في كتابه «فن العرض المسرحي» يذكر نبيل راغب إن الروائي الكبير هنري جيمس صاحب رواية «أجنحة حمامة» و«صورة سيدة» لم يستطع مقاومة إغراء كتابة مسرحية، فكتب المسرحية تلو الأخرى، غير أنه في النهاية عبر عن خيبته متحسرا من عدم رؤية ولا مسرحية من هذه المسرحيات على الركح ولم يكن هنري جيمس وحده الذي عانى من هذه الخيبة، فالكثير من الروائيين والقصاصين أملوا في تحويل كتاباتهم على ا لخشبة لكن من دون جدوى. وبقدر ما تحمل أعمال الكثير من الكتاب الكبار من أفكار عميقة وجذابة متضمنة مراقي جمالية خلاقة بقدر ما تفتقد الفنيات والأدوات المسرحية، وهو ما استدعى اللجوء لعملية تركيحها ومسرحتها، ولن يقوم بهذه العملية إلا شخص متخصص في الأمر، حتى يصبح النص قابلا للعرض على الخشبة، غير أن الأمر ليس مجرد تحويل السرد إلى حوار، ومن هنا جاءت فكرة ما اصطلح أهل المسرح على تسميته بالتدريم، بما هو تطويع أعمال أدبية قصصية أو روائية أو شعرية إلى اشتراطات المقاربات الرامية، بحيث يمكن تمثيلها وتقمص أدوار شخصياتها وتحويلها إلى حياة فعلية؛ وكلمة (dramaturgos) تحتوي على شقين، الأول (dramato) يعني مسرحية، والثاني (regos) يعني صانعاً أو عاملاً، ولذلك فإن الكلمة تحمل في أصلها معنى الصنعة، وتستخدم الكلمة بلفظها اللاتيني المذكور في أغلب لغات العالم، ومنها اللغة العربية لأنه لا مرادف لها، والمقصود منها المشتغل على الدراما وواضعها، كما تعني صناعة الدراما، وطبقا لقاموس المسرح الألماني Theater Lexikon فإن هناك ثلاثة مصطلحات تتعلق بالدراماتورج : Dramaturg وهو الشخص القائم بالوظيفة نفسها. Drmaturgi وهي الإجراءات التي يقوم بها الدراماتورج على النص لتجهيزه لكي يقدم في عرض. Dramatisierung وتعني حرفيا التدريم أو الإعداد الدرامي أو تحويل ما هو مكتوب على الركح بما يتطلب ذلك من إعداد الممثلين: ملابسهم إدارتهم على الخشبة وماكياجهم وطريقة تحاورهم وتوفير الديكور المناسب وما يتطلبه من إضاءات وضبط للتدخلات الصوتية. غير أن الكثيرين تختلف وجهات نظرهم حول مهمة الدراماتورج في العمل المسرحي، بل وفي المشروع المسرحي عموما والكثير من المقاربات التنظيرية والنقدية تكاد تختلف اختلافا كليا في مفهومها لدوره الحقيقي الذي قد ينجزه في العمل المسرحي، فهناك من الاتجاهات الدراماتورجية المعاصرة من بدأ يتحدّث عن (دراماتورجيا الممثل) و(السينوغراف)، بل أن هناك من يتحدث عن (درامتورجيا المتلقي) باعتباره عنصرا مشاركا في إنتاج العرض المسرحي وجماليات الدراماتورجيا. حين دعي غوتولد افرايم ليسنغ الذي يعتبر أول دراماتورج عرفه تاريخ المسرح إلى مدينة هامبورغ عام 1767 ليكون المستشار الأدبي لأول مسرح قومي ألماني، صدر كتاب دراماتورجيا هامبورغ، وهو عبارة عن مقالات نقدية حية عن عروض مسرحية، تميزت هذه المقالات بجديتها وتحليلها للواقع المسرحي في زمانها، وتحديداً في الفترة. من هنا بالتحديد ولد هذا المصطلح (Dramaturgie) وبذلك صار غوتولد إفرايم ليسنغ أول دراماتورج معروف وارتبطت عنده وظيفة الدراماتورج بتصنيف النوعيات المختلفة من النصوص المسرحية، ومناقشتها ودراسة العلائق التي تربط بين هذه النوعيات المختلفة، وكذا الأساليب المتنوعة لكتابتها. وفي هذا السياق فإن الكلمة الانكليزية (Dramatyrgy) والفرنسية (Dramaturgie) قد استعيرتا من الكلمة الألمانية (Dramaturgie) تلك الكلمة التي استخدمت من قبل غوتولد ليسنغ في سلسلة هذه المقالات بدءاً من ليسنغ مبتكر هذا المصطلح، ومروراً بستانسلافسكي، ودانتشنكو، ومايرهولد، وكريغ، وبريخت، ويؤكد البحث على مركزية الدور الأيديولوجي الذي لعبته الدراماتورجيا عند أبرز رواد المسرح الأوروبي. إذن فالدراماتورجيا مقاربة تعبر عن عمق جمالي في فهم النص وطريقة عرضه على الخشبة. ويمكن أن نعتبر عمل المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي (1863-1938) على النص مع الممثلين قبل البدء بالتدريبات هو شكل من أشكال العمل الدراماتورجي الذي نتحدث عنه الذي كان يشدد على أهمية الالتزام بالريبرتوار (المرجعية الفنية والايديولوجية) التي ينبغي على الدراماتورج الالتزام بها أثناء أداء مهامه، كما أن برتولت بريخت عمل مع المخرج النمساوي ماكس راينهارت ( (1873-1943 ومع الألماني (إروين 1893 بيسكاتو 1966) وغيرهما كدراماتورج، المهم في عمل بريخت أنه انطلق من خبرته العملية كدراماتورج عصامي بالفطرة، وأنه طبق فعلياً العمل الدراماتورجي على المسرح وعلى أسلوب التعامل مع الجمهور، عندما صاغ نظرية المسرح الملحمي وعندما أسس فرقة البرلينر أنسامبل (Berliner Ensemble) في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، تأكد وجود الدراماتورج في المؤسسة الغربية. كان بريخت دراماتورجياً نوعيا واعيا شديد الوعي بأهمية دوره، إذ تداخل عمله بين الإخراج والتأليف، بالإضافة إلى إدارته للممثلين على الركح، من أجل منع الجمهور من الاندماج بالعرض، وبالتالي منعه من التطهير والتنفيس عن مشاعره، إذن فالدراماتورجيا هي مقاربة جمالية للمفاهيم والقيم والرؤى السياسية والفكرية والاجتماعية السلوكية والمقاربات النفسية التي طرحها الكاتب في نصه الخام بمادته اللغوية الأولى، يقوم الدراماتورج بمناقشتها ومعالجتها مع فريق العمل من مخرج ومساعديه، ممثلين وتقنيين ومنتجين، سواء قبل الشروع في العمل الركحي أو أثناء البروفات فعمل الدراماتورج شبيه بعمل المهندس الذي يصمم كل شيء على الورق، لكن سوف يتعداه إلى المتابعة أثناء عملية التطبيق. وهناك حالات يقوم فيها الدراماتورج بكتابة النص انطلاقاً من تدريبات الممثلين الارتجالية في صيغة الإبداع الجماعي، وهذا ما تم لدى صياغة نص مسرحيتي (1789) و(العصر الذهبي) اللتين قدمتهما المخرجة الفرنسية آريان منوشكين 1939 مع فرقة مسرح الشمس. وكما ورد في كتاب «المسرح فن خالد» ترجمة حسن نعيمي: "الدراماتورجيا أصبحت تشكل عالماً من الابتكارات والكشوفات، تراعي في الأساس العلائق القائمة بين المواد النصية والركحية، بإخضاعه أو بتوجيه الفرجة إلى غايات منشودة". فالدراماتورجيا هي فن قائم بذاته يعيد بناء العلاقات التخييلية التي وفقها شكل الكاتب تصوراته وبنى عمله الفني من خلال النقد المسرحي التحليلي، ومن خلال التحليل النفسي أيضا تهيئة له ليخرج من الورق ويصبح حيا على الخشبة. ورغم اختلاف وجهات نظرهم حول المسرح وأدواته وطرائقه، ورغم تباين نظرياتهم حول دور الفن أجمع أهم رجالات المسرح على أهمية دور الدراماتورجيا فتجارب الفاضل الجعايبي وجليلة بكار اعتمدت على البحث في الكتابة وسبل الإعداد من خلال استلهام الواقع ما يحدث يوميا من أشياء هامشية أو مسكوت عنها ومقاربتها مقاربة جمالية صادمة تعمل على الحفر في المعنى وبناء الوعي بناء مغايرا عكس المخرج العراقي صلاح قصب الذي عمد إلى نصوص شكسبير يعيد كتابتها وفق رؤية عربية ممزوجة بالتراث العراقي، مهتما بالصور الشعرية في مقارباته السينوغرافية، بينما اعتمد جواد الأسدي على الإخراج وأداء الممثل أساسا في عملية صنعه للعرض. لا يمكن اعتبار الدراماتورجيا مجرد جسر أو واسطة بين المؤلف والمخرج وهو ليس معبرا مروريا بين ما هو أدبي إلى ما هو مسرحي على الخشبة، بل هو فن متكامل نما وتطور بسرعة وأصبح له منظروه ونقاده وكذلك مبدعوه، بل أصبحت هناك نظريات مختلفة بشأنه، ما يؤكد أحقية التعامل معه كفن مستقل بذاته له قوانينه واشتراطاته بل لا وجود لعملية مسرحية مكتملة بدونه.