إذا كانت العلاقات المغربية الألمانية قد اكتسبت، خلال السنوات الماضية، حيوية واضحة في كافة المجالات، فإنها شهدت، في سنة 2010، قفزة نوعية كبيرة جسدها اللقاء الذي جرى في نيويورك، خلال شتنبر الماضي، بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وجاء اللقاء بين جلالة الملك والمستشارة الألمانية، الذي انعقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليؤكد رغبة البلدين في المضي بعلاقاتهما السياسية والاقتصادية إلى مستويات أرقى، تنسجم مع العمق التاريخي لروابطهما، التي تعود بدايتها إلى القرن السابع عشر (زيارة أول بعثة تجارية ألمانية إلى المغرب سنة 1605م)، والتي ترسخت في القرن الثامن عشر بإبرام أول معاهدة تجارية بين البلدين (سنة 1890). ولم يفت جلالة الملك التعبير للمستشارة الألمانية عن ارتياحه لهذه الروابط التاريخية القائمة بين المملكة المغربية والجمهورية الفدرالية الألمانية، وعن إرادة المغرب تعزيز إطار التعاون والشراكة بين البلدين الصديقين. كما عبر جلالته عن تقدير المملكة لانخراط ألمانيا في مواكبة جهود التنمية بالمغرب خاصة في القطاعات ذات الأولوية كالماء والبيئة ومكافحة آثار التقلبات المناخية والتنمية الاقتصادية المستدامة وقطاع الطاقات المتجددة.ومن جهتها، ثمنت ميركل دينامية الإصلاحات السياسية والانفتاح الاقتصادي الذي تشهده المملكة بقيادة جلالة الملك، مذكرة بأن المغرب سيظل شريكا متميزا بالضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط والعالم العربي.وأشادت بالجهود الدؤوبة التي تبذلها المملكة من أجل تعزيز علاقاتها المتميزة مع الاتحاد الأوربي، كما أعربت عن التزام حكومتها بتقديم دعمها الكامل لتعزيز الشراكة بين المغرب وأوربا، خاصة في إطار الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي. وأشادت المستشارة الألمانية بالدور الوازن لجلالة الملك من أجل تحقيق السلام بمنطقة الشرق الأوسط، كما نوهت بالانخراط القوي والحيوي للمغرب في جهود إقامة الاتحاد من أجل المتوسط، معربة عن اقتناعها بأن هذا الاتحاد يتوفر على كل المؤهلات الإستراتيجية والعملية لبناء نظام إقليمي متجدد كفيل بخلق دينامية تشاركية طموحة.وبعد أقل من شهرين على لقاء جلالة الملك بالمستشارة الألمانية، انتقل البلدان إلى تجسيد رغبتهما في الارتقاء بالعلاقات بينهما إلى مستوى أكثر تطورا، وهو ما ترجمته الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الشؤون الخارجية، نائب المستشارة الألمانية، غيدو فيسترفيله، إلى المغرب في منتصف نونبر الماضي. وجدد فيسترفيله، خلال زيارته، دعم الحكومة الألمانية لتطوير قطاع الطاقات المتجددة في المغرب، معلنا أن بلاده ستقدم، في إطار هذا الدعم، مبلغا بأزيد من 40 مليون أورو، خلال السنوات القادمة، إضافة إلى مبلغ ثان من ثلاثة ملايين أورو، لتنفيذ مشاريع مخطط المغرب للطاقة الشمسية.وأشاد رئيس الدبلوماسية الألماني بجهود المملكة في مجال الطاقات البديلة، مؤكدا أن المغرب «يوجه بذلك اقتصاده نحو المستقبل، حيث سيصبح المغرب شريكا استراتيجيا لألمانيا في مجال الطاقات المتجددة». وجاء تصريح فيسترفيله خلال زيارته للمغرب ليرسخ الاهتمام الكبير، الذي أبدته ألمانيا طيلة سنة 2010 باستراتيجية الطاقات المتجددة، التي اعتمدتها المملكة المتمثلة في برنامجي الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، اللذين تصل القدرة الإنتاجية، لكل منهما، إلى 2000 ميغاوات. وكان الرئيس المدير العام لمبادرة (ديزيرتيك) الصناعية لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بول فان سون، قد أكد بدوره، أن المغرب «شريك مثالي» لإنجاز مشروع إنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية في منطقة شمال إفريقيا، مشيرا إلى أن (ديزيرتيك) تستند على عنصر إيجابي، هو أن المغرب يتوفر على ربط كهربائي ذي ضغط عال مع إسبانيا. وإضافة إلى الطاقات المتجددة، التي تشكل أحد المجالات الحيوية للتعاون الثنائي، في الحاضر والمستقبل، أبدى البلدان سنة 2010 حرصا كبيرا على تطوير آليات التعاون في القطاع الفلاحي، ومن ثم كانت مشاركة ألمانيا ك «ضيف شرف» في الدورة الأخيرة للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، مناسبة لتجسيد هذا الحرص من خلال التوقيع على اتفاقية بين الجانبين تهم التعاون الثنائي في مجال السلامة الصحية للأغذية. واعتبرت ألمانيا، على لسان كاتب الدولة لدى وزيرة التغذية والفلاحة وحماية المستهلك، غيرد مولر، أن المغرب يعتبر «شريكا مركزيا» لألمانيا في القطاع الفلاحي على مستوى منطقة شمال أفريقيا، مشيدا بالجهود التي بذلتها المملكة من أجل تحديث وعصرنة القطاع الفلاحي، والتي أتاحت توفير مؤهلات كبيرة تمكن من الرفع من حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات المقبلة. وشكل إطلاق خطين جويين مباشرين بين برلين والدار البيضاء، بواقع ثلاث رحلات في الأسبوع، وبين ميونيخ ومراكش برحلتين أسبوعيا، حدثا بارزا خلال سنة 2010، بالنظر إلى الانعكاسات الإيجابية التي من المنتظر أن تنعكس على العلاقات الثنائية في كافة المجالات على المديين المتوسط والبعيد، خاصة على مستوى تدفق السياح الألمان نحو المغرب، لاكتشاف بلد يخطو نحو المستقبل بإصرار وثقة.