... لقد بذلت محاولات كثيرة ومهمة عبر تاريخ المغرب ، والحماس يحدو الجميع وهاجس الحقيقة لتسليط الضوء على جروح المجتمع المغربي ليكون مجتمعا اعدل ، والبعض من جسم الصحافة والاعلام يقظ امام المحرمات ليساهم الجسم والعقل الصحفي والمجتمع المدني بكل طمأنينة في تطوير المغرب . بعض من الصحافة ، وبعض من الاعلام الوطني يعير سمعه للاغلبية المغمورة من النساء والرجال المغاربة الذين يبنون هذا البلد ، وكان من طموح الاعلام الوطني والصحافة الوطنية ان يبرز عن حسن النية المناطق المظلمة من هذا البلد الامين ومناطق مشعة منه . هكذا وبدفعات متتالية وواحدة حسب رجال الدفاع – تقوم النيابة العامة في اكثر من مرة ، كما تقوم جهات معينة وراء الستار وامامه بتحريك مقتضيات فصول قانونية لمتابعة عدد من الجرائد وعدد من الصحفيين ومدونات التي تشكل جزء من الاعلام الوطني بهذا السبب او ذلك السبب ليس هو موضوعنا اليوم لمناقشته ... لكن تحريك هذه الفصول ، يعني مصادرة حق الراي العام ، كما تستهدف المس بارادة حق الاعلام في القيام بوظيفة هي مبرر وجوده اصلا . هذه الغرامات الثقيلة ، هذه السجون التي يزج فيها الصحافيين ، مصادرة الجرائد ، إقفال مقرات الجرائد ، مراقبة المواقع الالكترونية ، التضييق على حرية الصحافة والاعلام ... يدفع ، وبالحاح ، الى ضرورة مناقشة قضية الصحافة والضمانات الدستورية والقانوينة والمواثيق الدولية بالجمعية المغربية لحقوق الانسان التي قررت هذه السنة إحياء اليوم الوطني للإعلام (15 نونبر) تحت شعار: \"نضال مستمر من أجل حرية التعبير والصحافة ودمقرطة الإعلام العمومي\" . اولا : لماذا الضمانات الدستورية والقانونية ؟ أ: تعديلات تراجعت عن فلسفة ظهير 15/11/1958 مثل ظهير 15/11/1958 بشان قانون الصحافة بالمغرب وكذا الظهائر الصادرة بشان الحريات العامة وقتها الانعكاس القانوني للآمال والطموحات التي حملتها الاجيال الفاعلون الذين قادوا معركة النضال الوطني ضد المستعمر ، وبدل ان تكون التعديلات التي طرات فيما بعد والى الان تعبيرا عن تطوير دولة الحق والقانون ، اتجهت لتبرير مصلحة التيار السياسي السائد ، وترمز السنوات المتعلقة بالتعديلات الى الان الى دلالات كبرى ( 62-63-73-74-90 - 2000...الخ ) في التاريخ السياسي الحديث للدولة والمجتمع ، اذ عكست كما قال محمد بوزبع : \" تغير ميزان القوى داخل المجتمع وطبيعة العقلية الطبقة السائدة والاسلوب الذي اختارته لمواجهة المطالب والنضالات داخل بلدنا ...\" وفرضت التعديلات اللاحقة والى الان على الصحافة مسالك جديدة ، تعتبر الادارة ماسكة مفاتيحها الرئيسية اعادت بناء وتركيب قانون الصحافة على نحو مغاير لفلسفته الاولى ، بحيث اصبح للبعض حق رفع شكوى مثلا في حالة القذف او السب الموجه الى موظف او رجل الدولة ، او رجل السلطة العمومية او المكلف بمصلحة او مهمة عمومية ، والسادة الصحافيين ورجال الدفاع من محاماة وغيرهم أهل بشرح تفاصيل معاناة الجرائد والصحفيين بخصوص الحجز والايقاف والمنع العنوان العريض لفترات متعددة والذي يطل علينا اليوم بعبعه تحت عباءة جديدة .، توقيف الجرائد والمجلات والنشرات واقفال البريد الالكتروني الذي يتعرض للاوضاع السياسية والدينية وما يستتبعه من عقوبات جنائية ، واشكالية الحد الادنى والاقصى للجزاءات . ب- الادارة تتطاول على عمل القضاء : ومن خلال تتبعنا للجرائد والصحف الوطنية ، يظهر من خلال تصريحات ومقالات بهذا الشان على الحضور القوي للجهاز الاداري على حساب القضاء ، بل ثمة تداخل بطريقة او باخرى اعمال الادارة والقضاء ، وفعلا ان هذا التداخل بين عمل الادارة والقضاء في ميدان التعامل مع الصحافة يدفع الكثير الى اثارة اسئلة جدية حول الموضوع . 1- مضايقة رجال الصحافة : شهدت سنوات غير بعيدة والى الان محاولات متعددة ترمي الى التضييق على اعمال الصحافة 2- الدفع الى التوقف الاضطراري : ان عملية التضييق والرقابة والحجز والغرامة والحبس تنعكس سلبا على الغلاف المالي للاصدار الامر الذي يؤدي في غياب اية ضمانات الى التوقف الاضطراري ولنا في عدة جرائد ومجلات ومواقع امثلة كثيرة ... 3- المنع : ويشكل اجراء المنع اكثر حدة لنشاط الجريدة والمجلة والموقع الالكتروني ... د-الاعلام سلطة حقيقية : ان الصحافة المكتوبة والاعلام الالكتروني المدني الديمقراطي العلماني الهادف و الجاد ، هذا الاعلام باصنافه يرمز الى قيم حضارية كبرى لصيقة بالعلم والحرية والمعرفة والعقلانية ، وبالتالي فان حماية العمل الصحفي والاعلامي يستوجب ضمانات كبرى وبالغة الاهمية لان معظم قضايا الاعلام والصحافة والاعلام الالكتروني حاليا وثيقة الارتباط بعموم اركان بناية الدولة والمجتمع . وللصحافة والاعلام عدة خصائص من بينها : 1- للاعلام والصحافة دور بالغ الاهمية والخطورة في بلورة الوعي والشخصية الانسانية ، فميولات الفرد وافكاره وتاملاته ، تتاسس في المحصلة النهائية على نوع المعلومات والمواد التي تقدم اليه ، وبقدر ماتكون هذه المعلومات جيدة ، صحيحة وغنية ، بقدر مايساهم الاعلام في تشكيل المواطن الايجابي الفاعل ، المدرك لحقوقه وواجباته والتزاماته ، ولقد اصاب فعلا مؤسس جريدة نيويورك تايمز ، ارثر سالزبورجر عندما قدر قيمة المعلومات على الانسان بقوله : « اعط أي انسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشانه ربما تجعله معرضا للخطأ في رايه لبعض الوقت ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده الى الابد . لكن ان تحجب المعلومات الصحيحة عن أي انسان او تقدمها اليه مشوهة او ناقصة او محشوة بالدعاية والزيف تدمر كل جهاز تفكيره وتنزل به الى مادون مستوى الانسان .» 2- الاعلام والصحافة توأم السياسة : من الصعب اقامة أي حاجز بين الاعلام ، الصحافة والسياسة ، فقد يخبو ويهدأ الراي العام والفاعلون السياسيون لبعض الوقت ، وتبقى الصحافة والاعلام ميزان حرارة الوضع العام ، تشير الى نبضه وحركيته ودقاته ، تؤثر فيه وتستقبل منه ، او كما قال الاستاذ حسنين هيكل : « ولهذا فان متابعة ومراجعة ما جرى وما يجري في عالم الصحافة هو متابعة ومراجعة لما جرى ويجري في عوالم السياسة » . وان هذا العنصر ، بالنسبة لرجل القانون دفاعا او قضاءا ( قضاء جالسا او واقفا ) جدير بالاعتبار ، لان عدم حسبانه سيؤدي الى التعامل مع اية نازلة في موضوع الصحافة بطريقة جامدة ومتكلسة ، ففي نازلة الصحافة مطلوب من رجل العدالة ان يبحث عن الشروط السياسية ، عن حرية التعبير ، عن النقد ، وذلك ليرجحها ويرتب عليها الاثار القانونية المطابقة . 3- بالنقد تقوم الصحافة بدورها : ان خاصية الصحافة والاعلام من هذه الزاوية – صحافة الراي المعارض او المستقل – انها تختزل وتكثف هموم وانشغالات الالاف من المواطنين ، تستقبل الشكوى والتذمر والقنوط واليأس والاحتجاج بكلمة كل التعبيرات غير المبلورة وغير المسيسة وتقدمها في شكل نقد يستهدف معالجة اصول القضايا والكشف عن مظاهرها بل هناك من يذهب بعيدا في اعطاء الحق حتى للنقد الجارح ، يقول روبرت دكليركو – والن هاموك :« ومن الواضح ان صحافة أي بلد ديمقراطي لايمكن ان تكون ولا يجب ان تكون بوقا للمديح ، ومن الواضح ايضا ان الحكومات على كل مستوياتها ستظل عرضة للنقد الذي قد يكون جارحا في بعض الاحيان وهداما في احيان اخرى ، وقد تكون الصحافة بهذا النقد على حق ، ومن الواضح ان الاخبار التي سنحصل عليها ستكون سيئة ، اكثر منها حسنة ، والحقيقة ان مستوى الصحف هو احسن مؤشر على المجتمع الذي تعيش فيه هذه الصحافة » . هذا ويجدر التذكير ان المحكمة الاوربية لحقوق الانسان ، اكدت غير مامرة اجتهادها القضائي الصريح « ان حرية التعبير تعد احد الاركان الاساسية للمجتمع الديمقراطي واحد الشروط الاولية لتقدمه ولازدهار كل شخص (...) وانها لاتسري فقط على الاخبار او الاراء التي تتقبل بشكل صريح او تعتبر غير مؤدية او لامبالية بل تسري كذلك على تلك الاخبار والاراء التي تصدم ، تجرح وتقلق ، هذا ما تريده التعددية والتسامح وروح التفتح التي بدونها لاوجود لمجتمع ديمقراطي . ثانيا : من اجل ضمانات دستورية وقانوينة افضل : وبالنظر الى الاسباب والمتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم من حولنا وللتطور الهائل الذي عرفه الاعلام بكل فروعه ، وللدور المتزايد للصحافة المغربية من محلية وجهوية ووطنية مستقلة وغير مستقلة ...الخ اذن فهذا الاعلام بمناسبة يومه الوطني وهذه الصحافة في حاجة الى ضمانات دستورية وقانونية وملاءمتها بالمواثيق الدولية ومنظمة المادة 19 في اطار حرية الصحافة والحق في الاعلام ، اعتبارا لان الاعتراضات والتعسفات التي تلحق بالصحافة بشكل متواتر ، هذه التعسفات التي تجد مبررها في القانون القائم نفسه وان الاقرار بالضمانات على صعيد الدستور اولا واعادة تعديل وتغيير قانون الصحافة سيمثلان الخطوة الاولى الضرورية والاستعجالية نحو حياة اعلامية وصحافية والكترونية متطورة... اولا : على صعيد دستور ديمقراطي وفي مجال المبادئ والحقوق : النص على دمقرطة وسائل الاعلام وجعلها متفتحة بالمعنى الصحيح للانفتاح لخدمة الجماهير الشعبية وعموم الشعب المغربي بكافة مكوناته . اعتبار الصحافة والاعلام الالكتروني والاذاعة المرئية والسمعية احد الاشكال المعبرة عن حرية الراي وضمان حرمتها . عدم تمويل البرامج الاذاعية التي تدخل في خانة تعذيب نفسية المشاهد . ثانيا : على صعيد قانون الاعلام والصحافة : اعادة تغيير وتعديل قانون الصحافة واعلام المجالس العيا بناءا على مقتضيات دستورية جديدة وحقوق مكتسبة . اسناد حق النظر في المخالفات والجنح الى هيئة قضائية محترفة مستقلة وجماعية الاقرار بحق الصحفي او الجريدة .. بالطعن في قرار المنع والغرامات الثقيلة وحق التعويض عن الخسائر المترتبة . الاقرار بتقديم الشخص المتضرر من جراء النشر لشكواه بصفة شخصية . المراجع / من مقالات الاستاذ احمد شوقي بنيوب ببعض الصحف الوطنية سابقا . من مداخلاته / المطالبات الاجتماعية في ميدان الحريات العامة اية افاق ؟ في ندوة الربيع المنظمة حول \" قوانين الحريات العامة بعد 30 سنة \" من طرف هيئة المحامين بالقنيطرة 17/5/1991 والمنشورة بمجلة \" الاشعاع\" التي صدرت عن الهيئة بسنة 1992 عدد 6 ص 26 . من مؤلفه \" القانون المبني للمجهول \" منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية – الرباط 1991 ص 164 . 1981-1992 عشر سنوات من محن ومتاعب الصحافة الديمقراطية من اعداد ذ :محمد بولامي من مقالات ذ، عبد العزيز النويضي في مقاله « الحكومة ضد الاموي مساهمة في النقاش القانوين – السياسي » منشور بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 12/4/1992 من مقالات الاستاذ عبد العزيز النويضي « حرية الصحافة ومسيرة الديمقراطية في المغرب الجزء الثاني - انوال عدد 752 الصادر بتاريخ 4/5/1992 مرجع : قانون الحريات العامة ظهائر 15/11/1958 نصوص ووثائق قانونية \" سوشبريس 1986 كتاب : الصحافة امام القضاء دليل للصحفيين والمحامين للاستاذ عبد العزيز النويضي ( محاكمات 2000 -2007) كتاب : الاهداف للناشط الجمعوي احمد الخراص ( ملامح من تجربة النضال الصحفي الملتزم في ظل القمع ) .