مع اقتراب شهر رمضان، تتصاعد ملحمة التبشير بالأعمال التلفزيونية المتوقع عرضها على الفضائيات العربية احتفالا بشهر رمضان، حيث يكثر الحديث عبر وسائل الإعلام عن الاستعدادات لهذا الشهر الكريم وعن البرامج التي يعلن عنها للمناسبة، ويبدأ المنتجون والفنانون قبل محطات التلفزيون بالترويج لأعمالهم حتى وهي في طور الإنتاج وتشتد المنافسات الخفية بين مختلف الفضائيات للحصول على حقوق عرض هذا المسلسل أو ذاك والإعلان عنها مبكرا لإغراء المعلنين لبث إعلاناتهم خلال فترة عرض هذا المسلسل أو ذاك، وقد تصل كمية الإعلانات خلال بعض المسلسلات إلى حد يفسد متعة مشاهدة الحلقة المتقطعة الأوصال، وصارت فترة عرض الحلقة التي مدتها الأصلية لا تتجاوز الخمسين دقيقة، تصل إلى ما يقارب الساعتين مع الفواصل الإعلانية خلالها. لقد ارتبط شهر رمضان منذ سبعينات القرن الماضي بنكهة برامجية خاصة بالإذاعة والتلفزيون، تتوجها المسلسلات العربية، وغلب عليها في البداية -احتراما لهذا الشهر- المسلسلات التاريخية والدينية والاجتماعية الغنية بالمعاني والدلالات الدينية والروحية والأخلاقية، وشكل هذا التوجه الرمضاني خصوبة إنتاجية لكل جهات الإنتاج البرامجي الرسمية والخاصة فتوفرت فرص عمل واسعة لكل الطاقات الفنية العاملة من كتاب نصوص ومخرجين وممثلين ومصورين.. وقبل كل هؤلاء المنتجون الذين ساهموا منذ سبعينات القرن الماضي في ترسيخ مناهج واتجاهات في العرض التلفزيوني تساعدهم على زيادة حجم إنتاجهم، فابتدعوا منهج العرض اليومي لحلقات المسلسل بعد أن كانت تعرض حلقة واحدة أسبوعيا وبالتالي ليس أكثر من 13 حلقة للمسلسل الواحد في ثلاثة أشهر هي دورة تلفزيونية واحدة، ثم حرض المنتجون إدارات التلفزيون على العرض اليومي للحلقات "وخصوصا في منطقة الخليج العربي التي كانت محطاتها التلفزيونية المتجاورة تتنافس على جذب جمهور الدولة المجاورة" ووجد المنتجون الخاصون مصلحتهم في زيادة عدد حلقات المسلسل الواحد إلى ثلاثين حلقة تعرض يوميا طوال شهر، وقد شجع هذا التوجه وكالات الإعلان التجاري لتوفير مساحة أكبر لإعلاناتهم على شاشات التلفزيون. والى جانب البرامج الرمضانية الدينية والأخلاقية والتربوية والمسلسلات "الوقورة" دخلت الساحة البرامجية منذ بداية الثمانيات من القرن الماضي، نكهة الترفيه، فجاءت موجة "فوازير رمضان" التي بدأتها نيلي فقدمت أنجح مجموعة فوازير مع المخرج المرحوم فهمي عبد الحميد. ومع الفوازير دخل الرقص والموسيقى والغناء ضمن مكونات البرامج الرمضانية، ثم راجت موجة الكوميديا في برامج رمضان التي برعت فيها الإنتاجات المحلية الخليجية، فقدمت طوال سنوات -ولا زالت- مسلسلات كوميدية انتقادية محلية جريئة سياسيا واجتماعيا. ومنذ سنوات دخل الساحة التلفزيونية العربية منافس مؤثر وجذاب انتشر كالنار في هشيم البث التلفزيوني العربي، هو المسلسل التركي المدبلج إلى اللهجة السورية وتبعه مسلسلات من جنسيات مختلفة مدبلجة إلى اللهجات العراقية والمغربية والمصرية والخليجية، وأصبح لهذه المسلسلات "المنطقة" عربيا حضورا مزمنا على شاشاتنا يتابعه المتفرجون مبهورون بالعلاقات الاجتماعية والأسرية المنفلتة أحيانا والتي مما لا شك فيه سيكون لها تأثير سلبي مستقبلا على قيمنا الاجتماعية والمجتمعية. وفي زحمة التدفق البرامجي التلفزيوني قد ننسى الدور الكبير للإذاعات التي تحتفي برمضان منذ ما قبل ظهور التلفزيون.. وتقدم البرامج الخاصة ذات النكهة المميزة والمسلسلات التاريخية والدينية والاجتماعية بطريقة مميزة اعتمدت كثيرا على التراث العربي والإسلامي والتي كانت مسموعة كثيرا في رمضان وفي غير رمضان يوم كانت الإذاعة لا تسكت ولا تغيب ويظل صوتها مسموعا ليل نهار حتى بوجود التلفزيون الذي كان حضوره محدودا بعدد قليل من ساعات البث اليومي لا يزيد عن 6 ساعات. إن ذكرنا لإذاعات زمان لا يتعارض مع هيمنة الإعلام الفضائي الحالي الذي يتفاعل مع الأحداث ويواكب الوقائع سلبا أو إيجابا، وينقلها لنا، ولكن ألا يتأثر الإعلام المرئي في بنيته الداخلية من تقلبات الزمن الذي نعيشه، أعني هل ستكون نكهة البرامج التلفزيونية العربية لرمضان 2015 متأثرة، متوافقة، لنكهة الأحداث العربية العاصفة التي نراقبها عن بعد أو قرب؟