كل الأجيال التي عاشت فترة الستينات والسبعينات وبداية الثمانينات، تتذكر أن مدرجات ملاعبنا كانت بمثابة مدارس للتربية المثالية والأخلاق الفاضلة، فقد كان الأب يصطحب أبنائه للملاعب لمعاينة مباريات كرة القدم في جو التحلي بروح الانضباط ونكران الذات والاستقامة ليكون بذلك المناخ سليما للتفرج والمتعة. وقد كانت المسؤولية تحدد واجبات ومسؤوليات بالنسبة لجميع الشركاء سواء تعلق الأمر بالممارس (اللاعب) أو المسير والمدرب والمتفرج، وذلك حماية للحقوق وصونا للكرامة. إلا أنه شتان ما بين الأمس واليوم، لقد أصبحنا نخجل من ذكر سلوك بعض من هؤلاء الشركاء، سلوك مشين بالآداب والأخلاق وبالأعراف الرياضية. إن ما أصبحنا نعاينه بالمدرجات من سب وقدف بالكلام النابي تستحيل معه اصطحاب الأبناء والجلوس بجانبهم، والغريب أن تلفزتنا التي ننتظر أن تظهر ملاعبنا بالصورة والصوت كملاعب للتربية والأخلاق أصبحت هي الأخرى تسمعنا الصياح بالكلمات الدنيئة والألفاظ الساقطة، لقد كان على تلفزتنا كلما أطلقت العنان للكلام الساقط والنابي أن تزيل الصوت حتى لا تحرج العائلات التي تتفرج على التلفاز مجتمعة. ففي الوقت الذي ينتظر أن تكون ملاعبنا بمثابة مدارس للتسامح والتآخي تتحول الى أسواق للكلمات الدنيئة والألفاظ الساقطة. إن ملاعبنا تحولت الى منازل رحبة يفعل فيها ما يحلو للكثيرين بإطلاق العنان لأفواههم بالتفوه بكلام يندى الجبين لسماعه، فلا يتكلم إلا من لا يحسن الكلام، ولا يتحرك إلا من يريد الصياح بالكلام الذي يفتقد الى الاستقامة في التعبير. وأعتقد أن المسؤولية مشتركة ما بين الجميع، فكيف يحق لمدرب أن يسب ويشتم لاعبيه بكلام ساقط ليضرب بعض لاعبيه مما دفع برئيس النادي لإقالته، هذا حصل مؤخرا ببعض أندية المجموعة الثانية بولاية الدارالبيضاء (عصبة الدارالبيضاء) فالمدرب بمثابة مربي يفترض فيه تلقين هذه المبادئ وليس العبث بها. هناك كذلك عدم اللجوء الى جو منعش، محرك، منشط للجمهور لحمله على الشعور بأنه في حفل رياضي يتوقف على مبادئ الأخلاق السامية والتنافس الشريف. فكرة القدم قبل كل شيء رياضية، والرياضة هي تنافس، والتنافس يستلزم الفوز والهزيمة وكلتا النتيجتين تتطلب من المشارك الروح الرياضية الخلاقة العالية، وبالتالي تقبل أي ردود خارجية وأحكام مهما كانت. الكل يتذكر المباريات الكبيرة التي احتضنها مركب العربي بن مبارك (فيليب سابقا) ما بين أندية البيضاء آنذاك والقاعدة الجماهيرية لهذه النوادي: الوداد، الرجاء، الطاس، نجم الشباب، الراك، ومع ذلك كانت الجماهير منضبطة، تظهر على نبل الأخلاق والاستقامة وتومن بأن الهزيمة داخلة في إطار التباري. إن ما نسمعه من كلام نابي وساقط خلال نقل تلفزتنا لمبارياتنا الوطنية أو خلال تتبعنا للمباريات بالملاعب ينذر بالتعفن الخطير الذي مافتئ ينخر جسد لعبة كرة القدم بصفة خاصة ورياضتنا بصفة عامة. ولعل تصرف بعض المحسوبين على جمهور الرجاء والوداد خلال لقاء الديربي خير دليل على هذا التعفن. فمن منا الذي عاين الحقب السالفة والأمجاد التي قطعتها النوادي العريقة والنتائج التي أحرزتها وطنيا وقاريا والنجوم التي أنجبتها، فحرام أن تتصرف جماهيرها حاليا بكيفية لا تشرف سمعة أنديتنا وتاريخها التليد. ومرة أخرى يجرنا الحديث الى دور الجمعيات، هذه الجمعيات التي تضم الأنصار والمحبين، موكول لها توعية الجماهير وتلقنها شعارات التشجيع الخلاقة وحتها عن الكف عن الكلام النابي والساقط، واحترام الضيف وعدم التحريض حتى أثناء الهزيمة. لقد تفاقم الوضع بملاعبنا وأصبحت مدرجاتنا مدرجات الكلام المرفوض، الكلام الذي لا يليق بسمعتنا، نستمد قيمنا وأخلاقنا من ديننا الحنيف الذي يحرم القدف والشتم. إن المسير، المدرب، الجمعيات، كل من موقعه مسؤول على التوعية، كفانا من هذا السأم، لقد حان الوقت ليتحمل كل واحد منا مسؤولياته. إننا نتبرأ أن تكون ملاعبنا ملاعب الكلام النابي والساقط والكل في صمت وسكون، لقد حان الوقت لمحاربة هذه الآفة والظاهرة الخطيرة التي تمس القيم والأخلاق وإلا ستبقى مدرجات ملاعبنا مرتعا لذلك.