شهد معظم المراقبين بنجاح المؤتمر الأخير للاتحاد المغربي للشغل، وترددت كلمة «التوافق» في كل المتابعات الصحفية، كتوصيف للأجواء العامة للمؤتمر، ولكل المخاضات التي أفرزت القرارات المتخذة. المؤتمر جاء بعد عقد ونصف عن سابقه، وانعقد، فترة قصيرة، بعد رحيل الزعيم التاريخي للنقابة، ومن ثم فإن التخوف كان مشروعا عن مصير المؤتمر وعن مستقبل المركزية النقابية، لكن المؤتمرون نجحوا فعلا في العبور بمداولاتهم وبنقابتهم إلى المرفأ، أي إلى حماية تماسكها الداخلي، وإلى البلورة الجماعية للأجندة القادمة. إن عقد المؤتمر، وإكماله في وقته، وتكريس التوافق داخله، والاتفاق على قيادة جديدة، كل هذا يجسد، في الحقيقة، العنوان الأول لنجاح مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل. من جهة ثانية، وحيث أن تعدد النقابات في بلادنا بات منذ سنوات أمرا واقعا، وحيث أن الواقع النقابي اليوم صار متطلبا أساسيا يقتضيه نقاشنا العمومي والسياسي، فإن مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل كان أمام رهان استراتيجي يتمثل في تعزيز التعددية السياسية والحزبية داخله من دون إقصاء أو تهميش، وبشهادة الكثيرين فقد نجح في ذلك من خلال اختيار أمانة وطنية عاكسة للتعددية، على غرار باقي الهياكل التنظيمية التي أسفر عنها المؤتمر. وبقدر ما أن هذه الإشارة تمثل، بدورها، عنوانا ثانيا لنجاح النقابة في كسب واحد من الرهانات الكبرى لمؤتمرها الأخير، فإن ذلك يطرح على قيادتها الجديدة اليوم مسؤولية تثمين هذا النجاح، وجعل الإشارة ممتدة في الزمان. العنوان الثالث لنجاح المؤتمر، يوجزه انتخاب نقابيين شباب في الأجهزة القيادية، ما يجعل المركزية حاضنة للانشغالات المتجددة لمهنيي اليوم والمستقبل، وإن التحاق شباب، ونساء أيضا، بقيادة النقابة يفرض اليوم بلورة ميكانيزمات العمل والتفكير القادرة على تجديد حياة المركزية ومنظومة سلوكها النقابي. لقد انعقد مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل في ظرفية لا تخلو من مميزات وطنية واجتماعية وسياسية وإستراتيجية، تطرح بدورها تحديات جوهرية على مختلف الهيئات الاجتماعية والسياسية في بلادنا، وبالتالي فإن فعل نقابة مثل الاتحاد المغربي للشغل داخل هذه الدينامية المجتمعية، يوجب أن يكون المؤتمر الأخير انطلاقة حقيقية لمرحلة جديدة، وأيضا لمقاربة تقوم على تمتين ديمقراطية النقابة وتقدميتها بالخصوص، أي أن يكون الاتحاد المغربي للشغل المنصت لأسئلة الوطن وللمستقبل التنموي والديمقراطي للبلاد، والمتفاعل معها، والمنخرط في مسارات التحديث والديمقراطية والإصلاح. إن مناضلات ومناضلي الاتحاد المغربي للشغل مسؤولون عما بعد مؤتمرهم، ومطوقون بمهمة إنجاح تحديات المرحلة الجديدة التي ولجتها مركزيتهم.