ما من شك في أن ما تعانيه كرة القدم الوطنية في السنوات الأخيرة أساسه سوء التسيير، وما تحصده المنتخبات الوطنية في المنافسات القارية يترجم الأخطاء المرتكبة في العمل التربوي والرياضي في مختلف المؤسسات (أندية- فرق- عصب- وجامعة)... ويحدث هذا في غياب ذوي التجارب والخبرات، وتبقى الاشراقات التي انتشت بها كرتنا ورياضتنا عامة وراءها متمرسون في مجال هذا الوطن العزيز. ومن بين هؤلاء نجد الراحل أحمد النتيفي الذي لم يكن لاعبا نجما ولا مدربا من دارسي البيداغوجية وعلوم الكرة ولكنه مغربي وطني سكنه عشق الكرة وأخذه واطلع على قوانين وضوابط اسهاماته تأهل المغرب لكأس العالم في سنة 1970 بالمكسيك. أحمد النتيفي لم يلتحق بمدار «الكرة» في السبعينيات بل كان ضمن الرعيل الأول الذي أسس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وعاش المخاض والميلاد... وكان وسط أول برلمان لكرة القدم في الجمع التأسيسي يوم 26 يناير 1957، ناقش وحاور واقترح. واسندت له مهمة نائب الكاتب العام في أول مكتب جامعي. حيث اشتغل رفقة الكاتب العام السيتل العيساوي نائبا له مع محمد بن الطاهر. ودون بذلك اسمه الى جانب الرئيس المؤسس للجامعة أحمد اليزيدي والأعضاء عمر بوستة عبد السلام بناني، ادريس بنشقرون، ادريس بن عبود، مصطفى بلهاشمي، المعطي الداودي، عبد اللطف الغربي، عز الدين بنجلون، الصديق التيجاني، صلاح الدين العيساوي، محمد بن عبد الكريم كوبلا، مولاي ادريس العلوي، محمد بن الحاج عمر وغيرهم. ولن ننسى الدور الذي قام به الراحل السي أحمد النتيفي في تأهيل المنتخب الوطني والمسار الذي عبر وكيف أقصى منتخب تونس بعد ثلاث مباريات ذهابا وإيابا في تونس والمغرب ولقاء فاصل في فرنسا. كما لن ننسى كيف أحدث الدوري الدولي كأس محمد الخامس واستلهم الفكرة من دوري كرانزا الذي كان يقام في مدينة كاديس الاسبانية في الستينيات. وحضر دوره له في سنة 1960 وبحس وطني نقل الحدث واقترحه على مسؤولي الرياضة في المغرب فحاربوه وعرقلوا مساره لا لشىء لأن الفكرة من وحي «النتيفي» وعانى الرجل الأمرين من موظفي الشباب والرياضة آنذاك. لكن عند وفاة المغفور له محمد الخامس عرض النتيفي فكرة الدوري على المرحوم الحسن الثاني فوافق عليه وقرر تغطية تكاليفه من ماله الخاص؟ ولاحظنا الاشغاع الذي منحه الدوري الدولي «كأس محمد الخامس» للمغرب والأندية الاحترافية التي شاركت في دوراته من بينها: بارتيزان بلغراد، بوكاجونيور، ريال مدريد، ف.س برشلونة، العلم الأحمر صوفيا، بايرن ميونيخ، فالانس، سانتيتيان، موناكو، ستاندار دولييج، رومانيا، كانون ياوندي، حافيا كوناكري، اندرلكت، فلامنغو ريو، وغيرهم من المؤسسات الاحترافية الشهيرة. ومن الدوري فرقا مغربية من مقارعة الاحتراف بمشاركة فرق الجيش الملكي، الوداد، المغرب الفاسي، رجاء بني ملال، نهضة سطات، مولودية وجدة. وكان الراحل النتيفي رياضيا ناجحا في التسيير، بصماته واضحة في فريق الراك وعصبة الشاوية والجامعة، اضافة الى رياضة السباحة حيث كان حكما دوليا في كرة الماء، وكان طبيعيا أن يجر التألق واحتكار المعرفة البلاء على أحمد النتيفي وتحركت قوة ميدانية لضربه، واتجهت صوبه سهام الانتقادات تستهدفه من ورائها مجموعة من الراغبين في دخول التسيير في حرم الجامعة من بينهم الوزير السابق بدر الدين السنونسي، وتعرض الرجل لنقد لادع في جمع عام بعد السبعينيات وكان يصارع المرض والوهن. وحدث التغيير الذي هندسه مجموعة من مسؤولي الفرق، وتحولت الجامعة من الجماعة التي كان ضمنها النتيفي الى تشكيل بديل ترأسه الوزير آنذاك بدر الدين السنوسي ونائبه الدكتور الزعريس، ومجموعة من موظفي الأمن: مصطفى طارق، حسن الصفريوي. بوبكر جضاهيم، جلول حمو الطاهرة والمهدي بلمجدوب (عسكري) اضافة الى المحاميان محمد العلوي وعبداللطيف السملالي وأعضاء آخرين ضمنهم محمد الموساوي، عبد اللطيف الغربي، ابراهيم بلحسن، ادريس الكارتي، أحمد بناني. وتم التغيير في انقلاب هز الجامعة وعصف بأحمد النتيفي ليخلو الفضاء لمن كانوا منزعجين من الرجل. ولم يطلق النتيفي الرياضة حتى الرحيل، وخلف وراءه رصيدا هاما من الإنجازات التي حققها لكرة القدم الوطنية وبذلك يبقى الرجل حاضرا في التاريخ الرياضي المغربي. فهل تقرأ تجاربه؟