يتواجد مصطفى سلمى ولد سيدي مولود في الزويرات الموريتانية في طريقه إلى مخيمات تيندوف، التي لا زالت تبعد عنه مسافة أيام. وبعد أن اتهمته جماعة عبد العزيز ب «الخيانة»، أعلنت عن قرار بمنعه من دخول المخيمات واللقاء بأسرته هناك، وهددته بالاعتقال إن حاول الدخول. بقدر ما يكشف الموقف عن طبيعة الجهة التي اتخذته، ومستوى انسجامها أيضا مع قيم العصر، ومدى فهمها لمعنى حرية الناس في التعبير عن آرائهم، بقدر ما أن الحالة اليوم تفرض على المنتظم الدولي التدخل لتأمين السلامة لولد سيدي مولود، وتمكينه من العودة للمخيمات ومعانقة أسرته، وحرية التعبير عن رأيه وسط أهله. لقد وجه والد المعني بالأمر رسائل إلى الأوساط الحقوقية والأممية لحماية ابنه، ووجهت هيئات مدنية مغربية النداء ذاته، وعبرت السلطات المغربية عن انشغالها بالأمر ومتابعتها لتطورات الحالة، ومع ذلك لم نر أو نسمع أن «النشطاء» في الجارة إسبانيا مثلا تحركوا وفاء لنفس القيم الحقوقية التي طبلوا لها أيام الحكاية الطريفة مع أميناتو حيدر. لماذا هذا الصمت؟ وهل تغيب قيم حقوق الإنسان لما يصدر الانتهاك عن جماعة تيندوف ؟ منطق حقوقي أعرج فعلا هذا الذي يفهمه جيراننا الإسبان. والأنكى، أنهم فضلا عن صمتهم في حالة ولد سيدي مولود، فإنهم يسارعون إلى إبداع شكل جنوني آخر يتمثل في القافلة، ويقدمون بذلك على تصرف طائش يثير كثير غضب وتقزز، ويجعل المرء يقرأ السلام على الضمير الحقوقي والديمقراطي لهؤلاء «النشطاء». وهنا على الأقل انتصر ولد سيدي مولود على الجنون الإسباني، حيث فضح هذه الازدواجية الخرقاء تجاه مبادئ حقوق الإنسان. شجاعة مصطفى سلمى ولد سيدي مولود في الوصول إلى المغرب والتعبير عن آرائه جهرا وعلنا أمام وسائل الإعلام، وشجاعة عودته من المغرب إلى تيندوف وعزمه الدفاع هناك عن آرائه، لم تفضح فقط الإسبان، ولم تعر فقط المنتظم الدولي، إنما أربكت أيضا القيادة المتنفذة في تيندوف. وقد نقلت الأخبار من هناك أن استنفارا كبيرا تشهده المخيمات، وأن التهديدات توزع ذات اليمين وذات الشمال، وأن الاجتماعات الأمنية مع الأجهزة الجزائرية متواصلة ليل نهار، حتى أن المراقبين يتوقعون حملات قمع للمحتجزين، على غرار ما كان قد وقع عام 1988. في المغرب، الجواب عن كل هذا يتجسد في تواصل عودة الفارين من تيندوف، وإصرار ساكنة المخيمات على تحدي كل التهديدات والهروب نحو ... الوطن.