بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... حينما نتحدث عن الحي المحمدي، نتحدث عن تاريخ من المقاومة والثقافة والفن والسياسة والرياضة.. إنه الحي الذي احتضن الأسماء الكروية وأهدى المغاربةَ أجملَ ذكريات الكرة الساحرة. على الرغم من أن اسم الحي المحمدي على المستوي الكروي اقترن بفريق الاتحاد البيضاوي، المعروف حبا واختصارا، باسم «الطاس»، فإن هذا لا يلغي أهميةَ الإشارة إلى العديد من الفرق التي كانت ملاذا لأبناء الحي في لحظة البحث عن الذات واكتشاف الموهبة.. حينما نتحدث عن كرة الحي المحمدي، نستحضر فرق «الأهرام»، «العلم»، «الثبات»، «الترجي»، «الحي الصناعي»، «النيل».. ونستحضر فضاءات -انقرض الكثير منها- كانت قبلة لأطفال وشباب الحي المهووسين بسحر الكرة.. هي فضاءات من قبيل ملاعب «الشابو» و«الحفرة» و«الجيش» و«الباتري» و«البرامل» و«السيف و«العقرب» و«الشومينو» و«باطا»... في الحي المحمدي، عاش الكبير العربي الزاولي، عاشقا ومحبا ل«ابن» اسمه «الطاس»، الذي احتضن طفولتَه وشبابه وكهولته ورحيله، وقد كان العربي الزاولي الاسمَ الذي يختزل تاريخ «الطاس».. وفي الحي المحمدي، عاش شيخ الكرة المرحوم الحاج ابراهيم فادي، الذي رأى النور في الصخور السوداء في سنة 1953، وفي سن السابعة عشرة، انتمى الراحل إلى «الطاس»، واختبر الحاج إبراهيم فادي عميدا لفريق الاتحاد البيضاوي منذ التحاقه ب«الطاس».. ويعد اللاعب ادريس من أقرب أصدقائه. وقد عاصر الحاج فادي لاعبين كبار، من بينهم العربي الزاولي ساكارين، حيدة، ولد الحوات، بوشعيب، الحسين الدليمي، قاسم الرويمي، علي وردة، ولد مينة، المعطي البحير، ماكة، العربي الكوشي، الطاهر بوليني، سلام الطوبيس، عبد المعطي لحريزي، سي محمد عريف، ولد اليزيد، سي محمد الكارطون، مبارك فريزي، بن المجدوب، سي محمد بوصبيعات، العربي الصغير، الطاهر، محمد القهواجي، محمد الدغاي، ادريس، الحسين الزاز، سي محمد العوينة، ميلود1 وميلود2، رحّال، المعطي البحري، محمد بوعسة، احْميد، مستعدل، بوشعيب السرغيني، عبد الله الحارس، محمد خلفية، محمد المسكيني، ادريس بيتيخة، فاتح، قاسم التازي، الشرقي، الحسين ولد الحاج مسعود الخلفي، عبد السلام الكعزة، سقيم، بوشعيب ولد البوطوار، الغزواني1 والغزواني2، ولد عْزّوز، الدرقي، عمر لشكر، ادريس ولد الشيظمية... في الحي المحمدي، عُرف الحارس «ساكارين» أو المرحوم بارودي محمد سالم، وخصص كتاب «الذاكرة الرياضية للحي المحمدي» حيِّزا مهما لمسار الحارس الشهير، وجاء في الصفحة 70 من الكتاب: «إن النبش في مسار المرحوم ساكارين ومحاولة الوقوف عند أبرز محطاته ليس بالأمر الهيِّن، خاصة وأن معظم مجايليه وأصدقائه داخل «الطاس» انتقلوا إلى عفو الله... ونحن في دروب الحي المحمدي، نحاول رصدَ خيط يُقرِّبنا من غايتنا، اتجهنا إلى نادي العربي الزاولي المجاور للملعب القديم، حيث أفادنا أحد المتبقين على قيد الحياة من أصدقائه، السيد أحمد جميلة، بالعديد من المعطيات، فقد قال: «كان الفقيد من أعز أصدقائي، تعود معرفتي به إلى سنة 1946 عندما قدِم من جمعية الصخور السوداء إلى الحي وعمل على تأسيس فريق الاتحاد البيضاوي واللعب في صفوفه، صحبة المرحوم العربي الزاولي.. لم يكن إنشاء الفريق لإحراز الجوائز أو المال، بل يتعلق الأمر بأداة من أدوات الحركة الوطنية، للتصدي الفرنسيين، كما هو الشأن بالنسبة إلى نادي الوداد البيضاوي»... ويقال إن الحارس ساكارين لفت أنظار رئيس «مالقة» في ذلك الوقت، بعدما فاز الاتحاد البيضاوي على الفريق الإسباني بفضل تألق الحارس «ساكارين».. ومع ذلك رفَض عرضَ الفريق وعرضَ فريق «نانت» الفرنسي، مفضلا اللعب في «الطاس»، رفقة أصدقائه.. ومن الذكريات التي نقلها كتاب «الذاكرة الرياضية للحي المحمدي» أن العربي بن مبارك، بعد انتهاء مقابلة بين «الطاس» و«أتليتيكو مدريد»، تقدم لتهنئة ساكارين في مستودع الملابس فقدم له خمسة دراهم، اعترافا بعطائه وتألُّقه في المقابلة!... وحينما نتحدث عن حراس الحي المحمدي، نستحضر لائحة كبيرة تضم ساكارين، محمد البارودي، صالح، عبد الله، عبد الرحيم كورين، الزاز، مخلص، محمد الكاك، قليقل، عبد الغني، خليفة، مازي... وكما احتضن الحي المحمدي، العربي الزاولي، ساكارين، الحاج ابراهيم فادي، احتضن كذلك الراحل محمد بوعسة، الذي يُعَدُّ أولَ لاعب عربي وإفريقي لعب في ملعب ويمبلي الإنجليزي، وسبق له أن سجل هدفا رائعا ضد المنتخب الألماني، كما احترف في فريق «ليون» الفرنسي سنة 1969... في الحي المحمدي لاعبون كبار، من أمثال نومير، الذي عاصر ثلاثة أجيال وانتمى إلى الفريق في سنة 1965، ومُنِح شارة عمادة المنتخب الوطني وشارك معه في مقابلة أقيمت في سوريا بعد حرب 73... وفي الحي المحمدي «ذاكرة» اسمها عبد القادر الفّانت، وقد حصل على هذا اللقب لكثرة مراوغاته... التحق بالفريق في سنة 1963 وعُرف بدفاعه المستميت... كما عُرف في الحي المحمدي المدافع لحسن الريشي، المشهور بقذفاته القوية، كما عمل الريشي مدربا لفئة الصغار وساهم في تخريج العديد من اللاعبين المشهورين، ومن المقابلات الشهيرة التي لعبها الريشي مقابلة ضد فريق الوداد البيضاوي، إذ سجل في تلك المقابلة الراحل بوعسة إصابتين من أصل ثلاث فاز بها الاتحاد البيضاوي في ذلك الوقت.. ومن اللاعبين الذين أشرف عليهم كان هناك برقي، سامو، يوسف أزور، امحمد، حسن، سندار، أمين، زكي، وصفي، هبري، خليفي، قسطاس، نسيك نهرو، الباب، اللعبي... إنه فريق «الطاس»، الذي عرف ظهور وتألق الكبار...