حق الحماية وواجب التحفظ !!... لم توافق اللجنة التقنية على نتائج الدراسة التي أنجزها مكتب الدراسات إكتواريا لإصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب. هذا ما تشهد عليه محاضر اجتماعات اللجنة التقنية التي جرى تسريب بعض من وقائعها إلى الصحافة، بحيث يتبين أن كل ما تم الترويج له حول مجريات اجتماعات اللجنة التقنية ومواقف مكوناتها، لا يعدو أن يكون مجرد قراءات انتقائية وإسقاطية. وهذا ما خلص إليه الجانب النقابي في معرض اجتماع يوم الجمعة 17 شتنبر الجاري، الذي اعتبر نقاش اللجنة غير مكتمل وخلاصات التقرير النهائي غير ذي أساس للإصلاح، في إحالة على موقفه الداعي إلى ضرورة وضع أي مشروع للإصلاح على طاولة الحوار الاجتماعي، وعلى أساس ما تم إعداده من سيناريوهات متعددة للإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد والموضوعة على أنظار لجنة تقنية مكونة من الأطراف المعنية من صناديق التقاعد والنقابات والباطرونا إلى جانب الوزارات الوصية، هذا فضلا عن استشارة المكتب الدولي للشغل الذي تتميز تحليلاته في مجال التقاعد بالمقاربة الاجتماعية. ومعلوم أن بعض مكونات اللجنة التقنية لا تخفي ما يفوح من دراسة إكتواريا من وصفات مطابخ البنك العالمي وتوابلها المضادة للمقاربة الاجتماعية في مجال التقاعد، وفيما يستجيب لأمنية طالما استبدت بأوساط الباطرونا والمتمثلة في إقرار نظام التقاعد بالرسملة. ذلك أن من شأن توسيع تطبيق نظام التقاعد بالرسملة أن يحد من معدلات اشتراك أرباب العمل والتحكم في تخفيضها التدريجي وبالتالي الرفع من أرباحهم، بحيث يصبح المعاش، في هذه الحالة، ريعا ماليا مصدره السوق المالية. أما بالنسبة لنظام التقاعد القائم على التوزيع، فالمعاش يعد في جوهره أجرا غير مباشر، لأن مصدره الاشتراكات الاجتماعية، أي الأجور. لذا، وبدعوى الحفاظ على تنافسية المقاولات، حرص مكتب الدراسات على تضمين مشروع الإصلاح جملة من التوصيات للحكومة ولأرباب العمل واللجنتين الوطنية والتقنية لإصلاح أنظمة التقاعد، والقاضية بتخفيف الأعباء والتحملات الاجتماعية على المقاولات، عبر التقليص من اشتراكاتها والزيادة في اشتراكات العاملين وتحويل الأنظمة الأساسية للتقاعد بالتوزيع إلى أنظمة تشتغل بنظام النقطة، بدل نظام الأقساط السنوية. وفيما يحاول واضعو مشروع الإصلاح، تقديم هذا التحويل لأنظمة التقاعد كمجرد مسألة تقنية، ترى النقابات في تطبيق نظام النقطة نسفا لمبدإ التضامن الاجتماعي الذي يقوم على أساسه نظام التقاعد بالتوزيع، بحيث تتحول الحقوق الاجتماعية للمتقاعدين إلى مسألة فردية تتعلق بما استطاع كل عامل ادخاره من اشتراكات وبما يحققه روجان الادخار في السوق المالية من ربحية. ولم يفت مكتب الدراسات في معرض توصياته هاته، وبصيغة التنبيه، التسطير على مباشرة المقاييس الجديدة للمعاشات ونسب الاقتطاعات، في حدود الممكن قبوله اجتماعيا وسياسيا، هذا على اعتبار أن الأمر يتجاوز بكثير ما هو مكسب اجتماعي إلى ما هو تضامن، بل وركيزة أساس في سلم قيم المجتمع المغربي. ولعل هذا ما غاب على وزير المالية، صلاح الدين مزوار، وهو يستعجل وضع مشروع قانون يقضي برفع سن التقاعد ومعدل الاقتطاعات وتغيير قاعدة احتساب المعاشات ومقاييسها برسم مشروع ميزانية 2011، بحجة إنقاذ الصناديق الاجتماعية من السكتة القلبية، وفي تغييب تام لكل ما يمكن أن يحمله هذا القرار من مضاعفات اجتماعية وسياسية في مجرى الاستحقاقات المقبلة والتي لم تعد تفصلنا عنها غير شهور معدودات. وخارج المخاطرة برصيد الحكومة ومنجزات ولايتها، لا تستبعد بعض الأوساط الحكومية دعوة اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، والتي لم تلتئم منذ تأسيسها، إلى الاجتماع من أجل بلورة صيغة حد أدنى من التوافق بين أطرافها الممثلة للدولة والباطرونا والنقابات، في ضوء مطلب إرجاء موعد الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد إلى 2016. إن مسؤولية الدولة قائمة، في حالة الإفلاس الذي يتهدد الصناديق الاجتماعية، بسبب الديون المتراكمة بذمتها والتي تقدر بملايير الدراهم، وعليه فإن من شأن تمرير القانون الجديد للتقاعد في ميزانية 2011، ليس فقط أن يطيح بطبيعة نظام التقاعد بالمغرب والانقلاب عليه باعتباره حماية اجتماعية، وهدفا من الأهداف الثمانية للألفية للتنمية التي التزم المغرب بتنميتها وتحصينها، بل ومن شأنه أيضا إطلاق شرارة توتر يهدد السلم الاجتماعي.