الجهد الفكري والتواصلي الذي تبذله الرابطة المحمدية للعلماء وأمينها العام الدكتور أحمد عبادي، يستحق فعلا التثمين والتقدير ضمن المعركة الشمولية التي تخوضها المملكة في مواجهة الإرهاب والتطرف وأفكار التعصب والانغلاق. المبادرة الأخيرة التي أعلنت عنها الرابطة الإثنين الماضي بخصوص سلسلة "دفاتر علمية في تفكيك خطاب التطرّف"، تمثل واجهة معركة أساسية على الصعيد الفكري والديني والثقافي من أجل محاربة فكر الجماعات الدينية المتطرفة، وعلى رأسها "داعش". هذه الجماعات الإجرامية تستهدف الناس، وخصوصا الشباب، من خلال الشحن الديني ونشر أفكار وخطابات تنتصر للعنف والقتل والتكفير والنهب، وهي مستمدة من فهم خاص لمقتضيات وتعاليم الدين، ومن ثم فمواجهتها على هذا المستوى نفسه تعتبر في غاية الأهمية، وذلك من خلال تفكيك منظومة الخطاب المتطرف، وإعادة المفاهيم والمصطلحات والمقتضيات إلى الحضن التداولي الأصلي والسياق التاريخي الطبيعي، والنظر إليها بنظر العقل، وبمنهجية الاتزان، والانطلاق من ذلك لتوفير مضمون ديني متحرر من شحن المتطرفين وتأويلهم الأعمى. وكل هذا الجهد يجب أن نشير إلى أنه أمكن تحقيقه بفضل معرفة علمية وأكاديمية ودينية يجسدها الأستاذ أحمد عبادي، وهو يرعاها ويطور امتدادها داخل رابطة العلماء وحواليها. وهنا لا بد أيضا أن نستحضر مبادرات أخرى من قبيل: "منصة الرائد" ثم برنامج "العلماء الرواد"، الذي يهدف إلى تكوين جيل من علماء الدين حاملي الماستر والدكتوراه، يشكلون خبراء من مستوى عال لنشر الإسلام في السياق المعاصر، وهناك أيضا برنامج التكوين الذي تقوم به الرابطة بتعاون مع مندوبية السجون، ثم مشروع:(المثقفون النظراء الجامعيون لمكافحة التطرّف والتطرف العنيف)، و(الأطفال الرواد) الحاملين للقيم البناءة والهادفة، وغير ذلك. كل هذه البرامج والمشاريع البحثية والأكاديمية والتواصلية والتحسيسية من شأنها بناء مرتكز فكري لمواجهة المتطرفين ودحض خطابهم الإجرامي، ويمكن لذلك أن يفيد كامل السياق الإقليمي على صعيد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي المنطقة الأكثر اشتعالا في العالم اليوم، والأكثر احتضانا وتصديرا للإرهابيين والمتطرفين. هذه الدينامية البحثية التي تجسدها اليوم الرابطة المحمدية للعلماء وأمينها العام تستحق الدعم والتشجيع وتوفير كل الإمكانيات الضرورية لإبرازها وتقوية إشعاعها، وأساسا من أجل استثمار ما توفره، والعمل على نشره. وهنا تطرح أيضا أهمية منصات وآليات هذه المواجهة الفكرية، أي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومنابر المساجد والجامعات والمعاهد والثانويات وباقي الفضاءات العمومية، وعلى هذا المستوى أيضا يجب الإنصات للخبراء وذوي الاختصاص والقناعة، والسعي لتمتين التكامل والتفاعل الالتقائيين بين من ينتج ويوفر المادة العلمية والدينية والأكاديمية وبين من يتولى إشعاعها والترويج لها واستثمارها في الميدان لكي تصل إلى عقول أوسع الفئات المجتمعية. طبعا لا يجب إغفال التعبئة الأمنية والاستخباراتية والاستعداد القانوني والقضائي والشروط التنموية والاجتماعية، ولكن يجب كذلك إغناء كامل هذا الجهد بمتانة الحضور الديني والفكري في مواجهة خطاب العنف والتطرف ودحض إيديولوجيته الدينية الإرهابية من لدن علماء دين منفتحين ويمتلكون التكوين الأكاديمي والقدرات اللغوية والتواصلية. أهمية العمل الذي يقوم به الدكتور أحمد عبادي لا تتجلى فقط في المؤتمرات الدولية والمناظرات الوطنية التي يحاضر فيها، ويكشف خلالها عن مستوى أكاديمي رفيع وامتلاك متقدم لفهم الواقع وتحولات السياق ولغات التواصل، ولكنه يبرز أساسا عبر المتن المضموني الذي تراكمه الرابطة بواسطة منشوراتها وبحوثها ومختلف ما تعممه من دعامات تثقيفية وتوعوية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته