الدورة السابعة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية التي التأمت يوم الأحد بسلا، هي فعلا كانت لحظة حزبية أساسية في صيرورة التفكير الجماعي في واقع الحزب، وأيضا في مستجدات الحياة السياسية الوطنية على إثر الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر المنصرم. أزيد من ثمانمائة عضوة وعضوا كانوا حاضرين في القاعة من ضمن عضوات وأعضاء اللجنة المركزية المنتخبين، فضلا عن أعضاء ملاحظين شاركوا باعتبار صفاتهم التنظيمية والانتدابية، مع تسجيل حوالي ثلاثين اعتذارا، وكل هذا الحشد ما كان يمكن "تجييشه" أو توجيه تفكيره أو نظره، ولم يكن كذلك بالإمكان تحويلهم جميعا إلى مجرد أشباح أو لا شيء، خصوصا في ظرفية لم تنس بعد الغضب الذاتي من نتائج سابع أكتوبر. المناقشات لمن تابعها، وللعلم فقط فالاجتماع كان مفتوحا لممثلي الصحافة كالمألوف، كانت بالفعل جدية، وتطارحت أفكار وتقييمات ووجهات نظر، كما عرضت تجارب ومعاينات من الميدان، وفي النهاية كان طبيعيا أن تقود إلى قرارات متفق عليها، وأن تكون المصادقة بالإجماع الحقيقي الواعي على التقرير الذي قدمه الأمين العام باسم المكتب السياسي وعلى بيان الدورة. لا أحد داخل القاعة أو حواليها لاحظ وجود معارضة قوية للتوجهات السياسية والتنظيمية المصادق عليها بالإجماع، ولا أحد أحس ب "انتفاضة" أو بلغه صداها، كما لا أحد نجح في فهم معنى "المقاطعة" المروج لها هذه الأيام هنا وهناك على سبيل... الافتراض. إن بعضا من الجدية أو قليلا من العقل لا يقتلان، بل إنهما يفيدان فعلا لتقوية... النظر. إن ما يجب تسجيله بداية من أجواء مناقشات اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، وَمِمَّا أقرته من مواقف وتوجهات في ختام أشغالها، هو أن الموقف السياسي لا يتبلور اعتباطا أو مزاجا أو منفصلا عن مواقف سابقة أو معلقا في السماء بلا ارتكاز فكري ومرجعي متين. عندما يجري الحديث اليوم داخل الحزب التقدمي، الذي يزيد عمره عن سبعين سنة، عن التحالفات أو عن المشاركة في الحكومة أو عن الموقف من وقائع سياسية تميز الراهن الوطني، فكل هذا لا يجري هكذا لكون قيادة هذا الحزب / المدرسة شاءت التموقع هنا أو الاصطفاف هناك. ويكفي أن نعيد اليوم قراءة مختلف بلاغات المكتب السياسي عقب كل اجتماعاته الدورية الأخيرة أو التي سبقتها، وأيضا تقارير ومقررات دورات اللجنة المركزية وأطروحات ووثائق المؤتمرات الوطنية، لندرك وضوح الخيط الفكري الناظم للمواقف السياسية للحزب، وأيضا وضوح... الانسجام. عندما قررت الدورة الأخيرة للجنة المركزية "مشاركة حزب التقدم والاشتراكية في الحكومة..."، فهي لم تفعل ذلك من خارج المواقف المعلنة من قبل، سواء في بلاغات المكتب السياسي أو في قرار دورتها السادسة بالخصوص. وعندما يتكلم التقدم والاشتراكية اليوم عن التحالفات، فهو أولا كان دائما يعزز تصريحه بخطوات عملية ملموسة تجاه قوى اليسار أو مكونات الكتلة الديمقراطية، ولكنه أيضا يقدم الإحالة على تجاربه التسييرية ضمن تحالفات حكومية سابقة منذ حكومة التناوب التوافقي إلى اليوم، ويطلب من الكل أن يقرأ واقع أحزاب اليسار المغربي اليوم ومشاكلها الذاتية ومواقفها وقوتها المجتمعية والانتخابية، وأن يقرأ ما يجري في العالم، وما شهدته الدنيا منذ سنوات من تحولات، وما تعرفه محافل ومنتديات عالمية من مناقشات سياسية وفكرية بشأن اليسار، وبالتالي فالحزب ما تعاطى يوما مع مسألة التحالفات على أنها مجرد ترف نظري لتبادل سجالات فكرية مجردة. أولا، التقدم والاشتراكية يصر بقوة في كامل منظومته التحليلية والفكرية ذات الصِّلة بالتحالفات أو بالقضايا الأخرى على استحضار أهمية "السياق"، وهذا محدد جوهري ليس بلا أهمية. التحالفات، بموجب ما سبق، هي ليست بلا خلفية نظرية أو سياسية، وهي أيضا لا تحدد باعتبارها رغبة ذاتية أو مجرد تمنيات فردية أو مداعبات لأحلام إيديولوجية شخصية يمكن للفرد أن يجرها جرا لكي ترسم هي خريطة التحالفات، أو تبرر هي هذا الاصطفاف أو ترفض ذاك، فقط لكون ذلك يرضي انتشاء فرديا غير مسنود باستحضار الواقع الموضوعي كما هو على الأرض. كم هو راهني اليوم أن يستعيد الناس الكبير علي يعته، وكم هو مفيد العودة لمؤلفات الراحل مهدي عامل وكتابه: "في تمرحل التاريخ"، وباقي أدبيات الرواد ودروس التكوين، وكم هو مفيد للجميع تجديد التأمل في معنى: "التحليل الملموس للواقع الملموس"، إن محورية: "السياق"، أو الحديث عن: "المرحلة التاريخية"، هو حديث أولا عن موازين القوى، وهو حديث عن مهمات هذه المرحلة وأولوياتها، وعن المصالح والأهداف والقوى صاحبة المصلحة في تحقيق تلك الأهداف، أو في منع تحقيقها، ومن ثم يكون "التحالف" مفهوما ماديا ينطلق أساسا من التحديد العلمي الدقيق لطبيعة المرحلة ولحقيقة الصراع فيها، أي ما يحدد المهمات ذات الأولوية وموقع الحزب ومكان اصطفافه السياسي في المجتمع للمساهمة في إنجاز تلك المهمات. وترتيبا فالتحالف يكون واعيا بواقع الاختلاف بين مكوناته وأطرافه، وهو لا يقوم، منطقا، على واقع التماثل. وهنا لابد مرة أخرى أن نستدعي التاريخ، وخصوصا تاريخ التقدم والاشتراكية، لنفتح صفحات الأطروحة العميقة والشهيرة والتأسيسية والمهيكلة، والتي نظرت ل "الثورة الوطنية الديمقراطية"، وذلك بغاية تركيب مفرداتها ومنظومات التحليل الواردة فيها على واقع ومعادلات اليوم. لنحاول تجريب هذا التمرين الفكري والسياسي حتى نبعد التبسيطية ولعبة التماهي عما يلوكه بَعضُنَا اليوم، ولكي لا يتوهم أن الواقع هو ما يتخيله هو أو يتمناه، ولكي لا يبقى رافضا وهاربا من أن تلمس أصابعه حقائق الواقع الفعلي كما هو فعلا لا تخيلا، وكما هو يتحرك يوميا في بلادنا ووسط شعبنا. أما التيه في الغضبات الذاتية أو النرفزات المزاجية، أو في تصفية الحسابات الصغيرة وتصريف مختلف العقد والترسبات، أو أيضا السعي لتهويل خسائر انتخابية لها عواملها الذاتية والموضوعية، فضلا على كون قياسها بنتائج سابقة أو النظر لها وللمقارنة بعيون تفتقر للموضوعية، فكل هذا لا يفيد في تقدم الحديث، وفي أن تكتسب السياسة والنضال والحوار الجدية المطلوبة، ورصانة التفكير ووضوح النظر. شعبنا يريد من يخدمه ب "المعقول"، هنا والآن. هل تسمعون؟ هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته