أعلن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والائتلاف المغربي للثقافة والفنون عن بلورة تعاون مشترك يروم تعزيز انخراط الفعاليات الثقافية والفنية الوطنية في النهوض بثقافة حقوق الإنسان وإشعاع قيمها. بعد أيام، سيقيم الطرفان تظاهرة تحسيسية كبرى بمشاركة عشرات الفنانين والمبدعين المغاربة، وستستثمر فيها تعبيرات فنية مختلفة من أجل تجديد التزام صناع القيم والأفكار والمعارف بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن هذه المبادرة، لا يمكن اختصارها فقط في بعد احتفالي ترويجي، على أهمية ذلك، إنما هي، في العمق، توجه الضوء إلى قضية ذات أهمية بالغة، وتتعلق ب»الالتزام» لدى مثقفينا وفنانينا، تجاه قضايا المجتمع والناس، وهي قضية قيل وكتب فيها الكثير في المغرب وفي العالم. نخبنا الثقافية والفنية لم تعد فاعلة في المشهد الاجتماعي والسياسي منذ سنوات، ولن نفتح هنا أي سجال إضافي عن الأسباب، أو ما إذا كان الأمر ابتعادا أم إبعادا وتهميشا، ولكن المهم أن الوقائع واضحة على الأرض، ولها تجليات كثيرة في حياتنا السياسية والانتخابية والإعلامية والفكرية ... مبادرة الائتلاف المغربي للثقافة والفنون والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تروم تغيير هذا الواقع، أو على الأقل التحسيس بسلبيته، والتأسيس للبديل، ولذلك فهي تستحق التنويه والتشجيع. ومن دون شك، لن يكون عمل الهيئتين المذكورتين هينا، خصوصا أن البعض لا زال يربط (الإبداعية) بالابتعاد عن المجتمع، وبممارسة نوع من التعالم، ورغم أن مثل هذه الطروحات قديمة، ودارت حولها نقاشات وصراعات عبر التاريخ، وفي ثقافات مختلفة، فإنها لازالت أحيانا تتجلى في ممارسات عدد من مثقفينا ومفكرينا إلى اليوم. المعرفة لم يعد بالإمكان أن تتبلور خارج الارتباط بالمجتمع، وحياد المبدع أو المفكر وموضوعيته لا يعنيان تموقعه في برج عاجي واستقالته من كل ما يهم المجتمع ومستقبله وتنميته... مجتمعنا في حاجة لمثقفيه وفنانيه ومفكريه وعلمائه، لقيادة مسيرة التنمية والتحديث والدمقرطة، ولمواكبة مسلسلات الإصلاح والفعل في دينامياتها، وليس هناك سوى المثقف والفنان والمفكر من يستطيع إشعاع الوعي النقدي وسط الناس، وتوجيه المجتمع للانفتاح على الأسئلة الكبرى لعالم اليوم، ومن ثم لا معنى للإبداع وللمعارف وللأفكار إذا لم تكن مرتبطة بمصير المجتمع وبواقع الناس ومستقبلهم، وبالتالي إذا لم يكن الفكر أو الإبداع على ارتباط وتفاعل بالمبادئ وبالالتزام. المغرب الحالي في حاجة إلى استعادة نخبه الثقافية والفنية والفكرية، كي تكون فاعلة في مسار الديمقراطية والحداثة، وليس من مصلحته أن يدير لها ظهره...