هناك عادة سيئة تلازم العديد من المسؤولين عن تنظيم الملتقيات الأدبية والعروض الفنية، تتمثل في عدم الانضباط للمواعيد التي يحددونها لانطلاق هذه الأنشطة. في أحيان عديدة، يتم تجاوز الموعد المحدد بأكثر من ساعة، وحين يتم الشروع في تفعيل النشاط الثقافي أو الفني المبرمج، لا يتم الاعتذار للجمهور عن التأخر، وكأن شيئا لم يحدث، وكأن ستين دقيقة أو أكثر لا تعني شيئا. هذا السلوك صار مألوفا، مع أنه سلوك شاذ وينم عن عدم احترام المتلقين، الذين منهم من يتجشم عناء التنقل من مكان بعيد، ويقوم بتأجيل مواعيده الشخصية ويتحرر من بعض الالتزامات الضرورية، وفي النهاية، يتم ضرب هذه الاعتبارات عرض الحائط من طرف المسؤولين عن تنظيم الملتقيات الثقافية والفنية، بدون أن يكون هناك مبرر معقول لتأخيرها عن مواعيدها. واقعة طريفة عايشتها مطلع هذا الأسبوع، كانت هناك ندوة فكرية حول موضوع هام، مبرمجة في الساعة الرابعة بعد الزوال تماما. عجلت بقضاء بعض الأشغال الشخصية؛ لأجل أن أكون في الموعد المسطر. في تمام الساعة الرابعة كنت أمام المركب الثقافي حيث ستقام الندوة، غير أنني لم أقصده؛ فمن شدة تعودي على إخلال المنظمين بمواعيدهم، استبعدت كثيرا أن تشرع الندوة في ذلك التوقيت بالذات، وبالتالي توجهت نحو مقهى توجد قبالة المركب، ولم أفاجأ حين وجدت المساهمين في الندوة يوجدون بهذه المقهى، عوض منصة القاعة التي من المفروض أن تجري فيها الندوة ابتداء من الساعة الرابعة. أتى النادل وصرفته دون أطلب شيئا، اعتقادا مني أن المساهمين في الندوة يوشكون على مغادرة المقهى لأجل الذهاب إلى المركب الثقافي والشروع في تفعيل الندوة الفكرية، غير أنه مرت ربع الساعة، دون أن يتزحزحوا من أماكنهم، بل كانت الجلسة قد حلت لبعضهم، في حين أنه في الطرف الآخر، داخل قاعة الندوات بالمركب الثقافي، كان هناك جمهور - بكل تأكيد- ينتظر وصول المشاركين في الندوة والشروع في تنشيطها. كنت بدوري قد طلبت مشروبا، وظللت جالسا أنتظر أن يغادروا أماكنهم ويلتحقوا بقاعة الندوات ويلعنوا الشيطان ويشرعوا في إلقاء عروضهم الفكرية، غير أنه كانت قد مرت نصف الساعة، وهم لا يزالون متشبثين بمقاعدهم، رغم أنهم كلهم كانوا حاضرين تقريبا: مسير الندوة، واثنان من المدعوين للمشاركة، ومجموعة من المهتمين بموضوع الندوة المطروح للنقاش، وكان هذا كافيا لكي يغادروا المقهى ويلتحقوا بقاعة الندوات، غير أنهم لم يكونوا قد قرروا ذلك بعد، كما أن رئيس الجمعية المسؤولة عن تنظيم الندوة، كان حاضرا بينهم، وكان ينتقل أحيانا بين المركب الثقافي والمقهى، وكان ينبغي عليه أن يحثهم على النهوض والالتحاق بقاعة الندوات، وهذه مسؤوليته، غير أنه لم يأبه لذلك، رغم أن الساعة كانت قد بلغت الخامسة مساء، وكان الموعد قد تم تجاوزه بستين دقيقة، ولو لم يبادر أحدهم إلى تنبيههم إلى ضرورة مغادرة المقهى والالتحاق بقاعة الندوات، لواصلوا جلوسهم حيث هم. وحين التحقوا بمنصة الندوات، كنا ننتظر من مسير الندوة أن يتقدم باعتذاره للجمهور عن التأخر، لكنه لم يفعل وانخرط في الحديث توا عن موضوع الندوة. لكن ما هو العذر الذي كان سيقدمه لو تجرأ على الاعتذار؟ كانوا في المقهى وكانوا يتناولون مشروبات حلال، وشغلهم الحديث في ما بينهم عن الحضور في الموعد المسطر للندوة؟ عيب.. عيب.. إنهم لا يريدون القطع مع هذا السلوك المتخلف، الذي يمعن في تحقير الجمهور. يحدث هذا ويتكرر في أغلب الأنشطة الثقافية والفنية: في الندوات، في القراءات الشعرية والقصصية، في المسرح، في العروض الغنائية، وحتى في حفلات افتتاح المعارض التشكيلية، ما أشبه هذا السلوك بالوباء. ولعل النشاط الوحيد الذي يتم الالتزام بتنظيمه في موعده المحدد، هو المباريات الرياضية. لربما ينبغي على المسؤولين عن تنظيم الملتقيات الثقافية والفنية -لأجل أن يكونوا صرحاء وصادقين- أن يسطروا في بطائق الدعوة برنامج أنشطتهم على النحو الآتي: يقام النشاط الفلاني مبدئيا في الساعة الرابعة أو السابعة مساء، لكن يمكن أن يتم تأخيره بحوالي ستين دقيقة أو أكثر، ولا تنتظروا منا أن نعتذر لكم عند الشروع في تنظيم النشاط في غير موعده المحدد، والدعوة عامة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته