«أخويا ما عندنا ما يدار فهاد المدينة، ماكينش فين نمشيو، تنعس حتى 12 ديال النهار، تنفيق، كنتفرج شويا فالتلفزة، كنتغدا.. أوتنعاود ننعاس حتى 6 ديال العشيا، من بعد تنمشي للسنطر باش نلعب لبيار أونشوف صحابي باش ننساو الهم شويا. هذا ما أقوم به طوال العطلة الصيفية»، يقول أنور 20 سنة بتحسر، ثم يسترسل عبد الواحد في الكلام بنفس الحسرة التي تظهر من خلال نبرة صوته، «نحن طلبة ندرس بجامعة ابن زهر في مدينة أكادير، التي تبعد عن تنغير بمسافة تتراوح بين 500 و550 كلم، حيث نمكث هناك تسعة أشهر متتالية، وعندما تنتهي الدراسة نتشوق كباقي الطلبة، إلى الرجوع إلى مدينتنا لرؤية الأهل والأصدقاء، للاطمئنان عليهم، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، الخروج ولو لوهلة من روتين الدراسة لتجديد خلايا الدماغ (يضحك)، وبالتالي الاستعداد لدخول الموسم الدراسي المقبل بنشاط وحيوية». ويقاطعه صديقه أحمد «لكن بمجرد أن تطأ قدماك المحطة، على فكرة، فتنغير لا تتوفر على محطة للحافلات، بمجرد أن تصل إلى تنغير يتبادر إلى ذهنك سؤال محير، أين سأقضي العطلة الصيفية؟ علما أن مدينة تنغير تشهد صيفا حارا. هذه هي حالة شباب مدينة تنغير، التي أصبحت عمالة منذ فاتح مارس 2010، فالجميع يجمع هنا؛ وبنفس النبرة، على غياب أماكن الترفيه بالمدينة، وبالتالي غياب أماكن يقضي فيها شباب المنطقة أوقات فراغهم بما سيعود عليهم بالنفع. «لا يعقل أن تكون المدينة التي تضم أكبر منجم للفضة الصافية بإفريقيا، ومدينة السمك المقدس، ومضايق تودغى التي يزورها عدد من السياح من داخل وخارج الوطن، والمدينة التي تدر على بلادنا كمية مهمة من العملة الصعبة، من خلال تحويلات أبناء وبنات المنطقة المقيمين بالخارج، ومدينة الواحات الجميلة، والقصبات التي تؤرخ لماض وتاريخ مهم للمغرب، والمدينة التي شكلت منطقة لاستقرار وتعايش مختلف السكان، رغم اختلافهم في اللون، والعرق، واللغة، والدين، حيث تعتبر تنغير من بين المدن المغربية التي عرفت استقرار عدد مهم من اليهود بها. لا يعقل أن تكون هذه المدينة بهذه المؤهلات الطبيعية، والسياحية، والبشرية والثقافية.. بدون أمكنة توفر لشباب المنطقة الترفيه والتثقيف معا، باعتباره حقا من الحقوق الاجتماعية»، يقول سعيد، فاعل جمعوي، بصوت لا يخلو من نبرة الانفعال والتحسر. غيرت الوجهة قليلا بحثا عن الشباب، فكان المكان المقصود دار شباب العمالة الجديدة، وبعد بحث طويل، دلنا إليه شاب يعمل مكتبيا في وسط المدينة، بعد أن سألني بغرابة، ما الذي ستفعله في دار الشباب؟ وفي طريقي إليه التقيت مجموعة من الأطفال الصغار يلعبون بكرة بلاستيكية تحت أشعة الشمس الحارقة، وجوه بعضهم شاحبة، وأخرى تتصبب عرقا من شدة الحر، أرجلهم حافية يظهر عليها آثار الجروح، قليل منهم فقط ارتدى ملابس رياضية بالية، أما باقي الأطفال فهم يلعبون بسراويل من نوع جنز، ممزقة في الركبة، وفيها قطرات تشبه قطرات زيت الزيتون مختلطة بالتراب، لتشكل لونا يتراوح بين الأسود والبني الداكن. اندهشت عندما رأيت البناية التي علقت عليها لافتة كتب عليها «دار الشباب»، فالمكان ليس فيه ما يوحي أنه كذلك، إنه يختلف عن جميع دور الشباب التي رأيتها في أنحاء المملكة. ف»دار الشباب» المذكورة عبارة عن غرفة صغيرة ومنعزلة في ساحة يظهر أنها مكان وقوف السيارات، إذ لا تكاد تراها أمام أكوام متراصة من السيارات. انشرح صدري عندما رأيت حواسيب سوداء مجهزة بالانترنيت، لكن سرعان ما تبخرت فرحتي عندما قال لي محمد، وهو شاب في منتصف العشرينات، مكلف بإدارة المشروع، ويقول أنه فاعل جمعوي: «دار الشباب» هذه لا تحمل سوى الاسم، لقد تمت خصخصتها و تحولت إلى مقهى للانترنت، بعد أن كانت مجرد بناية مهجورة لا تتوفر على أدنى شروط تؤهلها لحمل هذا اللقب. فلا وجود فيها لأنشطة رياضية أو ثقافية ولا هم يحزنون. في يوم من الأيام، يقول محمد و هو يضحك، «نزل بدو من الجبل متجهين نحو «دار الشباب» هذه، وجلسوا في الطاولات التي أنهكها الزمن، ولما جاءهم «المسئول» طلبوا منه أن يأتيهم بالحريرة، ظنا منهم أنهم في مقهى». ويرجع أحمد صدقي، فاعل جمعوي، ورئيس فيدرالية الجمعيات التنموية بتنغير، سبب ضعف وغياب أماكن الترفيه الموجهة لفائدة الشباب بالمدينة إلى عاملين. أولا، إلى العقلية والتقاليد الاجتماعية السائدة في المنطقة، حيث لا يعطي الناس الأهمية لمثل هذه الأمور ويعتبرونها من الكماليات، ثانيا الإشكالية مرتبطة بكون التمويلات التي تحصل عليها الجمعيات على قلتها، توجه نحو المشاريع ذات الصبغة الإلحاحية، خصوصا في مجال البنيات التحتية التي تهم المجال الاجتماعي كالتعليم والصحة وتوفير الماء الشروب وشق الطرقات. بالإضافة إلى «ضعف تدخل القطاع الخاص على اعتبار أن الجهات الرسمية لا تقوم بواجبها في هذا المجال مما يحتم ضرورة تدخل هذا القطاع»، و يضيف أحمد صدقي «على العموم فهذه الإشكالية مرتبطة بخصاص عام في البنيات التحتية الاجتماعية بالمدينة. مما يؤدي بالشباب إلى اللجوء إلى أماكن ترفيه عشوائية وغير لائقة، وفي بعض الأحيان غير تربوية، كحانات اللعب (البيار) التي تعتبر أوكارا غير مناسبة للترفيه، وهذا يؤثر سلبا على تربية ونشأة الشباب المراهقين بالمنطقة». ويسترسل قائلا: «مدينة تنغير دخلت الآن في مسار جديد، ألا وهو مسار ما بعد إحداث العمالة الجديدة، وبالتالي ستظم مناطق أخرى، وساكنة أكثر عددا، مما يضيف إليها حاجيات ومتطلبات اجتماعية جديدة، وأعتقد أن هذه الوضعية الجديدة ستمكن من تغيير العقليات السائدة وبالتالي السير في اتجاه تدعيم البنيات التحتية الموجهة للشباب». وفي طريقي إلى الملعب البلدي المتواجد على بعد عدة كيلومترات من مركز المدينة، صادفت شابين يظهر من خلال لباسهم الفضفاض، وحلاقة شعرهم، أنهم من المولعين بالموسيقى الشبابية، وعندما سألتهم عن أماكن الترفيه الموجودة في المدينة، أجاب نور الدين؛ وهو طالب جامعي يتابع دراسته في الدراسات الانجليزية بجامعة ابن زهر بمدينة أكادير، ويرتدي قميصا فضفاضا فيه صورة لفنان الراب الأمريكي المشهور ايمنم، أجاب باستهزاء: «راه كاين أقدار(الاسم الذي يطلقه سكان المنطقة على حي الدعارة الموجود بالمدينة)، ومضايق تودغى، عطا الله الخير». ثم تابعت مسيري إلى المكان المقصود، وعندما وصلت وجدته مكانا مليئا بأحجار صغيرة مختلطة بالرمل، كأن (الملعب البلدي) لم تطأه أقدام آدمية منذ عهد بعيد. عدت مسرعا من حيث أتيت، وكنت أبحث عن مكان أختبئ فيه درءا لأشعة الشمس التي وصلت ذلك اليوم إلى قرابة 47 درجة مئوية. دلني رجل مسن إلى منتزه يسمونه بالأمازيغية «الجردة ن السبيل»، أي حديقة الاستجمام، وهو منتزه به بعض أشجار البلوط، ومحاط بجدار من الإسمنت، وفي وسطه بناية دائرية اكتشفت أنها نافورة معطلة. وتطل على كل من الشارع الرئيسي في المدينة، وساحة محمد الخامس. لقد أحسست بحر شديد، وفي تلك اللحظة كانت لي رغبة قوية للدخول إلى تلك الحديقة الصغيرة، لكنني لم أستطع كباقي السكان المكتوين بحرارة الشمس، إذ و جدت أبوابها الحديدية موصدة، استفسرت عن السبب، و قيل لي أن السلطات المسؤولة بصدد إعادة تهيئتها. عدت أدراجي باحثا عن مسرح، أو دار للثقافة، أو سينما فلم أجد لذلك أثرا، رغم كون مدينة تنغير كانت تنتمي إداريا إلى إقليمورزازات؛ هوليود إفريقيا، وتتوفر على ساكنة نشيطة ومتعطشة لمثل هذه الأنشطة الثقافية. أمام هذا الوضع، تجد شباب المدينة يقضون عطلتهم الصيفية، ووقت فراغهم الذي لا ينتهي، في التسكع في حانات اللعب «البيار»، وفي بعض الأحيان في مضايق تودغى للاحتماء من حرارة صيف الجنوب الشرقي الحارقة، علما أن الذهاب إلى المضايق، ينطوي على كثير من المخاطر بسبب تآكل الطريق المؤدية إليها. وهناك من الشباب من يختار حي الدعارة الذي يشكل نقطة سوداء في المدينة «لملء أوقات فراغه وقتل روتين المدينة».. وتعتبر «دار الشباب» الملاذ الوحيد بالنسبة لشباب وأطفال المنطقة، خصوصا بالنسبة لأبناء المهاجرين الذين يجدون فيه خلاصهم الوحيد لقضاء عطلتهم. وفي الوقت الذي تشكل العطلة الصيفية فرصة سانحة لبعض الشباب للتخييم والترفيه، هناك فئة منهم لا تعرف ما معنى ذلك، فأغلب شباب المنطقة يتصيدون هذه الفرصة للسفر، ليس من أجل الاستجمام، إنما للعمل في ورشات البناء، رغم أن أغلبهم لم يصل بعد إلى سن العمل، من أجل تغطية تكاليف الدراسة. وفي هذا الصدد يقول سفيان (16سنة): «في كل عطلة صيف أسافر رفقة بعض الأصدقاء إلى مدينة أكادير أو مراكش، للبحث عن عمل، لمساعدة عائلتي في تغطية تكاليف المعيشة، وشراء المعدات المدرسية استعدادا للموسم الدراسي القادم» ويضيف زميله أشرف (17سنة) بلغة الواثق من نفسه: «ليس هناك ما هو أفضل من السفر، والابتعاد قليلا عن روتين المدينة، فالسفر يتيح لنا فرصة العمل والاستجمام في نفس الآن» ويتساءل باستنكار «فلم البقاء إذا في هذه المدينة، وضياع شهرين دون جدوى». أما عبد الله، وهو تلميذ في المرحلة الثانوية، نحيف البنية، فهو يرى بأنه «لو كانت هناك أماكن ترفيه أو أماكن لتنظيم مخيمات وأنشطة ترفيهية بالنسبة لشباب المدينة على غرار المدن الأخرى، لما اضطررنا إلى تركها والبحث عن وجهة أخرى سواء للعمل أو من أجل الاستجمام». أما مصطفى، موظف وهوأب لثلاثة أبناء، فلا يختلف كثيرا عن آراء هؤلاء الشباب، بل يذهب أبعد من ذلك عندما يقول «هذا عار وحشوما، مدينة بحال تنغير بما تتوفر عليه من خيرات طبيعية ومعدنية، ومؤهلات سياحية، وطاقات بشرية مهمة (حوالي 200 ألف نسمة)، كل هذا والمدينة لا تتوفر على بنيات تحتية توفر الترفيه لساكنتها، مما يجعلنا نضطر كلما اقتربت عطلة الصيف، إلى البحث عن تلك الأماكن في مدن أخرى». وعن انتظارات شباب المدينة، يطالب محمد؛ طالب جامعي، السلطات المحلية بإحداث دار للشباب تتوفر على جميع المرافق الأساسية للاستجابة لمطالب الساكنة، وإنشاء دور للثقافة، ومكتبات، ولما لا قاعات للمسرح والسينما. بالإضافة إلى تنظيم مخيمات لفائدة أطفال وشباب المنطقة على غرار باقي مدن المملكة. و»نطالب أيضا السلطات المحلية بإصلاح الطريق المؤدية لمضايق تودغى باعتبارها مكانا للترفيه، والملجئ الوحيد لسكان المدينة. بالإضافة إلى أن تلك الطريق يمر فيها يوميا عدد مهم من السياح الأجانب، مما قد يعطي انطباعا سيئا عن المدينة» يقول محمد، ويضيف «نتمنى أن تهتم السلطات المحلية بشباب المنطقة باعتبارهم قاطرة للتنمية للمدينة وللمغرب عموما». وفي اتصال مع بيان اليوم، أكد علي موساوي، مستشار جماعي، «أن المدينة تعاني من غياب حاد في ما يخص أماكن الترفيه، لكن المجلس البلدي بمعية باقي المتدخلين، بما فيهم جمعيات المجتمع المدني عازمون على المضي قدما نحو تحسين البنيات التحتية بالمدينة وتعزيز أماكن الترفيه، وفي هذا الإطار، يضيف المستشار الجماعي، قمنا بإبرام عدة اتفاقيات وإعداد مشروع قانون، الذي بموجبه سنقوم ببناء عدة فضاءات ترفيهية وتثقيفية لتدعيم هذا الجانب الحيوي». من جهته، أكد مصطفى موفيد، مستشار بالمجلس الجماعي بتودغى السفلى في اتصال مع بيان اليوم أنه لا يمكن تصور مدينة بحجم مدينة تنغير بدون أماكن الترفيه، وأضاف قائلا: «إن هذا الوضع يؤثر على شباب المنطقة سواء نفسيا أو فكريا»، وأكد أنه بموجب إحداث العمالة تم إعداد عدة مشاريع قوانين تهم تدعيم البنيات التحتية، وفي هذا الإطار تم إنشاء المركز التربوي لدوار أيت امحمد الشرقية، الذي سيمكن من إقامة أنشطة تثقيفية وترفيهية بالمنطقة. وحسب نفس المصدر، فإن المخطط الجماعي المقبل لجماعة تودغى السفلى، سيعطي الأولوية للمجال الثقافي والرياضي لخلق توازن بين جميع المجالات، وبالتالي ضمان تكامل فيما بينها لضمان نجاح المخطط، وفي هذا الإطار سيتم إنشاء مركب ثقافي ورياضي على صعيد الجماعة. و في إطار مجهودات المجتمع المدني لتدعيم البنيات التحتية، أكد أحمد صدقي؛ رئيس فيدرالية الجمعيات التنموية بتنغير، أن هناك تفكيرا في السير في اتجاهين، الاتجاه الأول، ويهم خلق شراكات مع ممولين ومانحين دوليين أو وطنيين، لخلق فضاءات ترفيهية جديدة تغطي النقص الحاصل في هذا الجانب، أما الاتجاه الثاني، فيهم مطالبة الجهات المسؤولة إيلاء الأهمية التي يستحقها هذا الجانب. وفي انتظار أن تفي السلطات المسؤولة بوعودها، وتحقيق المشاريع المتوقعة، سأختم هذا الربورطاج بقصة خطرت ببالي. حيث سافر سائح ياباني لزيارة تنغير، فلما وصل إليها، استغرب ولم يصدق أنه يتواجد بالمدينة التي سمع عنها الكثير، ما حدا به إلى سؤال أحد السكان، فلما تأكد من ذلك، خاب أمله وقال في إنسانية تامة تحمل في طياتها نوعا من التلقائية اليابانية: “لا أصدق أن هذه الرقعة البالية هي تنغير، إن أطنان الفضة التي تأتي من هنا توحي لك أن تنغير هي واشنطن المغرب». ورقة تعريفية تنغير مدينة مغربية تقع شرقي البلاد بين جبال الأطلس الكبير وجبال صاغرو بالأطلس الصغير. تربط بين مدينة الرشيدية شرقا وورزازات غربا. أصل اسمها يعود إلى جبل «إيغير» ويعني الكتف بالأمازيغية، تسمى أيضا «تودغى» نسبة إلى واد تودغى. تشتهر المدينة بمضايق تودغى، وبحيرة السمك المقدس التي يزورها السياح من مختلف البقاع، وواحاتها التي تمتد على طول الوادي. كما تشتهر بالصناعة التقليدية خاصة الحدادة وصناعة المنافخ التي ورثها السكان المحليون عن اليهود الذين استقروا بالمنطقة لفترة طويلة.