يستغرب المرء أمام الوضعية المادية المزرية لعائلة نجوم تألقوا في ميدان كرة القدم وأسدوا خدمات جليلة وطنيا ودوليا. ومن هؤلاء النجوم الدولي محمد بوعسة. الذي سطع نجمه وتألق بشكل ملفت سواء مع الاتحاد البيضاوي (الطاس)، ناديه الأصلي أو الفريق الوطني وكذا فريق ليون الفرنسي. بوعسة كان لاعبا أنيقا، مثاليا، مثقفا، حسن السلوك، حلو الكلام، يرتاح المرء وهو يحادثه، اشتهر بالمراوغات والتمريرات الدقيقة والحاسمة، ترعرع في أحضان الاتحاد البيضاوي، وضحى بالغالي والنفيس من أجل ازدهارها، وقدم خدمات دونها التاريخ بمداد فخر واعتزاز، وملعب فيليب المعروف يومه بمركب العربي بن امبارك، شاهد على روعة أدائه، خصوصا في لقاءات الديربي ضد كل من الرجاء -الوداد- الراسينك (الراك)- نجم الشباب وكلها أندية كانت تلعب بالدرجة الأولى. لم يسجن بوعسة نفسه في إطار ضيق لأنه كان رياضيا عقيدة وسلوكا، فبعد أن نسج لوحات المتعة والفرح مع فريقه الأم (الطاس) الذي كان يلقب بالحمامة البيضاء بعد أن أبدع الى جانب نومير- الكوشي حيث كان يعرف بالثلاثي الخطير للتفاهم والتجاوب الذي كان قائما بين هؤلاء العناصر، حلق بتألقه ليعانق الاحتراف رفقة فريق ليون الفرنسي، ليعتبر من المحترفين الأوائل الذين سجلوا أهدافا في البطولات الأوروبية، وملعب ويمبلي الشهير شاهد على هدف خرافي حققه ضد توتنهام الانجليزي. كما شارك ضمن النخبة الوطنية، وقد صفقت له الجماهير الرياضية لابداعاته الكروية، فالمنتخب الوطني بدوره أعطاه فرصة الطيران والتحليق في عالم الشهرة والابداع، خصوصا بعد أن تمكن من توقيع هدف رائع ضد منتخب ألمانياالغربية آنذاك، خلال لقاء ودي إلا أن طعنة سكين غادرة حالت دون إتمام مشواره ليرحل مبكرا. رحل بوعسة تاركا وراءه عائلة، لم يترك عقارات ولا أرصدة بنكية، لكنه ترك الانطباع الحسن والذكر المثالي لدى كل الذين عايشوه. مع رحيل بوعسة بدأت معاناة عائلته المتمثلة في المرض النفسي الذي أصاب أخاه عبد اللطيف، والمرض المزمن الذي لاحق المحجوب الأصغر والذي لعب بدوره للطاس ووفاة والديه. إلا أن سوء الصدف هي وفاة ابنه الأكبر تزامنا مع تاريخ وفاته. كل هذه المعاناة لم تحرك مشاعر المسؤولين لتكريمه في شخص من تبقى من أفراد عائلته ليكون مصيره النسيان. بوعسة الذي جمع بين التحصيل الدراسي والرياضي، حيث حصل على الباكالوريا في سن مبكر آنذاك. وتألق في صفوف الاتحاد الى جانب نومير- الكوشي- والمرحوم بوشعيب والمرحوم خليفة والمرحوم الأب الزاولي الذي كان من وراء اشعاع كل هذه القائمة وغيرها لم ينل ما يستحقه من اهتمام. بوعسة وأمثاله سيبقون نجوما في عيون الرياضيين، يمكن للأقدار أن يخطفهم، لكن لا يستطيع أحد أن يمحو الانطباع الحسن الذي تركوه إبان حياتهم لدى الجمهور الرياضي عامة. ولا يسعنا بالمناسبة إلا أن نقول لمن عايشوه فترة تألقه والمسؤولين بالمنطقة كفانا من الكلام المعسول الذي يبقى حكرا على الأفواه والتزمو على الأقل بالذكرى.