يتسابق الناس بمختلف ألوانهم و أشكالهم و مشاربهم عبر العالم، في شهر رمضان لتعليق الزينات، وتخصيص الرسومات وإنارة الفوانيس، وتبادل التهاني، والمبالغة في إظهار الفرح بقدوم رمضان بإذاعة المسلسلات الفكاهية، والأعمال الدرامية، فيما تتسابق فئة أخرى إلى الدعاء والقيام وقراءة القرآن، والتنافس في الطاعات. وتختلف مظاهر استقبال الشهر الكريم من بيت لبيت، ومن ثقافة إلى ثقافة، كما تختلف من بلد لآخر، فبينما تحتفل بعض الأسر بشراء مستلزمات رمضان قبل شهر كامل تحتفل أسر أخرى بتعليق الزينة، وشراء بعض المأكولات الخاصة بهذه المناسبة. إن المسلمين في كل مكان فوق سطح هذه البسيطة، يتطلعون الى هلال شهر رمضان، يفرحون بمقدمه، لأن الشهر يحمل في طياته ذكريات، ومعاني، ومناسبات لها ارتباط وثيق بحياة كل مسلم. ففيه مشاعر غريبه يحملها كل مسلم لأخيه المسلم، نرى الغني يعطف على الفقير، القوي يرحم الضعيف. شهر يشعر المسلمون جماله وبهاءه، تغمرهم الفرحة بالصيام و القيام و لكل شأن يغنيه. رمضان حول العالم، سلسلة تنشرها بيان اليوم عبر حلقات طيلة الشهر الفضيل للسفر بقرائها إلى مختلف بلدان العالم، والإبحار في تاريخ الأمم، من أجل لاقتراب أكثر من تقاليدهم و ثقافاتهم و عاداتهم في استقبال رمضان و طقوس قضاءه. رمضان يجمع التتار والكازاخ حول مائدة إفطار واحدة مسلمو روسيا يعيش المسلمون الروس في مجتمع غير مسلم وبالتالي تتأثر حياتهم كثيراً بالنظر إلى اختلاف العادات والتقاليد ما بين المجتمع الإسلامي في روسيا وبين باقي أفراد المجتمع الذي يدين غالبية أفراده بالمسيحية الأرثوذكسية، لكن على الرغم من ذلك فإن المسلمين يتمسكون بدينهم وينتهزون فرصة شهر رمضان الكريم من أجل تثبيت دعائم دينهم وثقافتهم في نفوس أفراد المجتمع الإسلامي الروسي. رمضان عند الروس وفي روسيا العديد من القوميات التي تنتسب إلى الإسلام مثل الشيشانيين والقبائل المقيمة في «داغستان»، ويتيح هذا الشهر الكريم للمسلمين أن يمارسوا شعائر دينهم الأمر الذي يوفر جواً إيمانياً يساعد الكثير من المسلمين الذين ينتمون إلى الدين الإسلامي اسمياً فقط على العودة إلى الدين الصحيح كما تؤدي هذه الأجواء الرمضانية إلى إقبال بعض غير المسلمين على اعتناق الدين الإسلامي، وتتلخص الشعائر الرمضانية عند الروس في الاجتماع حول موائد الإفطار والذهاب إلى أداء صلاة الجماعة، وتقوم المساجد الرئيسية بختم القرآن الكريم طوال شهر الأمر الذي يجعل من هذا الشهر عيدا يمتد على مدار ثلاثين يوماً كذلك يحرص المسلمون الروس على أداء صلاة التراويح وتعتبر هذه العبادة هامة جدا في توحيد المسلمين حيث يشعر المسلم القادم إلى أداء صلاة التراويح بأنه قادم إلى جماعة فيستقر لديه الشعور الديني الإيماني. ومن العادات أيضاً أنه أثناء موائد الإفطار تتم دعوة من يتقن قراءة القرآن ويعلم شيئاً عن الدين ليقوم بقراءة ما تيسر من القرآن ويلقي درساً أو موعظة مما يترك أثرا طيبا في المدعوين كما يساعد على جذب غير المتدينين من المدعوين إلى التدين والالتزام بالتعاليم الإسلامية، كما نجد موائد الإفطار الجماعي التي تنظمها الجمعيات الخيرية والتي تماثل «موائد الرحمن» لدينا هنا في مصر وتشارك العديد من الدول العربية والإسلامية في إقامة مثل هذه الموائد عن طريق البعثات الدبلوماسية مما يشعر المسلم الروسي بعمق الروابط بينه وبين باقي شعوب العالم الإسلامي. وبخصوص تعامل الشعب الروسي والدولة الروسية عموما مع الشهر الكريم، فإننا لا نجد أي تغير عن باقي أيام السنة فالبرامج التليفزيونية والإذاعية كما هي تبث من دون احترام لمشاعر المسلمين كما يتواصل عمل المقاهي وأماكن تقديم المسكرات طوال شهر رمضان، الأمر الذي يشير إلى طبيعة مشكلات المسلمين في روسيا والتي ترتبط بعدم اعتبار المجتمع الروسي الأرثوذكسي في الغالب لهم جزءا أساسيا من أجزاء المجتمع مما يتطلب تحركا من المسلمين الروس وكذلك من بلاد العالم الإسلامي من أجل نيل المزيد من الحقوق للمسلمين الروس في ممارستهم عباداتهم بصورة عامة وخلال شهر رمضان المبارك. تبادل الحلويات خلال رمضان فى روسيا الاتحادية، يحرص مسلمون من جنسيات مختلفة على الاجتماع على مائدة الإفطار وتبادل الحلويات بين الأسر، وفقاً للأطباق الخاصة بكل جنسية، ثم يتوجهون إلى المساجد وعلى رأسها أهم مساجد روسيا في ميدان المبيسكى لصلاة التراويح، كما يشهد هذا الميدان صلاة العيد التي يحرص عليها مسلمو روسيا مهما كانت طبيعة الطقس، كما تقوم القناة الثانية بالتلفزيون بنقلها مباشرة. ويقول مدير المركز الروسى للثقافة والعلوم بالقاهرة نيكولاى ياخنتوف إنه على الرغم من كون روسيا دولة علمانية، إلا أن بعض الشركات الخاصة تسمح براحة للمسلمين العاملين بها لتناول وجبة الإفطار وصلاة المغرب. وعن مميزات حياة المسلمين في شهر رمضان في مدينة «أومسك» الروسية يقول مفتي سيبيريا شاكر جان: إن أغلبية مسلمي هذه المدينة من الكازاخ، وهم يفضّلون تناول الخراف في وجبات الإفطار ويكرمون ضيوفهم بتقديم آذان الخراف المشوية لهم. أما التتار فيحرصون في شهر رمضان على إعداد الوجبات التقليدية التي يشتهر بها المطبخ التتاري، ويحرص الكازاخ في شهر رمضان على التجمّع بأعداد كبيرة في أحد المنازل لتناول وجبة الإفطار، حيث يتجمّع الرجال في أحد أركان المنزل، بينما تشغل النساء ركنا آخر. ومما يشار إليه أن مساجد روسيا تحولت في السنوات الأخيرة إلى ملتقى للمسلمين في رمضان، حيث يجتمع أبناء الجاليات العربية والإسلامية على اختلاف مشاربهم وجنسياتهم في موسكو لاستعادة، ولو بعض الشيء، النفحات الرمضانية. موجة الحر والصيام في رمضان تجتاح البلاد موجة غير مسبوقة من الحر الشديد، تصل ساعات الصيام إلى ما يقارب الثماني عشرة في موسكو والعشرين ساعة في مناطق أخرى ، مما قد يشعر المسلمين في روسيا بشيء من المشقة في صيام الشهر ليس بسبب الجوع والعطش فحسب، وإنما بسبب ما تشهده البلاد من موجة حر غير مسبوقة ودخان كثيف نتج عن حرائق كبيرة، زد على ذلك ساعات الإمساك الطويلة الأمر الذي يجعل الكثيرين يتساءلون عن الحكم الشرعي فيما قد يشق عليهم. يقول الشيخ إيلدارعلاء الدينوف رئيس القسم الشرعي لدى مجلس المفتين في روسيا بهذا الصدد «في الواقع هذا أمر صعب جدا، لم تصدر فتوى رسمية بهذا الشأن عن الإدارة الدينية للمسلمين في روسيا، ولكن في جميع الأحوال يجب أداء الفريضة لكل القادرين، الدين الإسلامي دين يسر، وهو يتوجه من منطلق أن الإنسان إذا شعر بأنه غير قادر على الصيام وجسده لا يحتمل ذلك فباستطاعته أن يعرض نفسه على طبيب مختص، وإذا أشار عليه الطبيب بما يسمح له بالإفطار تفاديا لتدهور حالته الصحية، فلا حرج عليه». وفيما يستصعب بعض المسلمين صيام الشهر يؤكد آخرون نيتهم القيام بالواجب الذي فرضه الله عليهم مهما كانت الظروف والأحوال. والصيام كغيره من العبادات له فرائض وشروط ومتطلبات يجب على الصائم أن يعرفها حتى يكون صيامه صحيحا مقبولا، لكن في روسيا وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية يرى البعض في اللجوء إلى اجتهادات وآراء علماء الدين ضرورة ملحة تقي الكثيرين من الوقوع في الأخطاء. ويقول إيلدار نورإيمانوف رئيس دار النشر الإسلامية «أنصار» حول هذا «من الطبيعي إن كل مسلم يريد أن يؤدي الفريضة على أكمل وجه بالرغم من كل الصعوبات، بالنسبة لي أنا انوي صيام الشهر كاملا، ولكن إذا شعرت أن ذلك سيؤثر سلبا على صحتي وعملي ففي هذه الحالة سوف أحاول أن أعوض ما فاتني من الصيام.. مثلا خلال فصل الشتاء حيث يكون الوقت والجو يسمحان بذلك». روسيا في سطور هي أكبر دولة في العالم من حيث المساحة التي تبلغ 17 مليونا و75 ألف كيلومتر مربع، وتتوزع أراضيها بين قارتي أوروبا وآسيا. تمثل روسيا جسرا بين قارتي أوروبا وآسيا. يحدها من الشرق بحر بيرنغ وبحر أوخوتسك وبحر اليابان، والثلاثة تتفرع من المحيط الهادي، ومن الغرب تحدها بيلاروسيا "روسيا البيضاء" وإستونيا وفنلندا.