يرويها ماء العينين مربيه ربو حرب إفني وبروز نواة جيل البوليساريو الحلقة7 ما أصعب أن يعيش الإنسان فى وهم لأكثر من أربعين عاما، وفجأة يكتشف أن ما كان يؤمن به مجرد خزعبلات لا تخدم مصلحته ولا مصلحة بلاده، ويدرك، بعد رحيل العمر، أن الواقع شيء آخر حجبته الجهات المستفيدة عن الأنظار. هذا هو حال العديد من قيادات البوليساريو سواء التي التحقت بأرض الوطن أو تلك التي تتحين الفرصة للانفلات من مخالب المخابرات الجزائرية. بحرقة من تعرض للاختطاف، وهو شاب يافع، يتحدث ماء العينين مربيه ربو، المدير السابق لإذاعة البوليساريو، وعضو مؤسسة ماء العينين للتراث، عن سنوات طوال من التعذيب وسط المخيمات، وما تلاها من عمل قسري داخل المخيمات وعلى التراب الجزائري. جلسة شاي، فإغماءة، فشعور بقيد يدمي المعصمين... ثلاث محطات غير محددة زمنا، رغم تقاربها، ستكون بداية حياة جديدة وسط القيادة الأولى للبوليساريو. سجن كبير لا مجال فيه للتمرد رغم الشعور اليومي بحرقة الفراق. مغاربة تتلمذوا ودرسوا بجامعات بلدهم المغرب، تحولوا، بمؤامرة محبوكة من جزائر بومدين، إلى حاملين لسلاح المعسكر الشرقي، ولأفكار لا تحمل من الثورية والتقدمية سوى ما يليق بمقاسات أطماع الجارة الشرقية التي كبح جماحها الملك الراحل الحسن الثاني. وقائع وشهادات ينقلها لقراء بيان اليوم، في حلقات، الأستاذ ماء العينين مربيه ربو، الذي يحكيها، من مواقعه المتنوعة والمسترسلة زمنا، سواء كسجين، أو كمؤطر عسكري، أو كصحفي، ثم كمدير لإذاعة البوليساريو. مشاهد صادمة، بل مفجعة بكل معنى الكلمة، يرويها لنا ماء العينين، تنقلنا إلى ما وراء سياجات المخيمات وأسوار السجون، وإلى صالونات محمد عبد العزيز وزوجته خديجة حمدي، قبل أن تمضي بنا إلى العاصمة الجزائر التي ستكون، بعد محاولات الفرار، نهاية الكابوس الطويل، وبداية معانقة الوطن الأم المغرب. حرب إفني أو "الحرب المنسية" كما تسمى في إسبانيا" La guerra olvidada" هي حرب أعلنها المغرب ضد الجيش الاسباني والفرنسي سنة 1957 ،بعد عام واحد من استقلال المغرب. وتم بموجبها استرجاع طرفاية "رأس جوبي" إلى المغرب. بدأت الهجمات في أكتوبر1957 وكانت عبارة عن سلسلة من الهجمات في الصحراء المغربية قام بها مقاومون مغاربة من المناطق التي استقلت للتو من الحماية بالمشاركة مع صحراويي المنطقة، للمطالبة باسترجاع الأراضي التي كان الاحتلال الإسباني لا زال يحتلها آنذاك. أدت الهجمات إلى دخول الجيش المغربي" جيش التحرير" رسميا الحرب ضد اسبانيا وذلك ببدء تنظيم صفوف المقاومين وقيادتهم. علاقات المغرب المضطربة مع فرنسا أدت إلى دخول هذه الأخيرة إلى جانب اسبانيا الحرب. رغم خسارة المغرب العسكرية إلا أنه نجح في استرجاع الجزء الشمالي من الإقليم "الصحراء الإسبانية آنذاك" والمسمى طرفاية أو Cap Juby، وقام سنة 1957 بالمسيرة الخضراء حيث انسحبت اسبانيا من مجموع الإقليم. كان الملك محمد الخامس رحمه الله في زيارة للولايات المتحدةالأمريكية من أجل حشد التأييد والدعم للثورة الجزائرية عندما اندلعت حرب سيدي ايفني سنة 1957م. قام جيش التحرير المغربي بتنسيق مع قبائل آيت باعمران بالهجوم على المراكز الاسبانية بالمنطقة. كان جيش التحرير يضم رجالات من الشمال يتزعمهم أوحمو، وكان القائد الفعلي لهذا الجيش هو العقيد إدريس بن بوبكر الذي، أطال الله عمره، يعيش في مدينة الرباط،. كما ضم الجيش وطنيين نذروا أنفسهم ، قبل سنة 1956 ، لتحرير بلدهم، قبل أن يولوا وجوههم شطر الصحراء. لم يكن جيش التحرير يتلقى أوامرا من أحد. إذ لم يكن لوزارتي الداخلية ولا الخارجية حينها وجود. وفاء وإخلاص للبلاد كان دافعهم للقيام بهجمات استولوا على إثرها على على 6 مراكز قرب سيدي ايفني، وكبدوا الجيش الاسباني خسائر هامة منها كتيبة يرأسها الملازم أورتيز الذي سقط في ساحة القتال وأطلقت عليه اسبانيا لقب "شهيد الوطن". فنظمت حكومة اسبانيا خطة دفاعية مضادة، ونقلت جيشا إضافيا من جزر الكناري ثم أرسلت باخرتين حربيتين هما كانارياس ونيبتون اقتحمتا المياه الإقليمية المغربية وهددتا بقصف مدينة أكادير . فتحمل ولي العهد آنذاك "الأمير مولاي الحسن" مسؤولية الدفاع عن المغرب ضد هجوم اسباني محتمل، وأرسل إلى الجنوب فيالق عسكرية من القوات المسلحة الملكية تمركزت على طول ساحل أكادير وفي ضواحي سيدي ايفني، ثم أعطى ولي العهد أوامره بإطلاق النار على كل طائرة حربية اسبانية أو أجنبية تخترق الأجواء المغربية. وبدأ الهجوم المضاد الاسباني ضد وحدات جيش التحرير المغربي والقبائل المساندة له بقصف جوي قام به الطيران الحربي الاسباني على خط بوزكارن وكلميم. "سنعاقب الثوار المغاربة بشدة" هكذا كانت مدريد تهدد، معتبرة أن سيدي ايفني اسبانية وستبقى اسبانية.لم يوقف اتصال السفير الاسباني بوزير الخارجية المغربي "بلافريج" الحرب الدائرة. وبقي جيش التحرير المغربي متشبثا بشدة بمراكزه داخل منطقة سيدي افني، وشن هجومات ضد المواقع الاسبانية في نواحي مدينة العيون، كما نصب الكمائن لقوافل الإمدادت الاسبانية. بعد مرور ثلاثة أسابيع على الحرب، كان الملك محمد الخامس مازال في واشنطن، بينما وجه ولي العهد الذي كان يتابع معارك وانتصارات جيش التحرير، تحذيرا عبر أمواج الإذاعة يقول فيه" إذا قرر فرانكو تسليم المغرب الجنوبي إلينا، فسأتدخل شخصيا لدى قبائل أآت باعمران لإنهاء المعارك". وأضاف "أعطونا بهدوء الصحراء حتى نعمل على إرجاع السلم في سيدي ايفني". في هذه الأثناء كانت الصحافة الأمريكية تحث حكومتها على مساندة اسبانيا في هذه الحرب. استمر القتال في سيدي ايفني، وأرسلت اسبانيا المزيد من القوات والإمدادات. ثم ظهرت في شواطئ أكادير 6 بوارج حربية أسبانية، فوجهت القوات المسلحة الملكية مدافعها نحو المحيط استعدادا للرد على أي هجوم. وفي 7 دجنبر 1957م عبرت اسبانيا عن رغبتها في فتح مفاوضات مع المغرب بعد أن كانت تؤكد سابقا عزمها على مواصلة الحرب حتى تحقق الحسم العسكري. أعطى فرانكو أوامره للجيش الاسباني أن يجمع قواته في سيدي ايفني وأن يتخلى عن المراكز العسكرية الأخرى لفائدة المقاتلين المغاربة الذين سلموها في الحين للقوات المسلحة الملكية. استقبل فرانكو وجيشه سنة 1958م بطعم الهزيمة، و برز عبر الخطاب الذي ألقاه في عيد السنة الجديدة كثير من المرارة من جيش التحرير المغربي الذي قهر الجيش الاسباني في سيدي ايفني والصحراء المغربية حيث قال:" إن التضحيات التي قدمها المكافحون الأسبان في سيدي ايفني سيستفيد منها بلدهم وأوربا الغربية بكاملها، وسوف لن يتراجع الشعب الاسباني أمام العدوان الخسيس الذي يقوم به الخارجون على القانون المغاربة...". أدى توغل جيش التحرير المغربي في مناطق الاحتلال الفرنسي " شنقيظ أو موريطانيا لاحقا" إلى اتفاق الفرنسيين والأسبان على القيام بعملية عسكرية مشتركة عرفت باسم " المكنسة " استعمل فيها الطيران الحربي بكثافة مما اضطر المقاتلين المغاربة إلى التراجع نحو الشمال. رغم تراجع جيش التحرير، إلا أن سيدي ايفني بقيت محاصرة حتى سلمتها اسبانيا للمغرب سنة 1969م ، أما منطقة طرفاية فقد استرجعها المغرب قبل ذلك بحوالي 10 سنوات، أي في سنة 1958م. ويمكن الجزم بأن جيش التحرير لعب دورا كبيرا في معركة تحرير الصحراء، ويرجع له الفضل في عودة الراية المغربية إلى الخفقان فوق جميع المدن الصحراوية. إذ قاد بعمليات مسلحة في الجنوب، بمشاركة القبائل الصحراوية، توجت بتحرير جزء من الصحراء المغربية، قبل أن تتكالب عليه القوى الاستعمارية الفرنسية والإسبانية في ما يعرف بعملية "إيكوفيون"، التي تعني "المكنسة"، لتوقف مده في أعماق الصحراء. وفي الوقت الذي كان مفروضا أن يتلقى جيش التحرير دعما بالعتاد والرجال، فضل الحسن الثاني حله، ربما لأسباب أمنية، وأيضا نظرا لتطورات الوضعية السياسية وبروز تهدايدات من نوع آخر. فبعض عناصر جيش التحرير كان محكوما عليه بالإعدام، كبنحمو، والفقيه البصري، كما أن الاتحاد الاشتراكي أضحى حزبا جديدا بعد خروجه من رحم حزب الاستقلال. خروج سيسطع معه نجم قائد له وزنه الوطني و الدولي إنه بروز المهدي بن بركة. عندما تم حل جيش التحرير، كان أبناء المقاومين، وأنا واحد ضمنهم، يعيشون مجموعات بمدن الدارالبيضاء، و أكادير، وتافراوت، وغيرها. سيكبر هؤلاء الأطفال الصحراويون واغلبهم من أبناء وعائلات مقاومين، منهم من استشهد في معارك تحرير الصحراء المغربية . كان هؤلاء الأطفال، عند حلول العطل المدرسية، يعودون لبيوتهم ليصعقوا بمناظر لم تخطر لهم على بال، ولا يمكنهم استساغتها بعد كل ما درسوه وخبروه من نضالات آبائهم فداء للوطن، ودفاعا عن أرض يمكنهم العيش فيها بكرامة. كان هؤلاء الأطفال الذين يعودون لمعانقة آبائهم المحاربين الأشاوس في جيش التحرير، يجدون أسرهم لا تملك لقمة العيش، ولا سكنا يأويهم سوى الخيام المهترئة. ترعرع جيل جديد من أبناء الصحراء ليقف على مفارقات عجيبة، وعلى غياب الإنصاف بين من قدم روحه دفاعا عن بلاده ومن استغل ظروفا مواتية ليحتل الساحة منفردا. هؤلاء الأطفال الصغار هم من سيشكل نواة البوليساريو. منهم مصطفى السيد وماء العينين بن خليهن الكاتب العام للكوركاس، وبيد الله رئيس الغرفة الثانية في البرلمان، و الحضرامي ومحمد سالم ولد السالك ومحمد سيداتي... جيل وقف على منظر والده أو عمه أو أخيه الأكبر يجر عربة عليها برميل ماء يبيعه بالتقسيط لكسب الحد الأدنى إن توفر له ذلك، علما أنه سنوات قليلة قبل ذلك، كان يجر المدفعية ويجر وراءه كتيبة عسكرية استرخصت دماءها من أجل استرجاع طرفاية وطانطان ومن أجل جعل راية المغرب ترفرف في كل شبر من الصحراء المغربية. نواة البوليساريو الأولى هاته هالها منظر الآباء، بعد أم لاحظت، وهي تدرس بمدارس مدن الشمال، كيف أن الخونة انشغلوا بنهب تركة المعمرين، من ضيعات ومقاهي وفنادق ومنازل وشقق.