حضور وازن لنجوم الفن السابع وأجندة غنية بالمفاجآت وإصرار على التميز منح مهرجان مراكش ليلة السبت الماضي نجمته الذهبية للسينما الفرنسية، تسلمها كل من المخرج السينمائي كوسطا كافراس والممثلة العالمية كاترين دونوف من يد المخرج الأمريكي الكبير مارتين سكورسيزي، خلال حفل تكريم استقطب جمهورا عريضا غصت به جنبات قصر المؤتمرات. وفي معرض كلمته نوه سكورسيزي بفرنسا مهد السينما معتبرا أن الحديث لا يستقيم في بضع كلمات عن المغامرة السينمائية الفرنسية، لكنه مع ذلك كان دقيقا في خطابه الموجز، وقدم لمحة فنية وتاريخية عن هذه السينما التي قطعت مسافة قرن من الزمن ووصفها بكونها سينما متجددة بشكل متواصل، مذكرا بأسماء مخرجين وفنانين طبعوا هذه السينما وساهموا في ثرائها وتنوعها. ومن جهة أخرى تميز هذا الحفل بحضور حشد كبير من نجوم فرنسا وسينمائييها اعتلوا منصة المهرجان تحت وابل من التصفيقات، ومعلوم أن دورة مراكش العاشرة ستقدم ما لا يقل عن 75 شريطا سينمائيا تعرض لمختلف مراحل مسار السينما الفرنسية وتوجهاتها الفنية والسياسية باعتبارها سينما رصينة كان على الدوام محورها الإنسان والحرية. وعلى إيقاع برمجة سينمائية ثرية جسدتها ندوات ولقاءات متنوعة ومشاهدة بالغة المتعة لمادة فيلمية منتقاة بعناية كبيرة، وتنظيم محكم الضبط، وضيوف ذوي قيمة إبداعية كبيرة.. تتواصل فعاليات الدورة العاشرة من هذا المهرجان الرائع، مهرجان مراكش الدولي للفيلم، بحضور نجوم عالميين وصناع أحلام، وسينمائيين ذائعي الصيت، أضاءوا بحضورهم سماء المدينة الحمراء، ناهيك عن حضور فني مغربي وازن، لمع من خلاله سينمائيونا المحليون منهم والعالميون الذين يتألقون خارج الوطن مثل الفنان المغربي الكبير جاد المالح. ومن جديد يؤكد مهرجان مراكش أنه مهرجان كبير، مهرجان موجه للسينما ومن أجلها، وتجلى ذلك بشكل واضح منذ لحظة الافتتاح مساء الجمعة الماضي،حيث تميزت بتكريم أحد عشاق السينما الكبار، الفقيد دانييل توسكان دو بلانتيي الذي توفي سنة 2003, على اعتبار أنه كان أول مدير لمهرجان مراكش الدولي، وأحد أبرز واضعي اللبنات الأولى في تأسيسه، تكريم ترافق مع عرض مقتطفات من شريط وثائقي حول مساره المهني، حيث قررت إدارة المهرجان منحه نجمة المهرجان الذهبية ستذهب إلى ابنته، في حضور السيدة مليتا توسكان دو بلانتيي مديرة المهرجان وأرملة الفقيد التي سارت على خطواته في تدبير أمور هذه التظاهرة السينمائية الكبيرة.. وفي تحد شجاع للكثير من المعيقات والانتقادات الشديدة، أبت هذه السيدة إلا أن تضع مجهودها إلى جانب المجهودات التي يبذلها طاقم مؤسسة المهرجان تحت الرئاسة الفعلية لصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد من أجل المضي بالمهرجان إلى الصورة المشرفة التي هو عليها اليوم كواجهة ثقافية تعكس صورة مغرب حداثي وديمقراطي منفتح على العالم بعمقه الحضاري وقيمه الداعية إلى السلم والمحبة والأخوة بين الشعوب. وقد تميز انطلاق حفل الافتتاح بالكلمة المؤثرة التي تلاها في حق الراحل دانييل توسكان دو بلانتيي، المدير العام للخزانة السينمائية الفرنسية، سيرج توبيانا، ونوه من خلالها بمناقبه معتبرا أنه كان إنسانيا، مثقفا، متنورا ومدافعا عن الفنانين، يعمل على التعريف بأعمالهم السينمائية, ومتشبثا بحرية الإبداع، وأن السينما كانت بمثابة عشق والتزام بالنسبة له وكان يوليها اهتماما كبيرا, مشيرا إلى أن السينما شرطها الحرية إن على مستوى الخلق والإبداع أو على مستوى الانتشار والوصول إلى المتلقي. «دانيال الذي كان يؤمن بأن إرادة الكل تنتصر على جوانب النقص في الفرد» بهذه العبارة عميقة الدلالة اختصرت مديرة المهرجان، كل ما يمكن أن يقال في حق الفقيد ومسيرته الفنية في عالم الفن السابع.. ومن جهة أخرى اعتبرت مليتا توسكان دو بلانتيي أن المهرجان الذي تأسس بإرادة ملكية ليكون نافذة فنية وثقافية مغربية مفتوحة على فنانين من جميع الآفاق والمرجعيات الثقافية, قد نجح إلى حد كبير وخلال تسع سنوات أن يجعل من مراكش خلال مجمل الدورات، قبلة لكبار النجوم والمخرجين لتبادل الرؤى ووجهات النظر حول السينما وإثراء معارفهم واكتشاف المغرب وفنونه.. كما تميز حفل الافتتاح بتقديم أعضاء لجنة تحكيم الدورة العاشرة على إيقاعات موسيقية من عزف الجوق السيمفوني الملكي للمغرب برئاسة المايسترو أولغ ريشكن. لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج الأمريكي جون مالكوفيتش، تضم كلاً من الممثل والمخرج المغربي فوزي بنسعيدي, والممثل الإيطالي ريكار ماجي, والممثلة شونغ من هونغ كونغ, والمنتج والمخرج والممثل المكسيكي جيل كارسيا بيرنال, والمخرج الفرنسي بونوا جاكوط, والممثلة الفرنسية إيرين جاكوب, والممثل البريطاني دومينيك كوبر، والممثلة المصرية يسرا، هؤلاء جميعا تعاقبوا على منصة الافتتاح معلنين كل بلغته الأم عن انطلاق الدورة العاشرة للمهرجان. ومما تجب الإشارة إليه، ويعتبر في نظر المتتبعين عن حق إشارة ذات أهمية بالغة، تشريف رؤساء لجان تحكيم الدورات السابقة، كالألماني فولكر شلاندورف والأمريكي باري ليفنسون ورئيسة أول دورة للمهرجان شارلوت رامبلين. وفي نظر متتبعين آخرين، يعد أروع ما في حفل الافتتاح، هو إطلالة النجمة الأمريكية إيفا منديس بابتسامتها الساحرة، وتلويحها بالتحية للجماهير المراكشية التي حجت إلى قصر المؤتمرات للترحيب بالفنانين، وإلقاء التحية والظفر بابتسامة أو نظرة حية ومباشرة من نجومهم المحبوبين، وكان من ضمن الحضور المغربي مجموعة السلسلة التلفزيونية الشهيرة حديدان يتقدم أفرادها الممثل كمال كاظمي، ومجموعة سلسلة دار الورثة ومثلها المبدعان فضيلة بنموسى وعبد الصمد مفتاح الخير، والعديد من المخرجين والفنانين المغاربة الذين يضيق هذا الحيز عن ذكر أسمائهم مجتمعين. وكان ختام حفل الافتتاح قد تميز بعرض فيلم أميركي تحت عنوان «جريمة هنري» للمخرج مالكولم فينفيل، والذي يروي قصة هنري، الرجل الهادئ، الذي يجد نفسه دون قصد يقود سيارة للصوص استولوا على مصرف، ليقضي بعدها مدة ثلاث سنوات في السجن ويقرر، بعد مغادرته السجن، سرقة المصرف الذي سجن من أجل جريمة لم يرتكبها. يذكر أن الدورة الحالية تكرم الممثلين الأمريكيين جيمس كان وهيرفي كايتل، والمخرج الياباني كيروشي كيروساوا، بالإضافة إلى المخرج المغربي محمد عبد الرحمان التازي، كما يستحضر المهرجان حياة الممثل المغربي الراحل العربي الدغمي، ويجلب أنظار حضور إعلامي وطني ودولي يعكس قيمة الحدث ويعكس كذلك أبعاد المغرب الحضارية والجمالية، ومن خلاله صورة الإنسان المغربي بكرمه وانفتاحه على التعايش والحوار الثقافي المتنوع كقيم أصيلة وعميقة في وجدانه الجمعي.