يعد المعرض الدولي للفرس، لبنة جديدة في مجال الاهتمام بالفرس وإبراز الجوانب العلمية والثقافية والسوسيو اقتصادية المرتبطة، كما أنه يجسد العناية الفائقة التي أحاط بها ملوك وسلاطين المغرب، الخيل على مر التاريخ. فالفرس يعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ الثقافة المغربية إذ لم يتوان المغاربة، على مر القرون، عن تشريف الفرس الذي يمتد وجوده في منطقة المغرب الكبير، لأكثر من ثلاثة آلاف سنة. كما أن سباق الفروسية التقليدية يشكل اليوم ركنا أصيلا من التراث الثقافي الوطني ولا يزال يمثل لحظة متوهجة من لحظات الاحتفالات الكبرى أو الاحتفاء بالأعياد. ويستمد هذا الاهتمام العريق بالفرس في المغرب مقوماته من العلاقة متعددة الأبعاد التي جمعت الانسان بالفرس، وكذا من الحضور القوي والمكانة المتميزة التي بصمت بها الجياد المسار الطويل للحضارة الانسانية وخاصة العربية والاسلامية منها. ولقد عد الفرس، منذ الأزل، مطية عالية المقام خلد الشعراء والأدباء خصالها السامية ببليغ القول وبديع الصور. كما ظل الجواد رفيقا للإنسان حاضرا كزينة ومفخرة في فترات السلم، وكقوة فاعلة وحاسمة في ساحات الوغى زمن الحروب، فضلا عن استخدامه كسلاح رادع لضبط الأمن في المدن والتجمعات السكنية وتوظيفه في وسائل النقل والحرث والبريد...الخ ويؤسس تنظيم المعرض الدولي للفرس، الذي ستتواصل فعالياته بالجديدة، حاضرة دكالة ومربط خيولها، إلى غاية 24 أكتوبر الجاري، لسنة حميدة من شأنها المساهمة في تنمية قطاع تربية الخيول والأنشطة المرتبطة بالترفيه وسياحة الفروسية ورياضتها بالمملكة، علاوة على تكريس الموروث الثراتي للفروسية المغربية في تجلياته المختلفة. كما تندرج هذه التظاهرة الهامة في سياق تثمين المؤهلات المتنوعة لجهة عبدة- دكالة، التي يعود لها شرف احتضان هذا الحدث، ولاسيما التراث الفروسي والبنيات التحتية الخاصة بالفرس، سواء منها مربط الخيل الجهوي أو حلبة الفروسية أو موسم مولاي عبد الله أمغار الذائع الصيت، الذي يجمع كل سنة أكثر من 1000 فارس من مختلف مناطق المغرب، والذي يترجم الأهمية التي تحظى بها هذه المنطقة في مجال تربية الخيل والمهارات الخاصة بالفروسية. ويستضيف المعرض 80 عارضا وأزيد من 700 من الخيول (البربريِ، العربي البربري، العربي الأصيل، والإنجليزي)، على مساحة تبلغ تسعة هكتارات، منها 20 ألف متر مربع مغطاة. ومن المرتقب، بالنظر للنجاح الكبيرالذي عرفته الدورتان السابقتان، أن يتجاوز عدد الزوار هذه السنة 250 ألف زائر. ويخصص المعرض، المنظم تحت شعار «الفرس البربري بالمغرب وعلى المستوى الدولي»، فضاء واسعا للمعارض، حيث سيحتضن سبع قرى هي قرية مؤسساتية، وقرية عالمية، وقرية المساندين، وقرية الحرفيين، وقرية الفنون والثقافة، وقرية المربين والقرية التجارية. كما تعرف هذه التظاهرة، التي أضحت مناسبة هامة للقاءات وتبادل الخبرات والتجارب في مجارل تربية الخيول، حضور مجموعة من المؤسسات وممثلين جهويين ومهنيين، يمثلون عددا من البلدان العربية والأوروبية منها المملكة العربية السعودية وقطر وتونس وبلجيكا وهنغاريا، الى جانب المشاركة الوازنة لفرنسا «ضيف شرف» الدورة الثالثة، والتي يشكل «فرسان الحرس الجمهوري الفرنسي» عنوانها الأبرز. ويكمن إجمال المرامي التي يرنو المعرض إلى تحقيقها في مقصدين أساسيين يتمثلان في تثمين تراث وتقاليد الفروسية, وتطوير المهن المرتبطة بها باعتبارها موروثا ثقافيا غنيا. وفضلا عن أبعاده الثقافية والحضارية، يكتسي المعرض الدولي للفرس أهمية سوسيو اقتصادية كبيرة بإتاحته الفرصة لمجموع الفاعلين، المرتبطين بتربية الخيول لاسيما الصناع التقليديون والمقاولات الصغرى والمتوسطة، للمشاركة في هذا الحدث الذي يهم تطوير مهن القطاع، ومن ثم بروز مقاولات مهيكلة تعتمد وسائل اشتغال حديثة. وقد راعت الدورة الثالثة للمعرض مختلف هذه الأبعاد حتى تقدم للمشاركين فيه ولزواره برنامجا غنيا ومتنوعا يشمل مجموعة من العروض الوطنية في فن التبوريدة، ومعارض فنية ومسابقات للقفزعلى الحواجز من مستوى عال، ومسابقات في تربية الخيول بأنواعها المختلفة. كما تقترح الدورة، على زوارها، محورا ثقافيا غنيا يبحث موضوع «ثقافة الفرس في بلدان حوض البحر المتوسط»، وسيتم في إطاره إلقاء محاضرات تهم بالخصوص «الفرس في ذاكرة الأندلس»، و»مظاهر ثقافة الخيل والفروسية في بعض حضارات البحر الأبيض المتوسط»، و»شعرية الفرس عند العرب بين النمطية والتنوع». وإلى جانب الشق الثقافي أفرد المنظمون حيزا للعلوم البحثة من خلال محاضرات علمية، ستتناول مواضيع تتعلق أساسا، ب»المستجدات في الطب والجراحة عند الخيول»، و دور الحكام في تطوير الحصان البربري»، و«حذوة الفرس بين الماضي والحاضر».