أعلن عن نتائج دراسة تعنى بتراجع قراءة الصحافة في بلادنا أنجزها مكتب دراسات بطلب من الفيدرالية المغربية لناشري الصحف ووزارة الاتصال، وكشفت عن معطيات ومؤشرات في غاية الأهمية بإمكانها المساعدة على بلورة مخطط وطني للرفع من منسوب القراءة وسط شعبنا وتجاوز هذه "الكارثة" التي تضع المملكة في ذيل ترتيب البلدان من حيث انتشار الصحف وحجم مبيعاتها ومستوى الإقبال الشعبي على القراءة بصفة عامة. سنتوقف هنا فقط عند بعض الأرقام والمؤشرات التي يمكن أن تسعفنا في إدراك حجم معاناة مقاولات الصحف وما يتربص بها من مخاطر. 63 % من قراء الصحف مثلا يقرؤونها في المقاهي، أي بالمجان. 70 %من قراء الصحف يشاطرونها على الأقل مع شخص واحد، و45% بالمائة مع شخصين على الأقل. وعندما سئل المستجوبون متى قرؤوا آخر مرة جريدة أو مجلة أو صحافة إلكترونية تبين أن 22 بالمائة قرؤوا يومية ورقية بالأمس قبل يوم الاستجواب، و68 % بالمائة قرؤوا الصحافة الإلكترونية يوما واحدا كذلك قبل يوم الاستجواب. وكشف الاستطلاع أيضا أن 18 بالمائة من المستجوبين يقرؤون الصحافة الورقية يوميا تقريبا، مقابل 49 % لا يقرؤونها مطلقا، كما أوردت الدراسة أن 43%يقرؤون الصحف الورقية مقابل% 83 لفائدة الصحافة الالكترونية، وأن 97% من قراء الصحافة الوطنية يقرؤون باللغة العربية مقابل 55% فقط باللغة الفرنسية، و65 % يتابعون الصحافة التي تركز على الأخبار الآنية، و53% الصحافة الرياضية، و42% الصحافة العامة... وبينت الدراسة في الآن ذاته أن 85 بالمائة من المستجوبين يستعملون الأنترنيت (وخاصة الشباب بين 15 و24 سنة، بنسبة 95 بالمائة، والفئة ما بين 25 و39 سنة، بنسبة 89 بالمائة)، كما أن 67 % من قراء الصحف يقومون بذلك عبر الهواتف الذكية، و11 بالمائة عبر الحواسيب، و10 بالمائة بواسطة الألواح الالكترونية. وأوردت الدراسة، التي شملت عينة ضمت 2098 من المواطنين، أن 82 بالمائة من القرّاء يهتمون بالأحداث الوطنية، و62 بالمائة بالرياضة، و47 بالمائة بأخبار الجهات، كما أن 80 بالمائة يفضلون الأخبار المختصرة. كل هذه المؤشرات والخلاصات وغيرها مما تضمنته الدراسة يُبين أن الأنترنيت يعوق فعلا نمو قراءة الصحف في بلادنا، كما في بقية بلدان العالم، وأن هذا يعتبر تحديا حقيقيا أمام صناع الصحافة والإعلام لإبداع صيغ وأرضيات للتأقلم مع هذا التطور التكنولوجي والقيمي والسلوكي الجديد، ولكن الدراسة جددت التأكيد في نفس الوقت على معضلة وطنية كبرى تخصنا نحن هنا في المغرب، ولطالما تم التحذير منها والدعوة إلى محاربتها والحد من تداعياتها السلبية، ويتعلق الأمر بقراءة الصحف مجانا في المقاهي ومشاطرة الصحيفة الواحدة مع أشخاص آخرين أو استئجارها لمدة معينة ولأكثر من شخص، وكل هذا يجعل أن خزان القراءة في بلادنا أكبر بكثير(على الأقل مرة ونصف) من الحجم الحالي لمبيعات كل الصحف الوطنية. وبينت الدراسة أيضا أن المغاربة يهتمون أكثر بأخبار وطنهم ومناطقهم وبالأخبار الرياضية، وهم يتابعون الأخبار الآنية، أي القضايا السياسية والاجتماعية، كما أن أغلبيتهم الساحقة يقرؤون الصحافة المغربية، وباللغة العربية في درجة أولى تليها الفرنسية مع فارق شاسع بين النسبتين. وهذا المعطى الجوهري يسائل مؤسسات الدولة التي لا تبالي بالصحافة الوطنية ولا تضع أي برامج أو ميزانيات لاقتناء الصحف أو تقوية التواصل مع المغاربة عبرها، كما يسائل الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات الاقتصادية وعالم المال والأعمال وشركات الاتصالات والسيارات والبنوك من حيث اختيار بعضهم الإعلان عن منتوجاتهم وخدماتهم عبر المواقع العالمية بدل تخصيص ميزانيات مهمة وقارة للإشهار عبر الصحافة الوطنية والحرص على التواصل مع المغاربة عبر القنوات التي يتابعونها، ورقيا أو إلكترونيا، والمساهمة في حماية متانة واستقرار مقاولات قطاع الصحافة الوطنية وإشعاع مختلف منابرها. النتائج التي كشفت عنها دراسة مقروئية الصحافة تفرض إذن اليوم وعيا وطنيا جماعيا بما طرحته من تحديات كبرى تبقى البلاد كلها معنية بها وبضرورة مواجهتها. الأمر يعني اليوم المدارس والثانويات والجامعات ودور الشباب ومراكز الثقافة من خلال إبداع برامج وسياسات عمومية لتشجيع قراءة الصحف واقتنائها الفردي والعمومي. الأمر يعني كذلك الدولة ومسؤوليتها تجاه القطاع ومقاولاته والعاملين به، وذلك من خلال الإقدام على صياغة مخطط وطني استراتيجي لتأهيل المنظومة بكاملها، دعما وتمويلا وهيكلة وعلى المستويات التكنولوجية والبنيوية والجبائية والبنكية والاجتماعية والقانونية وغيرها. ويعني الأمر أيضا المهنيين والناشرين من خلال ضرورة النجاح في نجاعة التدبير المقاولاتي وجودة الحكامة وتطوير المحتويات والمضامين وتعزيز الجدية وأخلاقيات المهنة. إن واقع قراءة الصحف، وأيضا القراءة ككل، يعتبر اليوم بمثابة كارثة حقيقية تهدد كثير أشياء في هذه البلاد، ولهذا من الواجب أن يعي الكل بهذا ويتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعمل لتمكين بلادنا وشعبنا من صحافة ذات مصداقية وإشعاع وجدية، وتطور المسار الديمقراطي والتنموي لمغرب اليوم. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته