بدون صحافة نزيهة تحترم أخلاقيات المهنة، يصعب تصور ممارسة حقيقة لحقوق الإنسان، فهي تكتسي دورا هاما في هذا المجال، اكتسبته من ارتباطها الوثيق بحريتي التعبير والرأي. بهذه الجملة، استهل بحث جامعي لمجموعة من الطلبة الحديث عن الصيرورة التاريخية لقانون الصحافة بالمغرب، وهو محور من محاور بحث حول جرائم الصحافة، من إنجاز الطلبة: أمين ع، سهام ح، عبد الواحد ص، وتأطير الأستاذ محمد أحداف من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس. يرى البحث المذكور، يمكن تعريف القانون الجنائي للصحافة، بأنه تلك المقتضيات والتدابير الوقائية والزجرية التي تهم طبع وتوزيع الصحف والمجلات والملصقات، وما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن الصحافة المغربية مرت بمراحل متعددة بدءا بظهير 27 ابريل 1914 وإنتهاءا بظهير 03 اكتوبر2002. أسفله ندرج مقاطع من البحث بخصوص المراحل التاريخية لقانون الصحافة: قانون الصحافة في المرحلة ما قبل الاستعمارية في ظل هاته المرحلة، لم يتم تسجيل أي قانون منظم للصحافة، سواء فيما يتعلق بالحرية أو القانون الزجري لهذه الأخيرة، ويمكن إرجاع ذلك لعدم إطلاع المغرب على هذه التقنية الجديدة للتعبير إلا بعد دخول المستعمر، إلا اننا نعود ونسجل، بأن بعض الجرائم المعاقب عنها طبقا لقانون الصحافة الحالي كانت مجرمة بموجب نصوص الشريعة الإسلامية والتي كان المغرب يتبنى مبادئها في سياسته الجنائية خاصة منها جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار وإشاعة الأخبار الكاذبة ودون تحديد الصورة التي قد تأتي فيها هذه الأفعال. قانون الصحافة في المرحلة الاستعمارية بعد توقيع السلطان المغربي على معاهدة الحماية ودخول القوات الفرنسية إلى المغرب، عملت هذه الأخيرة جاهدة على توفير ترسانة قانونية تتلاءم ومصالحها أكثر مما تخدم مصالح الشعب المغربي. ورغبة منها في تأمين تواجدها بالمغرب، عملت فرنسا على إصدار قانون زجري للصحافة بموجب ظهير 27 ابريل 1914 المستوحى من التشريع الفرنسي للصحافة الصادر في 29 يوليوز 1881 وكل ما يمكن أن يقال عن هذا الظهير أنه ليبرالي يوصف في بعض جوانبه بالصرامة والقسوة خاصة فيما يتعلق بشرط وضع ضمانة مالية لكل من يريد إصدار صحيفة، وذلك لأداء الغرامات التي يمكن أن يحكم بها ضد المسؤولين عن الصحيفة، إلا أن الغرض الأساسي من ذلك هو إضعاف موارد الجريدة المادية. إن قساوة وصرامة ظهير 1914 تجلت أيضا في الظهائر الأخرى اللاحقة كظهير 20 نونبر 1920 وظهير 26 يونيو 1936 تم ظهير 18 أكتوبر 1937 وهي نصوص ما جاءت إلا لتضييق الخناق على كل نشاط صحفي يحاول التحرك خارج أهداف ومصالح الحماية الفرنسية. قانون الصحافة في عهد الإستقلال لقد وضع قانون الصحافة لستة 1958 كجزء لإطار قانوني عام يهدف إلى تنظيم واقع مجتمعي جديد، أي واقع المغرب خارج لتوه من الحماية والطامح إلى التخلص من كل الوشائج التي تربطه بممارسات الماضي الإستعماري، ذلك الماضي الكابت لحرية التعبير، والكاتم لأنفاس جل الحريات العامة كما أريد لها أن تكون بموجب ظهير 27 أبريل 1914، أو بموجب التعديلات المدخلة عليه. فالمشرع المغربي وهو محكوم بذكريات الماضي الإستعماري التي يرغب في تجاوز سلبياتها في الظهائر المعدلة لقانون الحريات العامة الإستعمارية والمتوالية ،في اتجاه التشديد على الصحافة الوطنية وخصوصا حرية التعبير... في 15 نونبر1958 وضع المغرب المستقل قانون الحريات العامة ومن بين مكوناته الأساسية ذلك الجانب المنظم للإعلام و الإتصال والذي يحمل بين سطور مواده تعبيرا عميقا عن مدى تشبع واضعيه بروح الديمقراطية، فمهد لهذا القانون قبل صدور الميثاق الصادر في 8 ماي 1958 والمتضمن لإقرار ملكي صريح بضمان حرية التعبير والصحافة والإجتماع، وممارسة ذلك بصورة لا حد لها، إلا ما ترفضه الشروط الجوهرية الأساسية لقيام كيان الدولة المغربية المحددة بعض جوانبها في النظام الملكي وحماية الدولة والصالح العام. من المعلوم أن قانون الإعلام والإتصال وضع في مناخ سياسي يحمل إندفاعا حقيقيا نحو الطموح الديموقراطي ولذلك كان لابد له أن يحمل نفحة ليبرالية وهو لا يضاهي في ليبراليته تلك إلا قوانين الدول المتقدمة. لقد كان متأثرا بقانون الإعلام الفرنسي الصادر في 26 غشت 1944. تعديلات 1959 تم إدخال تعديلين على قانون الصحافة سنة 1959، كان أولها في فاتح يونيو1959، والذي إنصب على الفصل71، وخصوصا الفقرة الثالثة منه، وقد تناول هذا التعديل مسطرة المتابعة وشكليات تحريكها. ولم تمضي إلا شهرين عن هذا التعديل الأول، حتى صدر تعديل آخر تكميلي لظهير 1958، وذلك بتاريخ 2 شتنبر 1959... لقد أعادت المقتضيات المعدلة إنتاج ما تمت محاربته بعد الإستقلال، وذلك راجع إلى الإنقسام الحاصل في صفوف الحركة الوطنية فالصحافة المغربية إختارت الوقوف في موقع المعارضة... تعديلات 28 ماي 1960 لا شك أن إجراءات الزجر الوقائية الخاصة بجرائم الصحافة سوف تتقوى مباشرة بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم، جاء ظهير 28 ماي 1960 منصبا على المادة 77 من قانون 1958: فأضاف فقرة ثانية أعطى بموجبها لوزير الداخلية سلطة الأمر بتوقيف الجريدة أو المطبوع الدوري، والذي حسب عبارة النص، قد يمس بالأسس الدينية والسياسية للدولة، بصرف النظر عن العقوبات الجنائية الأخرى المقررة في النصوص المعمول بها، كما يعطي هذا النص للوزير الأول الحق في منع الجريدة أو المطبوع الدوري... لقد توالت التعديلات المدخلة على قانون الصحافة خلال الفترة الممتدة ما بين 1962 و1963 إلى سنة 1973، حيث تجاوزت هذه التعديلات الأخيرة تلك الترميمات العادية السابقة عليها... تعديلات 10 أبريل 1973 وصفت هذه التعديلات بأنها الأشد قساوة والأكثر عمقا وتنوعا، وبحكم كونها غير خاصة بقانون الإعلام والاتصال فقط، بل مست قانون الحريات العامة المغربي من جمعيات وتجمعات وتظاهرات ...الخ، فهي إذا فاقت تلك الترميمات التي همت بنودا بعينها سنة، 1960، 1962، 1963 - 1959. لقد انصبت تعديلات ظهير 1973 على تقوية مراقبة الصحافة بتشديد الخناق عليها وهي بذلك جعلت من قانون الصحافة المغربي شبيها للأنظمة القانونية الصحفية العربية والإفريقية ....وكانت التعديلات محملة بالآثار السلبية للظرف السياسي المنشئ لها، وهو ظرف متصل بمتاعب السياسة الوطنية الداخلية، تلك المتاعب التي فجرتها أحداث 3 مارس 1973 وما تلاها من قمع شرس مس مناضلي أحزاب اليسار واليسار الجديد، كما أن التعديل جاء أيضا بعد محاولتين انقلابيتين سنتي 1971 و1972. مشروع قانون الصحافة لسنة 1998 بعد المصادقة على دستور 1996، جاء الفصل التاسع منه صريحا، إذ أقر حرية التعبير والرأي وجعلها حقا لكل الغاربة، وذلك مالم يكن منسجما مع قانون الصحافة الذي يعاني من تعديلات متتالية، فكيف يتصور انسجام دستور صادر سنة 1996 مع قانون سابق عنه بحوالي 38 سنة؟ ربما أن السؤال المطروح أعلاه هو ما جعل حكومة التناوب التوافقي المشكلة سنة 1998، تحاول إعادة ترتيب المشهد الإعلامي، لكن الأمر لم يكن سهلا... قانون الصحافة بعد تعديلات 2002 جاءت التعديلات الأخيرة لقانون الصحافة محملة بمطالب الجمعيات الحقوقية والنقابة الوطنية للصحافة ومرة أخرى مقترحات المناظرة الوطنية للإعلام لسنة 1993، وذلك بغية حماية هذا القانون لحرية الصحافة وتنظيم ممارستها ووضع ضمانات تحمي الصحفيين من التعسف والشطط الذي قد تتعرض له من طرف الإدارة، وبعد صدور هذا القانون المحمل بالتعديلات الجديدة هناك من رأى بأن لا فائدة منها، وفي المقابل، رأى البعض الآخر بأنها مكتسبات وإنجازات حققتها الصحافة الوطنية.... ومن أهم ما يعاب على أخر تعديل لقانون الصحافة هو تكريس لما كان قائما، أي عدم الفصل بين أحكام قانون الصحافة والقانون الجنائي ...ورغم التعديلات الواردة على قانون الصحافة بإيجابياتها وسلبياتها، فإن لم تعمل على منح الصحافة المزيد من الحرية بالرغم من الأهمية التي تحتلها هذه الأخير...