ما من شك أن كرة القدم اللعبة الشعبية قد غرست في نشأتنا حبا جنونيا، ويزداد هذا العشق والحب كلما كان المحبوب فريقا كبيرا وعملاقا له رصيد قوي من الجماهير كفريقي الوداد والرجاء، صاحبا الأمجاد والألقاب وتتنوع جماهيرهما بين محب مجنون يبكي ويغضب ويضرب أحيانا عن الطعام كلما تلقى فريقه هزيمة خصوصا إذا تعلقت الهزيمة بالديربي البيضاوي، ومحب يفجر غضبه بالسب والشتم بالكلام النابي والرشق بالحجارة. لقد طالبنا في العديد من المناسبات جمهور الفريقين أن يتحلى بالنضج والانضباط والاستقامة، وأن يعطي الصورة المشرفة والراقية بعد اللقاء كيفما كانت النتيجة، لأن التباري لابد من أن يفرز منتصرا ومنهزما، كما تنبأنا بأن لقاء الديربي سيجلب جمهورا قياسيا، جمهورا تمنينا أن يؤكد عن روح رياضية وعن رزانة لكن شيئا من هذا لم يحصل، بل شهدت العديد من الشوارع والأزقة انفلاتا كبيرا خصوصا بمدار شارع المسيرة وشارع آنفا، حيث كان الرشق بالحجارة والكلام الساقط متبادلا بين عدد كبير من جمهور الفريقين. كما تعرصت الحافلات للتكسير المتعمد وكان زجاجها متناثرا بكل الأرجاء. لقد تحولت شوارع العاصمة الاقتصادية الى ميادين رحبة يفعل فيها بعض الجماهير ما يحلو لهم، كإطلاق العنان لأفواههم بالتفوه بكلام يندى له الجبين لسماعه وافتقدوا الى السلامة والاستقامة في التعبير، وتحركوا للاعتداء على كل من يصادفهم. ففي الوقت الذي ننتظر أن تكون شوارعنا وأزقتنا بمثابة مدارس للتربية والأخلاق الفاضلة تتحول بعد كل لقاء ديربي الى أسواق للصياح بالكلمات الدنيئة والألفاط الساقطة وتخريب الممتلكات وتهشيم زجاج الحافلات وبعض السيارات الخاصة. حرام أن يتصرف بعض جمهور فريقين عريقين كالوداد والرجاء بكيفية لا تشرفهما كعملاقين بكل المقاييس، وهنا نتساءل أين هي الجمعيات التي تدعي بأنها تضم في صفوفها أنصارا ومحبين؟ وأين هو الدور الموكول لها في توعية جماهيرها؟ ما هي وظيفة هذه الجمعيات؟ هل هي الاكتتابات وتهييء التيفوات فقط؟ على هذه الجمعيات حث جماهيرها بالتشجيع اللائق واحترام الآخر، وليس تعميق الجراح بالتحريض وخلق المتاعب، والكل يتذكر البرنامج التلفزي الذي خصص بالقناة الثانية (45 دقيقة) الموسم الفارط لديربي البيضاء، الرجاء والوداد، فكل الفقرات كانت تنم عن التحريض والعداء وليس التحلي بروح الانضباط ونكران الذات والاستقامة وتوفير المناخ السليم لممارسة كرة القدم كلعبة لا أقل ولا أكثر، كفانا من هذا السأم، لقد حان الوقت لكي يتحمل كل واحد مسؤوليته من موقعه. هناك شيء أساسي في ظل الوضع الراهن لابد من ذكره ويتعلق بموقع مركب محمد الخامس الذي أصبح يشكل هاجسا لرجال الأمن ومرتعا لمن تسول له نفسه النيل من سمعة وكرامة رياضتنا بتواجده وسط كثافة سكانية هائلة ومرافق إدارية مهمة. كذلك نطالب بتفعيل دقيق وصارم لقانون مكافحة الشغب، إننا نأبى أن تكون ملاعبنا وشوارعنا وأزقتنا مفتوحة على مصراعيها للحجارة والتخريب والكلام الساقط والفوضى واللامبالاة، وجمعياتنا جمعيات صمت وسكون ومن ثم ننادي بالتصحيح، ووضع حد لكل من لا يمتثل للأخلاق الرياضية الفاضلة ومن دون ذلك سيبقى وضع الديربي مصيبة المصائب.