وزارة العدل تضع دليلا عمليا للتكفل القضائي بالنساء والأطفال خلال مختلف مراحل التقاضي أعلن وزير العدل محمد الطيب الناصري أن وزارته أعدت دليلا عمليا للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال يرمي إلى وضع مسار عملي واضح ومتسق ومتكامل للتكفل القضائي بهذه الفئات خلال كافة المراحل التي تعرفها المسطرة القضائية، بدء من مرحلة البحث التمهيدي وانتهاء بمرحلة التنفيذ. ويأتي إعلان الوزارة عن إعداد وإصدار هذا الدليل الذي يعد بمثابة خارطة طريق تعتمد في أسسها على مضامين وروح المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان من أجل التكفل بالنساء والأطفال كإحدى الفئات الهشة في المجتمع، وذلك تزامنا مع احتفاء المجتمع الدولي بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف تاريخ 10 دجنبر من كل سنة، ليؤكد أن مسار حقوق الإنسان والإنصاف والعدل الذي اختاره المغرب يتم تكريسه بثبات. وأكد محمد الناصري، في تدخل خلال لقاء تواصلي نظمته الوزارة بالمناسبة الجمعة الماضي بالرباط، أن موضوع التكفل بقضايا النساء والأطفال يرتبط بالمنظومة الحقوقية كما هي متعارف عليها في المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، حيث شكلت هذه الأخيرة إحدى المرجعيات الدولية التي كانت حاضرة في فلسفة إنجاز الدليل الخاص بالتكفل بهذه الفئة. وأوضح الوزير، أن الهدف الأساسي وراء وضع هذا الدليل، الذي أعدته مديرية الشؤون الجنائية والعفو بالوزارة بتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، ووزارة الصحة، والإدارة العامة للأمن الوطني، والدرك الملكي، وجمعيات من المجتمع المدني، بالإضافة إلى منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف)، ومنظمة الأممالمتحدة للسكان، والبرنامج متعدد الأطراف حول محاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي؛ يتمثل (الهدف) في توحيد المساطر وآليات التدخل وتبسيطها على مستوى المحاكم، وتوفير مرجعية لهذه الآليات تراعي خصوصية عمل خلايا التكفل بقضايا النساء والأطفال، وتوضح غاية المشرع، وتثبيت الإجراءات وتعميمها بهدف مأسستها وتوطيدها كآليات أساسية يجب اتباعها في تطبيق المساطر القانونية، هذا فضلا عن توخي السرعة والنجاعة والفعالية في تطبيق القانون، وتوفير آليات لتأطير الممارسة العملية في الميدان، وتقييم الأداء في مجال التكفل القضائي بالنساء والأطفال. وأضاف، أن الدليل يروم أيضا وضع خطة موحدة ومتناسقة يستأنس بها القضاة وأعضاء النيابة العامة وباقي الفاعلين والمتدخلين في التكفل بقضايا المرأة ضحية العنف بكافة أشكاله، وذلك من أجل تحقيق التوازن بين المرأة والرجل في التمتع بالحقوق، وحماية النساء وصون كرامتهن، وجبر الضرر المادي والمعنوي الذي يلحق بهن من جراء الاعتدءات التي قد يتعرضن لها، وذلك خلال سائر مراحل المسطرة القضائية بدء بمرحلة ما قبل المحاكمة ومرورا بفترة المحاكمة ثم انتهاء بتنفيذ الأحكام الصادرة. وعلى مستوى التكفل بقضايا الأطفال المحتاجين، قال المسؤول الحكومي «إن هذا الدليل يهدف إلى توفير الوقاية والحماية وتحقيق العلاج والتربية والإدماج في مختلف الأوضاع سواء كانوا ضحايا أو في وضعية مخالفة للقانون أو في وضعية صعبة أو مهملين»، مشيرا أنه في الجانب المتعلق بملاءمة عدالة الأحداث مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال، وضع الدليل أهم المبادئ التوجيهية التي يتعين الاعتماد عليها في عدالة هذه الفئة والتي تتمحور حول المصلحة الفضلى للطفل واختياره التدبير الملائم لشخصية الحدث تبعا لتطور حالته وسلوكه. وفي ذات السياق أعلن الناصري عن إحداث خلايا للتكفل القضائي بقضايا النساء والأطفال على صعيد المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف بتراب المملكة، وتشكل هذه الخلايا التي يصل عددها حاليا إلى 86 خلية وتتواجد مقارها بالنيابات العامة، نقطة الاتصال الأولى بين القضاء والضحايا، وكذا المخاطب المباشر لباقي المؤسسات الشريكة في هذا المجال، كما تشكل نقطة ارتكاز لتفعيل التنسيق بين مختلف المتدخلين، والتي تندرج في إطار خطة الوزارة إرساء منظور جديد يتوخى توفير تكفل حقيقي بقضايا النساء والأطفال. وأشار أن هذه الخلايا تتألف من مختلف مكونات الجسم القضائي داخل المحكمة بالإضافة إلى مساعدات اجتماعيات يتكلفن باستقبال الضحايا، وهو ما من شأنه أن يدعم عمل هذه الخلايا، مضيفا أن وزارة العدل أعدت مطويات حول التكفل بقضايا النساء والأطفال ضحايا العنف سيتم وضعها رهن إشارة المتقاضين بالمحاكم وكافة شركاء التكفل بالمرأة والطفل وذلك من أجل تقريب الدليل من مستعمليه. وأقر الوزير بالتحدي الذي يواجه هذه التجربة، قائلا «إن نجاحها رهين بالأساس بانخراط جميع الفاعلين في مجال العدالة في هذا البرنامج واستحضار روح المشرع في تكريم النساء والأطفال والقضاء على كل تمييز سلبي في مقاربة الجنس من أجل الوصول إلى مغرب جدير حقا بأطفاله ويؤمن بالمساواة المثلى بين رجاله ونسائه الذين يشكلون رهان التنمية المستدامة لبلدهم المغرب». ومن جانبه ثمن ممثل منظمة الأممالمتحدة بالمغرب الجهود التي يقوم بها المغرب في مجال ملاءمة تشريعاته الوطنية مع المعايير الدولية، مؤكدا أن هذا المجهود الذي يتوخى خلق مناخ ملائم يكفل تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية التي تحمل عنوان «مغرب جدير بأطفاله» أقرته مختلف التقارير الدولية الصادرة خلال العشرية الأخيرة، وأن هذا المسار تؤكده مؤشرات عديدة لا تخطئ مسار المغرب نحو تمتيع جميع مواطنيه بحقوقهم خاصة الفئات الهشة. وأبرز المسؤول الأممي أن المغرب يعد بلدا رائدا على مستوى العمل التشاركي الذي يتم القيام به على هذا المستوى بين القطاعات الوزارية المعنية وجمعيات المجتمع المدني وعدد من المتدخلين، مشيرا إلى تمكن المغرب من رفع الطابوهات عن عدد من القضايا الشائكة، خاصة على مستوى قضايا العنف ضد النساء والأطفال، والتكفل بهم قضائيا. ودعا الوزارة فيما يخص الأحداث الذي تتم إدانتهم من طرف القضاء إلى العمل من أجل إيجاد صيغ لإقرار عقوبات بديلة عوض العقوبات المعمول بها حاليا أو وضعهم في مؤسسات وطنية تتكفل بهم، قائلا «إن هناك الكثير من التحديات التي يجب رفعها من أجل أن تتمكن النساء والأطفال من التمتع بشكل أفضل بحقوقهم».