خص الأديب المغربي محمد صوف فضاء رمضان لبيان اليوم، بالنص الكامل لروايته الجديدة «أورام موروثة»، التي لم يسبق نشرها. ندرجها، ها هنا، ضمن حلقات، على امتداد الشهر الفضيل.. وهي حلقات حافلة بالإثارة والتشويق والمتعة. وللأديب محمد صوف إصدارات عديدة، في الإبداع القصصي والروائي، وكذا في مجال الترجمة، كما له اهتمام بكتابة السيناريو، وبالنقد السينمائي. ومن بين عناوين إصداراته: رحال ولد المكي (رواية)، هنا طاح الريال (مجموعة قصصية)، أبناء قابيل (مجموعة قصصية)، يد الوزير (رواية)، الرهان(رواية). *** - كنت دائما أقول إن فيك شيئا متوحشا. كاميليا غجرية قامة وسحنة . غريبا كان لقاؤها بمروان بعد اكتشاف حقيقة مصطفى العصوي قدمت له نانا .فتحت نانا ذراعيها و احتضنته صامتة باسمة. أشارت كاميليا إلى نانا : - إنها خلاصي . واسترسلت في الحديث عنها و كأنها تسعى إلى محو حكايتها مع الزوج المزعوم من جدول الجلسة . كانت تريد أن تنسى حتى أمومتها في تلك اللحظة . تتلذذ بحريتها و ترفض التفكير في الآتي. و ضعت نانا أمام كل واحد صحنا من الورق المقوى و منديلا ورقيا. داخل قميص أسود وسروال دجين بدت دمية متحركة .برشاقة ملأت الصحون وبرشاقة ملأت الأكواب وفي هذه اللحظة ظلا هما يتبادلان النظرات . كان سعيدا .عاشقا.شاعرا حتى. آه لو يسعفه القلم و يكتب رواية. حدق في أظافر نانا . لم يكن عليها طلاء . أحب تلك الأظافر الناعمة و لمح كاميليا ترمق قراءته لأظافر نانا. تنفس بعمق.تنفس رائحة امرأة سكنته و اختفت عنه وعادت إليه وتذكر قولا سمعه من صديق قديم : - لا يحق لمن لا يشعران بالسعادة مع بعضهما البعض أن يعيشا تحت سقف واحد. حدقت فيه نانا و كأنها تعاتبه عن الفكرة التي راجت في ذهنه . أحس بنوع من الخجل . لكن تفكيره لم يتوقف : - إنها سادية من طرف ومازوشية من الطرف الآخر أو منهما معا . تابعت نانا عتابها الصامت . ارتبك فنهضت و توجهت إلى الحمام .سمع اصطفاق باب الحمام و دون أن يعي تلقف كاميليا في حضنه . وقال : - أنا مسكون بك .لست أدري إلى أي مدى .و أصغى لعله يسمع باب الحمام ينفتح . لا يريد أن تجده نانا في ذاك الوضع .ابتسم لكاميليا . و في تلك اللحظة سمع صوت الرشاش . - نانا تتغلغل في الأفكار حتى . متعة أن تراه .نسيت ما عانته . أن تشعر بوجوده معها ثانية جعلها ترشف من اللحظة أقصى ما تسمح به . - قولي شيئا . - .... - لم أشعر بي في سلام تام مع نفسي مثل الآن . أحب حياتي و أحسدني عليها . ضحكت . - أدعوكما إلى العشاء في أي مطعم تشاءان . كان صوت نانا من الخلف . - ليكن المطعم بسيطا في حي شعبي التفت إليها و لم يستطع أن ينتزع عينيه عنها . تابعت ضاحكة: - لا داعي للشكر . أنا التي أشكرك . استجاب مستكينا راضيا .. آسرة هذه المرأة . ضحكت. هل ضحكتها صدى لما دار في خلده ؟ - هل فهمت الآن إلى أي درجة الله طيب ؟ هل أدركت كم يحبك ؟ أشفق عليك و أعادها إليك . كاميليا امرأة من فصيلة النسور. بأول خفقة جناح تحلق عالية .و ها قد وجدت خلاصها . في الخارج كان النسيم يهب ريحا . على يمينه نانا وعلى يساره كاميليا . كان البحر يتنهد .ونانا تبتسم و كاميليا لا تصدق أنها بمعيته . وكان الهواء رطبا مالحا . أشار إلى المطعم أمامهم . - هناك . حط شحرور على شجرة . تطلع إليهم . رأى مروان أن نانا دخلت في حوار مع الطائر ورأى الندى عالقا بجناحيه ويوشك أن يغرد داخل المطعم .كان رجل وامرأة مسنان يتحادثان بهدوء. كم هو جميل هذا المشهد. وسمع نانا تقول لصديقتها : - انظري إليه . إن قلبه يجاهد لكي يتحمل جمال اللحظة. الجمال لا يرحم . ابتسمت كاميليا ولم ترد . من فرط انتشائها باللحظة لم تستطع أن تقول شيئا . وضع خادم عجوز ثلاثة صحون من الحساء . أشعل شمعة في قلب المائدة . وضع ملعقة أمام كل صحن . وقال: - مرحبا . - كل ما كان لدي في غيابك هو الوقت . كان طويلا وكنت أهفو إلى أن أتخلص منه.كنت في مهجتي .في سواد عيني لكنك لم تكوني معي . كنت أقضي الوقت آملا أن ألقاك. كنت أعيش على وهم العثور عليك .كنت سكني .طعامي. شرابي .راحتي. كنت أخاطبك في لحظات وحدتي و صمتي. قال ذلك .. وترك نانا تتدخل . - مروان. أنت الآن تعيش لحظة ناعمة .لطيفة. مليئة بالتوق. كثيفة.حسية تابعت ولكنه لم يعد يسمع كلاما بقدر ما كان يسمع نغما . وعند عودتهم إلى بيت نانا حدد مروان ميعادا مع كاميليا يتحدثان فيه عن إجراءات الآتي من أيامهما و ودعهما. في هذه اللحظة انبعث من الظلام شخص . - معذرة سيدتي . أنت فاطمة الزهراء ؟ - نعم - تفضلي و مد لها ظرفا قائلا : - من سيدي عبد المرشد المستجدي . تبادلت نظرة متسائلة مع كاميليا .ولى الساعي ظهره شطر الشارع و رغبت كاميليا في أن تسأل : - من هو عبد المرشد المستجدي ؟ لكنها أحجمت . اعتبرت الأمر تدخلا في خصوصيات صديقتها بينما أحست نانا بدغدغة السؤال و أجابت أنه أحد معارف شلوميت ويبدو أنه ينظم حفلا في بيته .الناس من هذه الفصيلة لا يتوقفون عن تنظيم الحفلات . أما مروان فقد أحس برغبة مفاجئة في العمل .فذهب إلى مكتبه و ظل يشتغل إلى وقت متأخر من الليل ثم ذهب إلى بيته مرهقا . تمدد على فراشه مفتوح العينين في الظلام يستعيد الأمسية و سحرها و الشحرور والخادم العجوز ثم أغمض عينيه .