يرويها ماء العينين مربيه ربو حين كان الوزير الأول الحالي في حكومة البوليسارو مدرسا في المغرب ما أصعب أن يعيش الإنسان فى وهم لأكثر من أربعين عاما، وفجأة يكتشف أن ما كان يؤمن به مجرد خزعبلات لا تخدم مصلحته ولا مصلحة بلاده، ويدرك، بعد رحيل العمر، أن الواقع شيء آخر حجبته الجهات المستفيدة عن الأنظار. هذا هو حال العديد من قيادات البوليساريو سواء التي التحقت بأرض الوطن أو تلك التي تتحين الفرصة للانفلات من مخالب المخابرات الجزائرية. بحرقة من تعرض للاختطاف، وهو شاب يافع، يتحدث ماء العينين مربيه ربو، المدير السابق لإذاعة البوليساريو، وعضو مؤسسة ماء العينين للتراث، عن سنوات طوال من التعذيب وسط المخيمات، وما تلاها من عمل قسري داخل المخيمات وعلى التراب الجزائري. جلسة شاي، فإغماءة، فشعور بقيد يدمي المعصمين... ثلاث محطات غير محددة زمنا، رغم تقاربها، ستكون بداية حياة جديدة وسط القيادة الأولى للبوليساريو. سجن كبير لا مجال فيه للتمرد رغم الشعور اليومي بحرقة الفراق. مغاربة تتلمذوا ودرسوا بجامعات بلدهم المغرب، تحولوا، بمؤامرة محبوكة من جزائر بومدين، إلى حاملين لسلاح المعسكر الشرقي، ولأفكار لا تحمل من الثورية والتقدمية سوى ما يليق بمقاسات أطماع الجارة الشرقية التي كبح جماحها الملك الراحل الحسن الثاني. وقائع وشهادات ينقلها لقراء بيان اليوم، في حلقات، الأستاذ ماء العينين مربيه ربو، الذي يحكيها، من مواقعه المتنوعة والمسترسلة زمنا، سواء كسجين، أو كمؤطر عسكري، أو كصحفي، ثم كمدير لإذاعة البوليساريو. مشاهد صادمة، بل مفجعة بكل معنى الكلمة، يرويها لنا ماء العينين، تنقلنا إلى ما وراء سياجات المخيمات وأسوار السجون، وإلى صالونات محمد عبد العزيز وزوجته خديجة حمدي، قبل أن تمضي بنا إلى العاصمة الجزائر التي ستكون، بعد محاولات الفرار، نهاية الكابوس الطويل، وبداية معانقة الوطن الأم المغرب. ماء العينين مربيه ربه هو الاسم الذي حملته منذ ولادتي سنة 1950، على بعد حوالي 140 كيلومتر جنوب شرق الداخلة، في منطقة قريبة من "المالحات". وهي منطقة صحراوية ما زالت إلى اليوم على حالها كما سجلتها مخيلتي وأنا طفل صغير. ولدت تحت خيمة. وفي ظل انعدام الكتاتيب والمدارس، تلقيت الدروس الأولية في الدين والقرآن على يد الوالدة رحمها الله. كانت تلعب دور الأم والمعلم معا. على يديها حفظت ثلاث أحزاب من القرآن عن ظهر قلب، واطلعت على جانب من المسائل الدينية المحضة طبعا، إلى جانب التربية وأشياء من هذا النوع. معلمتي الأولى ووالدتي هي السيدة أم الخير بنت أحمد سالم ولد عبدي، توفيت رحمها الله سنة 2003 ودفنت بمدينة الرباط. لم يكد يمضي شهر واحد حتى التحق والدي هو الآخر بالرفيق الأعلى، ودفن رحمه الله بتافودارت حوالي 50 كيلومتر إلى الشرق من مدينة العيون في وادي الساقية، إلى جانب ضريح والده أحمد الهيبة المعروف بالدكتور الهيبة ولد الشيخ مربيه ربه ولد الشيخ ماء العينين. طبعا، بالنظر لغياب بنية تحتية تعليمية في المنطقة، كان الرحيل ضرورة ملحة، حيث سأحط الرحال بالدارالبيضاءوالرباط. فقد تلقيت تعليمي الابتدائي والثانوي داخل هاتين المدينتين قادما إليهما مع مجموعة من أبناء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وذلك إثر المعارك التي دارت سنة 1957 في الأقاليم الجنوبية. في ذلك الوقت، أي سنة 1957، رفع العلم المغربي في كل المدن الصحراوية. كان علم البلاد يرفرف في العيون، والداخلة، والسمارة، والكويرة. كل سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية يعرفون ذلك ويشهدون به. فجيش التحرير توغل إلى جميع الأراضي وخاض معارك بالدشيرة، والمرسى، والعركوب، ووادي الساقية. معارك معروفة وشهيرة رددتها ولازالت ألسن المغاربة في الأقاليم الجنوبية. في ظل هذه المعارك، ارتأى عبد الإله بن الشيخ الأغضف جمع مئات الأطفال، وتوزيعهم على مدن الدارالبيضاء، وأكادير، وتافراوت من أجل معانقة العلم والتحصيل. كنت من ضمن 130 طفلا الذين التحقوا بالعاصمة الاقتصادية وبالضبط بمدرسة سيدي محمد بن يوسف. كان سني لا يتجاوز السابعة حين اتخذت لي مقعدا في الفصل، أكد وأجتهد مع توالي المستويات الدراسية إلى أن حصلت على الشهادة الابتدائية. تم نقلي بعد ذلك إلى ثانوية الحسن الثاني بشارع 2 مارس بالدارالبيضاء حيث تابعت دراستي. وبعد سنتين أو ثلاثة، لا أذكر، دقت ساعة الرحيل إلى العاصمة إلى الرباط لإكمال دراستي في ثانوية الليمون. كان الحنين يشدني دوما إلى الصحراء التي سأعود إليها وأحصل على الشهادة الثانوية بمدينة الداخلة التي درست بها اللغة الإسبانية. وسألتحق بعد ذلك بمعهد اللغات في مدريد حيث درست أربع سنوات قبل الحصول على دبلوم الكفاءة من هذا المعهد. كان لزاما علي أن أجعل بلدي وأهلي ينتفعون مما حصلت عليه من علم. كانت الأمية مستشرية ولم يكن من المستساغ ترك الناس يتيهون في مستنقع الجهل. وهو وضع لا ينتفع منه إلا المستعمر. كما كان يحز في نفسي منظر أطفال صغار لا يجدون من يوجههم إلى درب الدرس والتحصيل. فسارعت إلى إنشاء مدرسة حرة بمدينة الداخلة لتعليم اللغة العربية وآدابها، والتاريخ، بالإضافة إلى معلومات عامة. كانت أبواب المدرسة، المكونة من فصلين إثنين فقط، مفتوحة للصغار والكبار ليلا ونهارا. رفيق دربي آنذاك كان هو عبد القادر طالب عمر الذي تلقى دراساته بطانطان الذي اجتاز هو الآخر، إلى جانبي طبعا، مباراة التعليم، وأصبح مدرسا، ثم حصل على دبلوم الكفاءة الإسبانية بالداخلة. عبد القادر طالب عمر هو اليوم الوزير الأول في حكومة الجمهورية الصحراوية الوهمية في تندوف. فقد عينه محمد عبد العزيز في 31 دجنبر 2011 بموجب ما يسمى المادة 53 من الدستور الصادر عن المؤتمر الثالث عشر لجبهة البوليساريو المنعقد في الفترة ما بين 15 و22 من الشهر ذاته. وهو المنصب الذي يتقلده للمرة الثالثة على التوالي منذ 2003. كما سبق أن شغل عدة مناصب سياسية وإدارية منها والي ومكلف بما يسمى الجاليات والمدن المحتلة، ووزير للداخلية، وزير للتجهيز ووزير للإعلام في الجمهورية الوهمية. كما شغل منصب رئيس المجلس الوطني سنة 1995. هذا الرجل الذي يشغل منصبا داخل حكومة الوهم، كان من أبناء منطقتي وزميلي في مهنة التدريس التي، وبعد سنة من الالتحاق بالتعليم الرسمي، سيصدر قرار بطردي وإعفائي بدون سابق إنذار وبدون مبرر. لم أجد بدا من السفر إلى العيون لأستفسر عن السبب. وهناك التقيت الكاتب العام لما كان يسمى آنذاك الحكومة الصحراوية، وهو عقيد ينوب عن الجنرال الإسباني الحاكم العام للمنطقة. سألته بشكل مباشر عن دواعي قرار الطرد والإعفاء، فكان الجواب جاهزا قبل وصولي إليه. قال لي إنك أرسلت أناسا إلى خارج المنطقة بدون إذن من الحكومة الإسبانية. في ذلك الوقت، لم أكن أعرف الأشخاص الذين أرسلتهم خارج المنطقة، ولم أكن أدرك أنني محل شبهة لا لشيء سوى لأنني التحقت بمدن توجد شمال بلادي المغرب من أجل الدراسة. كانت المنطقة آنذاك تحت سيطرة إسبانيا وكان حاكمها العام يرسل عيونه لمعرفة من يغادر ومتى عاد. وإذا عاد هذا الشخص يظل محل شبهة واتهام وملاحقة ومراقبة مستمرة. كانت إسبانيا تخشى القادمين من الشمال وتخشى أكثر من أبناء المناطق الجنوبية للمغرب الذين يدركون أن ارتباطهم لن يكون إلا ببلدهم المغرب لاعتبار منطقي واحد وهو أن الصحراء كانت دائما تابعة للشمال قبل الاستعمار الإسباني. كل أبناء الأقاليم الصحراوية المغربية يدركون أن الصحراء كانت جزء من المملكة المغربية قبل مجيء الاستعمار الإسباني. فهناك ظهائر تعيين وتولية قادة ومسؤولين في الأقاليم الجنوبية. أبناء هذه الأقاليم المغربية الصحراوية لا يطلقون الكلام على عواهنه. هناك وثائق تؤكد هذا القول. فمحمد أمين التكني، على سبيل المثال لا الحصر، كان قائدا معينا من طرف السلطان الحسن الأول على بوجدور. وكان الشيخ ماء العينين، في بداية النصف الثاني من القرن 19، ينوب على السلطان في الأقاليم الجنوبية الممتدة إلى حدود نهر السنغال. وهو ما يعني أن التراب المغربي لم يشمل فقط الصحراء، بل امتد ليشمل موريتانيا التي كانت بمعية المغرب، قبل الاستعمار الفرنسي، بلدا واحدا. طبعا، موريتانيا اليوم دولة مستقلة معترف بها من طرف الأممالمتحدة ومن طرف جل الهيئات الدولية. وإذا تصفحنا كتب التاريخ ومراجعه، نجد أن الدولة العباسية كانت تحكم العالم العربي بأكمله، قبل أن تتأسس وتتكون الدول. هذا هو التاريخ الذي تؤكد وثائقه أن موريتانيا قبل الاستعمار كانت جزء من المغرب والمغرب جزء من موريتانيا، وحدة منصهرة وصفحة بيضاء دنسها المستعمر. أما بخصوص الصحراء، وتبعا لما قلت، فكانت أرضا مغربية خالصة، ويعرف ذلك من يشعل فتيل النزاع. كل المخطوطات والمراجع والكتب الإسبانية التي تعنى بقضية الصحراء المغربية تؤكد أن الداخلة احتلت سنة 1885، وأن هناك معركة كبيرة خاضها السكان ضد الوافدين الأسبان يوم 9 مارس سنة 1885 وكانت بعزم من الشيخ ماء العين باعتباره في ذلك الوقت نائبا عن السلطان مولاي الحسن الأول في تلك الأقاليم . وقد ألف كتابا عن هذه الواقعة اسمه ''هداية من حار في أمر النصارى'' .