يصادف يومه الاثنين ذكرى التفجيرات الإرهابية ل16 ماي التي هزت الدارالبيضاء، ومثلت ضربة غادرة استهدفت المغرب واستقراره وأمنه وأزهقت أرواح وخلفت جرحا لا زلنا كلنا نذكره ونحس به. في تلك الليلة فجعنا جميعا بأن الإرهاب الدموي وصل إلى عقر دارنا نحن أيضا، ولم نعد نتابع جرائمه وهمجيته فقط عبر أخبار الفضائيات، وإنما مسنا مباشرة وبدا الخطر حقيقيا ومحدقا بوطننا. إن استحضار الفاجعة اليوم هو للتأكيد على أننا لم ننس، وبأن المغاربة جميعهم مصرون على رفض دموية الإرهاب وهمجية التطرّف، ويتمسكون بأمن بلادهم واستقرارها ووحدتها، وبالسعي الدائم لإنجاح الدينامية الديمقراطية والتنموية لمجتمعهم ضمن الاستقرار والانفتاح والتسامح والوسطية والاعتدال. من جهة ثانية، الخطر الإرهابي لم ينته في 16 ماي المعلوم، وإنما هو مستمر إلى اليوم ويستدعي اليقظة الدائمة واستمرار التعبئة الوطنية لمواجهته ولحماية أمن بلادنا وسلامة شعبنا. عقب تلك الليلة الدموية التي اهتزت خلالها الدارالبيضاء وكل المغرب، تكررت استهدافات وجرائم أخرى، وبالنظر إلى تحولات العالم وتغير سياقاته في السنوات الأخيرة، فقد تشابكت المخاطر الإرهابية وعبرت القارات والدول، وصارت معركة المواجهة تقتضي مخططات وتنسيقات وإجراءات ومقاربات متعددة وعالية الانتباه والكفاءة. وهنا يجب الإصرار على صراحة القول والاعتراف لأجهزتنا الأمنية والاستخباراتية بكبير الفضل، وتوجيه التحية لها عرفانا بالجهد وبالكفاءة ونجاعة التدخلات الاستباقية، وهي المنهجية التي باتت اليوم موضوع استفادة من لدن بلدان أوروبية وعربية عديدة تقر بقوة مهنية المصالح الأمنية المغربية. اليوم نعيد القول بأهمية امتلاك منظومة قانونية ومسطرية وإجرائية لمواجهة مخاطر الإرهاب والتطرف، وأيضا ضرورة الاهتمام بمصالحنا الأمنية والاستخباراتية والعاملين فيها وتمكينهم من كل وسائل وآليات العمل وتحسين ظروفهم المادية والاجتماعية، ذلك أن حماية أمن الناس وسلامتهم وصيانة عيشهم وممتلكاتهم هي من أولى حقوق الإنسان التي يجب على القوات العمومية والسلطات تأمينها بموجب كل قوانين ومعاهدات وتشريعات الدنيا. وطبعا هذه المقاربة، وان كانت ضرورية وأساسية، فهي ليست مطلوبة لوحدها، وإنما يجب ان تندرج ضمن مقاربة شمولية والتقائية متكاملة تشارك فيها مختلف أطراف الدولة والمجتمع. إن تعزيز المنجز التنموي، الاقتصادي والاجتماعي، وتحسين شروط العيش وتوفير التعليم والصحة والسكن والشغل، وأيضا تطوير خدمات الإدارة والقضاء، وتعزيز العدالة الاجتماعية ومحاربة الرشوة والفساد والريع، كل هذا من شأنه إنماء الإحساس بالثقة في البلاد وتقوية شعور الأمان داخلها وتعبئة المواطنات والمواطنين للدفاع عنها ومحاربة من يستهدف استقرارها وأمنها ووحدتها. وفي الإطار نفسه، فان تمتين الوعي الوطني وإشعاع قيم الانفتاح والعقل والديمقراطية وإصلاح الحقل الديني وتطوير مضامين المقررات الدراسية وتنمية الحقل الثقافي والفكري والإعلامي، أيضا سيتيح تقوية الانخراط في مواجهة التعصب والانغلاق والتطرف، وبالتالي جعل مواجهة الإرهاب ورفضه أمرا مشتركا بين أفراد المجتمع وفي المدرسة وداخل الأسرة وفي الشارع والفضاء العمومي، وبالتالي إعداد أجيال صاعدة تنتصر للعقل والانفتاح والحريّة والمساواة. المقاربة إذن لا بد أن تكون شمولية، والمواجهة تكون أيضا جماعية، وذلك ضمن الحرص على التعزيز الدائم والمستمر ليقظة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، والسعي لتطوير التعاون والتنسيق الإقليميين والدوليين، وتمتين الفعل والحضور المغربيين في مختلف المبادرات والديناميات العالمية لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابع وامتدادات التطرّف، والإصرار على إنجاح تميز التجربة الديمقراطية والإصلاحية ببلادنا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته