سيبدو بعدها يتيما وحيدا في محيط عربي يغلي بطموحات كبيرة عندها سيموت النظام السعودي ويلفظ انفاسه الاخيرة ان خنقته ديمقراطية عربية تأتيه من كل صوب. افعلها يا بشار قبل فوات الاوان . د. مضاوي الرشيد* ' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية