قضاة وخبراء يكشفون أسباب فشل تطبيق نظام اللامركزية بالمغرب أوصى المشاركون في ندوة علمية عقدت أول أمس بالمحمدية، حول موضوع «نصف قرن من اللامركزية المغربية 1960-2010»، بتأصيل مبادئ قارة بالنسبة للإدارة فيما يتعلق بالمادة الانتخابية تفاديا لتضارب الاجتهاد القضائي حول القضايا والنزاعات الانتخابية المطروحة بالدرجة الأولى على القضاء الإداري، مع إعادة النظر في الترسانة القانونية ذات الصلة باللامركزية، وإحداث نوع من التوازن بين الجهات وتمكينها من مسايرة كل التغيرات والإكراهات، وفسح المجال أمام المجتمع المدني للمشاركة في تدبير وتسيير الشأن المحلي. كما دعا المشاركون، وضمنهم قضاة ومحامون وخبراء ومهتمون بالشأن المحلي ومنتخبون، في ختام أشغال الندوة، إلى تخفيف دور الوصاية نحو منح المزيد من الاستقلال المالي والإداري للجماعات المحلية، معتبرين أن وجود نظام قانوني ومؤسساتي مهيكل ومنظم بشكل جيد ووجود إرادة سياسية أمران أساسيان. وأكدوا أيضا على ضرورة إعادة النظر في النظام الضريبي لتحقيق التوزيع العادل للثروات بين الدولة والجماعات المحلية، داعين في الوقت نفسه، إلى إعادة النظر في معايير التقطيع الترابي ونهج التدبير الجيد للعنصر البشري باعتباره المحرك الأساسي للتنمية. وقد أجمع المتدخلون خلال هذه الندوة، التي نظمتها كلية الحقوق بالمحمدية، على أن اللامركزية الإدارية، نظام يتوخى بالأساس، إعادة توزيع الوظائف الإدارية بين المركز وإدارات المناطق والأقاليم المحلية، بهدف تحسين وتوصيل الخدمات للمواطن أينما وجد، وتفعيل عملية التنمية في مناطق وأقاليم الدولة المختلفة، معتبرين سياسة القرب والحكامة الجيدة جوهر مسلسل اللامركزية. وفي هذا الإطار، أشار عبد اللطيف الشدادي، مدير التجهيز والتخطيط بوزارة الداخلية، في مداخلة له، إلى أن تعديل النصوص القانونية في مجال اللامركزية أصبح مطلبا ملحا لتسهيل عمل المنتخبين في الجماعات المحلية. أما محمد زين الدين، الأستاذ الجامعي بكلية المحمدية، في مداخلة له، فعرف اللامركزية بكونها عملية لنقل أنشطة اقتصادية وخدماتية من منطقة مركزية مسيطرة إلى أقاليم قليلة النمو. فيما اللامركزية الإدارية، فعل تقوم الحكومة من خلاله بنقل السلطة والمسؤولية رسميا إلى فاعلين ومؤسسات على مستوى أدنى في تراتبية سياسية وإدارية ومناطقية، بحيث أن هذا النقل للصلاحيات الإدارية يمكن الأقاليم من مزاولة عمل الدولة فيما يخص تنفيذ ومتابعة وتسيير الاستثمارات العمومية. مشيرا إلى أن تحويل السلطات إلى الأقاليم ينبغي أن يكون مصاحبا بتوفير الوسائل المالية الضرورية للتنمية الإقليمية اللامركزية. وعن أنواع اللامركزية الإدارية، يرى المتحدث ذاته، أن المنظرين قسّموا اللامركزية إلى أربعة أشكال عامة: التنازل، التفويض، عدم التركيز والتجريد، موضحا أن التنازل هو نقل السلطة إلى حكومات محلية مستقلة ذاتيا أو شبه مستقلة ذاتيا، فيما التفويض يفيد نقل المسؤوليات والخدمات إلى الحكومات والمؤسسات المحلية، في وقت يعني عدم التركيز توكيل تنفيذ البرامج الوطنية إلى الفروع الأدنى من الحكومة، أما التجريد فهو نقل الخدمات والمؤسسات الحكومية إلى الشركات والمؤسسات الخاصة. وعن الإطار التاريخي للامركزية بالمغرب، فأوضح الخبير الجامعي أن الميثاق الجماعي المؤرخ في 23 يونيو 1960، شكل أول نص ذي طابع عام، بعد أن سبقه نصّان ينظّمان انتخاب المجالس البلدية ويرسمان الحدود الترابية للجماعات، معتبرا أن الظهير المؤرخ في 12 دجنبر لسنة 1963، يشكل مستوى ثانيا من اللامركزية لكونه أحدث مجالس العمالات والأقاليم، مشيرا إلى أن اللامركزية في المغرب أضحت خياراً استراتيجيا لا رجعة فيه، وورشاً يحظى بالأولوية المطلقة من قبل السلطة السياسية، حيث شكل دائما موضوعَ عدد من الإصلاحات تتوخى تمكين المواطنين من إدارة قريبة وفعالة تصغي إلى انتظاراتهم وتطلعاتهم. وأكد أيضا أن مسلسل اللامركزية تعزز عام 1992 بإحداث نظام الجهات، باعتبارها جماعات محلية ذات اختصاص، تشكّل إطاراً ملائماً لتطوير آليات ومناهج جديدة كفيلة بتثمين أمثل للموارد البشرية والطبيعية والبيئية للجهة، ثم أتى ظهير 2 أبريل 1997، لحدد تنظيم الجهة على أساس تعزيز الممارسات الديمقراطية من خلال تمكين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وباقي مكوّنات المجتمع المدني، من استثمار الجهة باعتبارها فضاء جديداً للتفكير والحوار والعمل. ومن جهته، قال محمد قصري، رئيس محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، أن الحديث عن الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي وكذا تخليق المرافق الجماعية لا يستقيم في ظل غياب مجالس جماعية تتمتع بالنزاهة الفكرية ويتوفر مسيروها على مؤهلات وكفاءات لممارسة اختصاصات تسيير المجالس. وأضاف في مداخلة له، أن القضاء الإداري اعتبر أن الطعن الإنتخابي ذو طبيعة عينية، بمعنى أنه لا يهدف إلى تحقيق حقوق شخصية، بقدر ما يروم حماية المشروعية وكذا المصلحة العامة. وتحدث المصدر نفسه، عن طبيعة الطعن الانتخابي ومساطره وآجاله، ثم موجبات بطلان العملية الانتخابية، حيث أوضح في هذا الإطار، أن البطلان يتم في حالات ثلاث؛ الأولى إذا لم تجرى العملية الانتخابية طبقا للإجراءات المقررة قانونا (مدونة الانتخابات)، وثانيا إذا شابت العملية الانتخابية مناورات تدليسية (غش، خداع..)، ثم إذا كان الشخص المنتخب لايجوز له قانونا الترشح. أما محمد الورياكلي، نائب عميد كلية الحقوق بالمحمدية، فقد أكد في مداخلته، أن أغلبية الدول الإفريقية توجد في درجات متدنية في سلم تحقيق الديمقراطية المحلية واللامركزية، معتبرا أن اللامركزية الفعلية، تعني بالضرورة منح المسؤوليات وتدبير السياسات وإعطاء الحرية للآخر ين في اتخاذ القرارات كخلق ضرائب محلية مثلا، مؤكدا في الوقت نفسه، على أن رؤساء الجماعات المحلية مازالوا بعيدين عن مثل هذه المفاهيم. كما تطرق المتحدث ذاته، إلى موضوع الاستقلال المالي، الذي يرتكز في نظره على دعامتين أساسيتين، أولاهما الاستقلالية في اتخاذ قرارات التدبير، وثانيهما توفر سلطة القرار الضريبي، وخلص إلى أنه لايمكن الحديث عن ديمقراطية محلية دون التوفر على استقلال مالي، كما أن تحقيق الاستقلال المالي رهين أيضا بإرادة سياسية، وبإعادة النظر في النظام الضريبي ككل وخلق إدارة جبائية مالية محلية.