لا يرتدي محمد عزالدين التازي الروائي والقاص المغربي بذلة فاخرة، بل يحرص كما أعرفه على رفض ربطات العنق الملونة لأنها خانقة وخائنة. يبدو هكذا بسيطا حتى في حديثه، محفظته رزم أوراق وملفات أمامه يتأملها وهي طويلة وكبيرة جدا، عصارة الأفكار تكرر حياته وتنفلت منه كلما تذكرها، لذلك يحب أن يرتجل كلمة كلمة وجملة جملة وينسى نفسه حين يشد المتلقي لأكثر من ساعتين بحلاوة التعبير وتواضع المتمرس ودون ورقة كاملة إنه يسترسل وينكتب كالشعر. ليست دعاية أو إشهارا لكاتب يسعى بسط شهرته، إني بمعنى من المعاني أحاول أن أرسم بورتريه لمسار وتجربة كاتب مغربي غزير الإنتاج موزع بين القصة والرواية والنقد والكتابة للأطفال. يحضر عزلته الكهربائية جيداً، بعيدا عن الجميع، له خلوة خاصة يتميزُ بقوة الجملة ومشاكسة العبارة والبناء المعماري السميك، طويلُ النَفس، إنه من أغزر الكتاب المغاربة وأكثرهم تأليفا. أشتغل وحدي طويلا، يقول- لا تهمني الأمكنة أعود كثيرا إلى الطفولة لأنها مرتعي، إلى أزقة فاس المضمخة بالعطور والتوابل أعود. إنه جزء من التجربة البشرية. يمر متثاقلا، يجذب الأولمبيك الزرقاء الطويلة وينفث دخانها بعيدا بعيدا، يحاول أن يذوق معناها هي كذلك والكتابة هي المرتع الخصب، إنه يندهش لمعمار المدن القديمة تشده القصبات والأسوار العتيقة رائحة الكتب والتوابل والملابس المغبرة بالتاريخ ودهاليز الدروب الضيقة وأغاني الطفولة القديمة. حتى التاريخ، لا ينفلت من عباءته، يدونه. يستكين إلى رائحته و إلى عطر الملحون العذب والى عكاز الدارجة المغربية. يتساءل كيف يمكن أن تؤرخ الرواية للناس؟ يبدو حزينا جدا جداً لفقدان أعز الناس إليه ويقول أن محمد شكري ظاهرة، موته شكل فاجعة بالنسبة إليه، يواري قبره زمن جيلنا وهو بالضبط كاتب من زماننا. يبحث الأستاذ محمد عزالدين التازي عن استراتيجية الأشكال والكتابة، أعماله لا تكرر نفسها يقول، وهذا خطير جدا لأن الإستراتيجية تتجدد باستمرار. لا يتحرج من كتاباته الأخلاقية إنها كتابة أخرى، وعنف اللغة يراه في صلبها، أعماله الروائية يمكن أن ترى النور في عمل تلفزي أو فيلم طويل لكنه يقول إن المخرجين ليس لديهم حس جمالي للنص. يضرب لنا موعدا للقاء آخر، وينطلق كطائر الرخ عملاقا إلى عشه موزعا علينا ابتسامته الحلوة بها عطر الحزن وإحساس فاجعة صديقه العزيز شكري محولا جراحاتنا إلى أوقات خارج الوقت فلا حاجة إذن للدهشة ولقلق الكتابة الذي يؤجج نار الأسئلة.. إنه زهرة الآس.