«رامتان» اسم وحَّد شاشات التلفزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة. ووحَّد في معناه اللفظي ضفتي الوطن المنقسم رغما عنه. اسم ربما يعرفه جيدا العاملون بالمحطات الإخبارية لكنه كان مفاجأة للمشاهدين، فللمرة الأولى يقابل اسم «رامتان» عين المشاهد، أينما ولاها إلى أية فضائية بحثا عن أخبار العدوان، فاعتقد أن رامتان تعمل وحدها هناك، أو أن «الريموت كنترول» قد تعطل وتوقفت كل المحطات عند «رامتان».. فما قصة هذا العملاق الإعلامي العربي الذي أثار بأدائه إعجاب الجميع لكنه في الوقت ذاته أثار فضولهم؟ «العرب» حاولت الوصول إلى الكتيبة الذي يزداد الإعلام العربي شرفا وزهوا بوجودها ضمنه، ورغم الظروف بالغة الصعوبة التي يعملون خلالها، وجدنا منهم تعاونا رائعا نشكرهم عليه، لتنفرد العرب بلقاءات مع مسؤولي المؤسسة الفلسطينية كي يعرف الجمهور أكثر عن خلية النحل تلك المقاتلة بسلاح الإعلام الذي لا يقهر. للحقيقة مسار واحد «الحقيقة مسار واحد» شعار تبنته «رامتان» واتخذته فلسفة إعلامية لها، تأبى إلا تبثها كما هي، «لأنها أكبر وكالة أنباء وشركة إنتاج تلفزيوني فلسطينية، فإننا عادة ما نضع كل إمكاناتنا البشرية والمادية في خدمة الحدث ونقل الحقيقة، ولذلك لا تجد المحطات التلفزيونية بدا من استخدام خدماتنا والاعتماد على صورنا التي يتم تجميعها أولا بأول وعلى مدار الساعة. نحن نعمل على إرساء أسس لصحافة حرة مستقلة وأمينة. ولهذا فنحن سعداء أن هذه الفلسفة قد ظهرت للجمهور قبل أن تصل إلى بعض صناع القرار في الدول والشركات الإعلامية الكبيرة».. هكذا لخص عبدالسلام شحادة مدير الإنتاج في وكالة رامتان خطة عمل وسياسة المؤسسة. ويضيف المدير العام ل «رامتان» فايد أبوشمالة: «إننا لا نقوم بأكثر من واجبنا كإعلاميين مهنيين. ونأبى في الوقت نفسه القيام بأقل من الواجب. صحيح أننا في وضع استثنائي الآن، ولكن هذه هي ظروف عملنا في كل الوقت.. والحقيقة أن رامتان تقف دائما أمام هذه الظروف والأحداث التي بدأت قبل أكثر من أسبوعين، ففلسطين كانت على الدوام في وضع الحرب. في وضع الحرب تنتهي المنافسة وتتكاتف الجهود مع الآخرين لنقل الحقيقة. يقول رئيس مجلس إدارة رامتان الدكتور قاسم الكفارنة: «ما يهمنا في تغطية الحرب هو أمن موظفينا أولا، والحفاظ على معداتنا ثانيا كي نستمر في التغطية وأداء عملنا. فهذا يعني نقل الحقيقة والواقع من دون عبث أو رتوش. صحيح أننا في وضع مثل هذا نتسابق مع جهات أخرى من أجل نقل الوقائع كخبر عاجل وصورة حية آو عاجلة، فهذا أولا يشكل مصدر مصداقية لنا، ولكنه لا يثنيا عن التعاون مع الآخرين في كل المجالات بما فيها الحفاظ على أرواحنا ومعداتنا، لقد كان موظفو رامتان على الدوام عرضة للحوادث الأليمة وكذلك معداتها، وتاريخنا كمؤسسة يشهد على ذلك. وموظفونا يعرفون هذه الحقيقة وهم عندما ينضمون إلى رامتان يعرفون أنهم إنما سيكونون جنودا في خدمة الكلمة والصورة والخبر والحقيقة، يمكننا ببساطة أن نتخيل كل موظف لدينا وهو يلبس الخوذة والسترة الواقية من الرصاص -وإن كان عددها غير كافٍ في بعض الأحيان- على كل حال هذه رامتان في الحرب وهذه هي رامتان في مضمار الحرب إن شئت أن تضعنا في مقارنة مع شركات منافسة». اسم يوحِّد الوطن تأسست رامتان في أبريل عام 1999 ومنذ ذلك التاريخ تطور أداؤها، وتستخدم كل إمكاناتها من صحافيين وإداريين وفنيين وفنانين، فبعض العاملين في المؤسسة هم فنانون ومخرجون. «وفي ظروف كالتي نعيشها في فلسطين تختلط المهن أحيانا وتتداخل، وهذا كله في سبيل الحقيقة. فالفنان والصحافي يسعيان إلى الحقيقة» هكذا يصف شحادة طاقم العمل فيها. أما كلمة «رامتان» فهي كلمة كنعانية، وهي مثنى «رامة» وهي الغزال.. ولكم أن تتخيلوا عن أي غزالتين يتم الحديث هنا.. فرامتان بدأت في غزة أولا ثم افتتحت مكاتبها في الضفة الغربية لتوحد شطري ورامتي الأراضي المحتلة عام 67 في شركة إعلامية عابرة للحواجز، وتصبح «رامتان»، فضمت مساهمين فلسطينيين من كل الأطياف، ثم توسعت لتضم مساهمين عربا، وتوسعت لتفتتح مكاتبها في الخارج، وتشكل رامتان نموذجا لتوحيد جهود ابن المخيم والريف والمدينةالفلسطينية من كل المعتقدات، إلى جانب الإخوة العرب لتقول للجميع عمليا «إنها تسعى للحقيقة وفقط الحقيقة». ولكن أين رامتان من المحطات التلفزيونية التي تنقل الحدث للجمهور عبر نشراتها؟ يقول أبوشمالة: «نحن لسنا فضائية. نحن نعتبر أنفسنا مقدمي خدمة. وهذه الفضائيات بالنسبة لنا نهاية طرفية تستقبل منا ما نحقنه من خلال الأقمار الصناعية، أو تستخدم صورنا وخدماتنا الإنتاجية، وخدماتنا في تجميع ونشر الأخبار والصور، ونحن لسنا في منافسة مع أية محطة ولا ننظر إلى هذا بتاتا في أثناء قيامنا بواجبنا، في هذه الحرب بالتحديد حجزنا ثلاث قنوات فضائية لا لتخدم قنوات مثل «الجزيرة» و «بي بي سي» و «العربية» و «المنار» فحسب، ولكن لمواجهة الضغط في الطلب من قِبَل محطات عالمية من جميع أنحاء العالم مثل «سي أن أن» والتلفزيون الياباني والتلفزيونات الأوروبية وغيرها من المحطات العربية والعالم الأخرى». ظهور رامتان بدا في هذه الحرب وكأنه مباغت للجميع.. كيف توصلتم إلى هذه المعادلة مع وجود فضائيات كبيرة متخصصة؟ يقول أبوشمالة: «هذه النتيجة تبدو للجمهور العادي كذلك، أما بالنسبة للفضائيات ووكالات الأنباء العربية والعالمية ف «رامتان» حقيقة قائمة ومعروفة بأدائها منذ سنوات.. وأريد أن أعطيك مثالا على ذلك، فخلال الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية وتحديدا لمدينة رام الله عام 2002. كانت وكالة رامتان هي العين الساهرة على نقل الأحداث لمعظم المحطات الأجنبية وبعض المحطات العربية. وكان في مكاتبها أكثر من100 صحافي أجنبي من جميع أنحاء العالم. الطريف في هذه الفترة التي دامت لأكثر من خمسة وعشرين يوما، والتي كنا نحن والعاملون والصحافيون الأجانب، وعلى رأسنا رئيس مجلس الإدارة د.الكفارنة، ننام فيها على الأرض الصلبة في مكاتب رامتان. كان جزء من المكاتب غير مجهز بل إن بعض الشبابيك كانت غير منجزة وتشكل مضربا للهواء والأمطار الغزيرة في تلك الفترة. فكنا ننام والأمطار تصب علينا، والبرد القارس يقض مضاجعنا. كنا نتناوب النوم على الأرض المخصصة لذلك، لأن مئة شخص كان عددا كبيرا ويجب أن يُخصَّص جزء من مساحة المكاتب للقيام بالمهمات الصحافية. وتعرَّض في حينها موظفونا إلى إطلاق النار وأصيبت معداتنا، واقتحمت مكاتبنا من قِبَل قوات الاحتلال، وصودرت بعض الأشرطة التي صورت عملية الاقتحام، كنا نطبخ في المكاتب وانقطعت المياه لأيام وكانت هذه تشكل كارثة صحية أمام وجود أكثر من مئة صحافي (منهم صحافيات)، فكان د.الكفارنة والزميل حيان يعقوب يطبخان في بعض الأحيان لهذا الحشد من الصحافيين الذين جاؤوا إما لجوءا لمكاتبنا وإما طلبا لخدمتنا.. كنا نتسلل أحيانا تحت وابل الرصاص لكي نحضر بعض الطعام من خارج مدينة رام الله التي كان منع التجول مفروضا عليها إضافة إلى حصارها، هذه الصورة ذاتها يمكنك أن تتصورها في قطاع غزة، وأيضا يمكنك أن تتصورها في «أم درمان» في السودان عندما هاجمت المدينة قوات حركة العدل والمساواة وفرضت حظر التجول في شهر مايو 2008. وصادف أن مكاتبنا وقعت في منطقة إطلاق النار والصدامات بين الجيش السوداني وقوات الحركة». هذه الصور التي تلتقطونها على الدوام تعني أن لديكم كادرا عريضا ومنتشرا في كثير من المناطق.. فأين تنتشر طواقمكم الإخبارية؟ يجيب عن هذا السؤال مدير عمليات «رامتان» في إفريقيا حيان يعقوب: «تنتشر مكاتب وفروع وكالتنا في أكثر من دولة وإن كانت عملياتها في فلسطين والسودان هي الأكثر ظهورا، فإنما يعود هذا لقدرة رامتان على العمل في الظروف الصعبة والخطيرة.. طواقمها منتشرة في كل أنحاء فلسطين مثل غزة والقدس ورام الله والقدس بشقيها الغربي والشرقي، وبيت لحم والخليل ونابلس وخان يوس ورفح.. ولدينا مكاتب في معظم المدن الفلسطينية. أما في السودان فمكاتبنا تنتشر في ثلاث مدن رئيسة تشكل مصدر الخبر هناك. في الخرطوم وفي مكانين يعتبران من المناطق الخطرة في التصنيف الإعلامي والدولي، وهما: دارفور في مدينة الفاشر، وفي جنوب السودان في مدينة جوبا. هذا إضافة إلى مكاتب في مصر والكويت واليمن والولايات المتحدة وغيرها. وهذه المكاتب عبارة عن نقاط بث وحقن فضائي وطواقم تصوير ومونتاج. الوفاء لشهداء المهنة «لكن عدد المكاتب أو أماكن التواجد ليس هو المهم، فأمن موظفينا وأداؤنا المهني، هو ما يشغلنا» يقول د.الكفارنة: «وليس هنا المجال لتعداد حالات الاعتقال التي تعرَّض لها موظفونا ولا عدد الاقتحامات التي تعرضت لها مكاتبنا، ومن كل الجهات. ولكننا مع ذلك نستمر في رسالتنا المهنية، فما دمنا قد اخترنا هذه الطريق الصعبة والوعرة، فعلينا أن نتحمل تبعاتها.. فكم مرة تعرضنا فيها لإطلاق النار والإصابة على موظفينا ومعداتنا وكم مرة اعتُقل موظفونا وكم مرة اقتُحمت مكاتبنا. ليس فقط من قِبَل سلطات الاحتلال، فهناك دائما من يرفض الحقيقة ونحن ولأننا أخذنا طرف الحقيقة، فهناك ثمن علينا أن ندفعه.. وأحيانا نتعرض إلى مضايقات وشائعات تجعلنا نشعر بأننا مستهدفين من فئة معينة، ومع ذلك فنحن ماضون في أدائنا لأن هذا أقل ما يمكن أن نقدمه في ظروف كالتي يمر بها شعبنا». وحاولت رامتان الابتعاد عن التجاذبات السياسية في فلسطين وغيرها فقد اتهمت مرات أنها تابعة لحماس، واتهمتها جهات في حماس بتبعيتها لفتح، واتُّهمت بقضايا كثيرة كان عليها أن تثبت عكس ذلك من خلال أدائها. وعملت رامتان على الدوام على عدم الانجرار وراء محاولات تسهم في حالة التجزئة والانقسام والتشرذم التي تعانيها الساحة الفلسطينية. ولا ينسى رئيس مجلس إدارة «رامتان» أن يشير إلى قضية مهمة في علاقة صحافيي رامتان بزملائهم الآخرين في الصحافة والوفاء لهم ولتاريخهم: «أريد أن أشير إلى أن استوديوهاتنا جميعها تحمل أسماء شهداء الكلمة الحرة والصحافة المستقلة وقد أطلقنا أسماء صحافيين فلسطينيين استشهدوا في أثناء تأدية واجبهم المهني على استوديوهاتنا مثل: نزيه دروزة وعلي قعدان وفضل شناعة مصور وكالة رويترز الذي اغتيل أخيرا». الموقع الالكتروني لوكالة رامتان http://www.ramattan.net/ramattan/ عن صحيفة العرب القطرية