الندوة الوطنية لوزارة العدل والحريات حول مسودة مشروع القانون الجنائي شكلت الندوة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل والحريات، يوم الاثنين الماضي بالرباط، حول مسودة مشروع القانون الجنائي، فرصة للنقاش تقابل فيها بشكل مباشر تياراين متعارضان، تيار يناصر الصيغة التي جاءت بها مسودة القانون بتنصيصه على عقوبات لتجريم الإفطار في رمضان، والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وازدراء الأديان، والإبقاء على عقوبة الإعدام، وتيار يوجه انتقادات شديدة للمسودة على أساس أنها تضمنت عقوبات تمس بالحريات والحقوق وتساهلت في مواجهة بعض الجرائم الخطيرة والتي لها وقع شديد على المجتمع من مثل بيع المخدرات وجريمة غسل الأموال، كما أنها أبقت على عقوبة الإعدام في تناقض مع ما تضمنه دستور 2011 الذي نص على الحق في الحياة وعلى ضمان الحريات الفردية والجماعية. النقاش احتد أحيانا كثيرة خلال الندوة بين التيارين ووصل إلى حد تبادل الاتهامات، بعضها وجه لوزير العدل والحريات بشأن الندوة واعتبر أن النقاش الذي تم إطلاقه خلال هذه الندوة "مغشوش وغير متوازن"، مستدلا في ذلك باستحواذ الوزير ومساعديه على أغلب الوقت المخصص للنقاش وتنصيب نفسه طرفا وحكما في ذات الوقت، خاصة وأنه حرص على ترأس الندوة وإدارتها، وإعطاء الكلمة بشكل متواتر لمناصري الصيغة التي جاءت بها مسودة القانون الجنائي. وتمحورت الانتقادات التي وجهت للمخالفين للصيغة التي جاءت بها المسودة في اتهامهم بمعارضة إسلامية الدولة، وتناقضهم في ما يخص الدعوة إلى إلغاء الإعدام مقابل ترافعهم لتنظيم الإجهاض و"شرعنة الانحلال الأخلاقي". الجدل حول الإعدام وتجريم التعذيب والاختفاء القسري احتد الجدل بين وزير العدل والحريات مصطفى الرميد الذي ترأس شخصيا الندوة الوطنية طيلة انعقادها، والحقوقيين ومناهضي عقوبة الإعدام. وأبرز الرميد في التوضيحات التي قدمها والتي كانت بمثابة ردود على مختلف الانتقادات والمؤاخذات بشأن مسودة القانون، أن الحصول على الإجماع بشأن هذه المسودة يبقى من المستحيل تحققه، معبرا عن رغبته مقابل ذلك في أن تحظى الوثيقة بالتفاف الأكثرية. وأكد فيما يخص عقوبة الإعدام قناعته بالإبقاء عليها، رابطا ذلك بقناعاته السياسية، وقال إنه تدخل لدى اللجنة التي اضطلعت بمهمة إعداد مسودة القانون الجنائي وحسم في تضمين عقوبة الإعدام وتنزيلها كلما تعلق الأمر بجرائم الدم"، مضيفا "هذه قناعاتي ولا يمكن أن تصادروها وانتظروا إجراء الانتخابات لتأتي نخبة سياسة تلغي الإعدام". وفي محاولة لتقديم المزيد من المبررات التي تدفع في اتجاه الإبقاء وعدم تصويت المغرب على التوصية الأممية القاضية بوقف تنفيذ الإعدام، ساق الرميد العديد من الأمثلة منها العمل الإرهابي الذي حدث في باكستان بحيث استهدف مدرسة وأودى بحياة أكثر من 140 طفلا، مما دفع هذا البلد إلى تعليق وقف تنفيذ الإعدام بعد أن كانت من الدول التي صوتت على التوصية الأممية. وقال الرميد "هذه قناعتي، حينما يكون الخطر جسيما والضحايا كثر، ويكون سبق الإصرار والترصد لا مانع لدي من أخذ الاحتياطات التي تضمن حقوق الدفاع لتفادي أي خطإ قد يسقط فيه القاضي، و الحكم بالإعدام". أما فيما يخص تجريم التعذيب، فقد أعلن الوزير أن جريمة التعذيب تم إدراجها في نص المسودة كما هي منصوص عليها حرفيا في نص الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وأن الوزارة اتبعت في ذلك توصية المقرر الخاص الأممي حول التعذيب وسوء المعاملة خوان مانديز. وأضاف الوزير أن تجريم الاختفاء القسري اتبع فيه نفس النهج حيث جاءت الصيغة ملاءمة لما هو منصوص عليه في الاتفاقية الدولية. وفيما يهم جريمة الإرهاب، أوضح المسؤول الحكومي أن المسودة ألغت الغرامات عن جرائم الإرهاب، مبررا ذلك بالقول أن "أشخاصا حوكموا في إطار جرائم الإرهاب، وحينما يغادرون السجن تبذل الدولة مجهودات كبرى لإدماجهم ليصبحوا صالحين ويشتغلون لفائدة وطنهم عوض أن يشتغلوا ضده، فلا يعقل أن تواجههم السلطات مرة أخرى وتلزمهم بأداء غرامات". وفيما يتعلق بتجريم الإفطار العلني في رمضان، برر الوزير المسألة بحماية الأمن العام والحيلولة دون وقوع مواجهات في الشارع لما يشكله ذلك السلوك من استفزاز، يقول المسؤول الحكومي، مبرزا أن تجريم الإفطار تضمنه القانون الجنائي المعمول به حاليا، وهو يساير النظام العام الأخلاقي داخل المجتمع، فيما اعتبر أن التنصيص على ازدراء الأديان جاء وفق ما تضمنته القوانين والاتفاقيات الدولية. ومن جانبه استغرب النقيب عبد الرحيم الجامعي منسق الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام استماتة وزير العدل والحريات في الدفاع على الإبقاء على الإعدام والتنصيص عليه في مسودة مشروع القانون الجنائي، قائلا "حينما كنا نترافع جميعا في ملفات أمام المحاكم كنت أشعر بأنك لم تكن تستسيغ مطالبة النيابة العامة بإنزال عقوبة الإعدام"، مؤكدا أن مسألة الإبقاء على الإعدام اختيار سياسي محض، وأن التنصيص على الإعدام في نص المسودة في عدد من الحالات تفوق 270 حالة، وليس في 11 حالة كما يروج له، يتناقض مع دستور 2011 والتزامات المغرب الدولية، بل يخالف التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي ترافع أمام مجلس النواب قبل أشهر ودعا إلى إلغاء الإعدام. أما عبد العلي حامي الدين القيادي بحزب العدالة والتنمية، فقد دافع على طرح الوزير في مسألة الإبقاء على عقوبة الإعدام، مقرنا الأمر بوجود نقاش عالمي حول الموضوع وعدم الحسم فيه ، قائلا" إن مسألة عقوبة الإعدام يوجد بشأنها نقاش عالمي بين القانونيين في مختلف دول العالم، بما فيها البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام والتي لم يلغى فيها النقاش"، مضيفا أن المدارس القانونية منقسمة إلى قسمين، حيث هناك من يطالب بالإلغاء التام وأخرى تطالب بالإبقاء على العقوبة في بعض الجرائم منها حتى الجرائم السياسية. واعتبر المتحدث أن المغرب حسم فيما يتعلق بإلغاء الإعدام حينما يرتبط الأمر بالصراعات ذات الطبيعة السياسية، وبشأن إلغاء الإعدام في المحاولة، معتبرا أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح حينما قلص من عدد الفصول التي تم فيها التنصيص على الإعدام إلى حدود 11 مادة، علما يشير حامي الدين أن إلغاء عقوبة الإعدام يثير نقاشا ذا طبيعة مجتمعية صرفة وأن الأغلبية حسب قوله ينادون بالإبقاء وليس من حق الحكومة إلغاء هذه العقوبة. وبدوره ساق حامي الدين جريمة الإرهاب كمثال لتبرير التنصيص على الإعدام، قائلا "في الجرائم الخطيرة، مثلا عملية تفجير قاعة تحتضن ندوة مثل هذه يثار فيها نقاش بشكل ديمقراطي، فهذه الجرائم البشعة الخطيرة ليس هناك أي عقوبة ملائمة لها من الناحية القانونية إلا عقوبة الإعدام في نظر مدارس قانونية محترمة جدا"، واقترح التنصيص على العدول عن الإعدام في حالة تنازل جميع أهل الضحايا مقابل حصولهم على مبلغ مالي معين وذلك استلهاما من الشريعة الإسلامية. انتقادات للحمولة الإيديولوجية التي صيغت بها مسودة القانون الجنائي والمس بالحريات الفردية سجل عدد من الحقوقيين والمحامين أن بعض المفاهيم التي جاءت بها مسودة القانون الجنائي منها ازدراء الأديان، والإساءة لله والرسل وزعزعة عقيدة المسلمين والإفطار في رمضان .. مسألة تطرح العلاقة الدين والقانون، كما تطرح العلاقة بين الدين والدولة، معتبرين أن الصيغة التي جاءت بها المسودة غير محايدة، وأن الحكومة حينما وضعت هذا القانون فهي وكأنها تقول أن الدين ضعيف. وأشار الأستاذ عبد الرحمان بودال في هذا الصدد إلى أن مقولة الدولة الإسلامية مغلوطة، فالمغرب يتبنى القانون الوضعي في تنظيم تشريعاته ومؤسساته، علما أن طبيعة الدين تختلف عن طبيعة الدولة، فالدولة "لا تصلي ولا تعبد ولا تصوم"، والدولة مؤسسات فيها صراع سياسي على مصالح وبين جماعات، يقول المتحدث. وحذر قائلا، "إن الذين يجروننا إلى هذه القضايا سيجروننا إلى حرب أهلية من مثل ما يقع في سوريا، والعراق والسودان وأفغانستان"، معلنا أن الحل الحاسم على هذا المستوى هي أن يتم اعتماد الفصل بين الدين والدولة. هذا وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام دحض المتحدث مبررات الإبقاء على العقوبة، وأورد في هذا الصدد حالات المغاربة الذين حكم عليهم بالإعدام في مرحلة سياسية معينة وبقوا على قيد الحياة لكونهم استفادوا من العفو بعد أن عاشوا خارج المغرب، ومنهم الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي الذي قاد حكومة التناوب. اتهامات بشأن الملاءمة الانتقائية مع المواثيق والاتفاقات الدولية ومطالب بشأن إطلاق حوار جماهيري حول المسودة اعتبر المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بأن مسودة القانون الجنائي تسمها الخلفية الإيديولوجية والسياسية بشكل واضح، مؤكدا أن مراجعة هذا القانون يجب أن تستحضر مبادئ التقدمية بأن تكون منفتحة على المستقبل في أفق بناء دولة الحق والقانون، وليس مراجعة سجينة لما هو ماضوي، وشدد في هذا الإطار على ضرورة صون الحرية التي تبقى جوهر الإنسان، منتقدا التضييق على الحريات كما جاء في المسودة تحت ذريعة محاربة الإرهاب، قائلا"نحن ضد الإرهاب ولكن مع حماية الحريات". ودعا المنتدى إلى تبني منهج يؤدي إلى مراجعة ديمقراطية للقانون الجنائي بأن يتم الأخذ بعين الاعتبار آراء الجميع برغم الاختلافات والتنوعات داخل المجتمع، وأن تراعي مبدأ الاستقلالية وأن لا تكون مراجعة متحكم فيها، فضلا على أن تكون هذه المراجعة جماهيرية بحيث تمتد إلى أبعد الجماهير وأساسا ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وأوضح في هذا الصدد على أن المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف كجمعية لضحايا الانتهاكات الجسيمة يرغب في النزول إلى المناطق التي عانت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لإشراك جماهيرها في النقاش الدائر حول نص مسودة القانون الجنائي، بحيث يشمل مناطق الريف، تنغير، إملشيل الراشيدية دمنات والمناطق الجنوبية. وأوصى المنتدى بأن يتم التركيز في نص المسودة على مبدأ الملاءمة مع المواثيق الدولية ومع ما جاء في الدستور على أساس أن لا تكون الملاءمة انتقائية، كما يجب الأخذ بما حملته توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بالتركيز على مسائل أساسية خاصة فيما يتعلق بعقوبة الإعدام التي ينبغي أن تعالج وفق مختلف الآليات التي سلف ذكرها، وكذا الأمر بالنسبة لتجريم التعذيب والاختفاء القسري بأن يكون التجريم واضحا ودقيقا. مفاهيم فضفاضة ومعاكسة للتوجهات الرسمية فيما يتعلق بما يمس بشخص الملك ومن جانب آخر اعتبر بعض المتابعين أن بعض المفاهيم الوارد في نص المسودة جاءت فضفاضة، كما هو الحال في المادة 179 المتعلق بمعاقبة مرتكب الإهانة في حق شخص الملك وولي العهد، ذلك أن مصطلح الإهانة جاء فضفاضا، ولم يحدد الفصل الوسائل التي يستشف منها الإهانة، مبرزين أن معاقبة مرتكب الإهانة في حق الملك وولي العهد، جاء مخالفا ومبتعدا عما أوصى به الملك حينما، وكما جاء في تصريح سابق لوزير العدل والحريات، أمر بتجنب متابعة من تحدث عنه بسوء لكون "الملك لا يريد أن يقمع المغاربة ولكنه يريد أن يحترموه". وفي توضيحه لهذا الجانب قال وزير العدل أن الفصل المتعلق بمعاقبة مرتكب الإهانة الموجهة لشخص الملك وولي العهد موجود في القانون الجنائي الحالي وهو ما تم اعتماده في المسودة الجديدة، مشيرا أن التوجيه الملكي الوارد في التصريح جاء لسمو الأخلاق الملكية وأن ذلك لا يجب أن يدفع المشرع لاستغلال الفرصة وإلغاء هذا الفصل، وإنما يجب إقراره، لأنه حتى لو افترضنا جدلا أن الأمر يتعلق بشخص عادي فمن حقه أن يتقاضى إذا تعرض للإهانة، وقال الرميد "إن إزالة هذا النص يعد سقطة كبيرة لا تليق بمشروع القانون الجنائي". ومن جانب آخر ثمنت بعض التدخلات ما جاءت به المسودة حيث أن منظومة الجرائم لم تبق على حالها، إذ حملت المسودة مجموعة من المستجدات من بينها أنه لأول مرة تم التطرق في نص تشريعي زجري مغربي للعقوبات البديلة ولمعاقبة التمييز والكراهية، كما تم الانفتاح على تجريم مجموعة من الجرائم التي تدخل في اختصاص محكمة العدل الدولية بروما، من قبيل الاختفاء القسري وإدراج بعض الجرائم الأخرى كالاتجار في الأعضاء البشرية والاتجار في البشر وتجريم التحرش الجنسي في الفضاء العمومي، بالإضافة إلى ازدراء الأديان. إلا أنه في المقابل سجلوا تساهل المشروع في مواجهة والتصدي لبعض الجرائم التي لها وقع شديد على المجتمع والرأي العام، وتشدده في أخرى أقل وقعا، مشيرين أن بعض الجرائم بقيت منظومة العقاب فيها على حالها في مسودة القانون الجنائي الحالي، وأوردوا في هذا الإطار حالة إلقاء القبض على سارق في حافلة عمومية والتي يعاقب فيها بعقوبة حبسية سجنية قد تصل إلى 30 سنة كما ورد في الفصل 508، في حين أن عقوبة تصدير المخدرات، في أقصى حدودها لا تتجاوز عشر سنوات، ويمكن أن تنزل إلى 5 سنوات مع ظروف التخفيف كما هو مسطر في الفصل 440/4، وكذلك الأمر فيما يتعلق بجريمة غسل الأموال فيما يخص الأشخاص الذاتيين والتي لا يمكن أن تتعدى العقوبة فيها خمس سنوات حبسا الفصل 547 /3. ومن جانب آخر اقترح مصطفى الفراخي ممثل عن مندوبية إدارة السجون، أن يتم صياغة نفس الإجراء المتعلق بإيقاف العقوبات السالبة للحرية في حق المتابع في حالة سراح والذي يعاني من مرض مستعص، بالنسبة للمعتقل الذي يقضي عقوبة سالبة للحرية إما في إطار الاعتقال الاحتياطي أو في إطار تنفيذ العقوبة ويعاني من مرض مستعص، حيث أشار إلى تسجيل عدة حالات في هذا الصدد أدت إلى وفيات كان بالإمكان ألا تقع داخل السجون، كما يقول المتحدث. توضيحات قدمها رئيس لجنة صياغة مسودة القانون الجنائي، محمد عبد النباوي قال محمد مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات، عبد النباوي، رئيس اللجنة التي اضطلعت بمهمة وضع هذه المسودة، "إن عمل اللجنة امتد على مدى شهرين"، مؤكدا في توضيحه للكثير من العناصر التي ترتبط بمسودة مشروع القانون الجنائي، على أن المسودة مازالت مفتوحة لتجويدها وتنقيحها. وأقر بوجود أخطاء فيها، حينما قال "إن الندوة أتاحت لنا الفرصة لنلتفت لبعض الأخطاء التي وردت في مسودة المشروع، فنحن نبحث لوضع نصوص تكون قد هيأت لها الأرضية". وأوضح فيما يتعلق بالمرجعيات التي استندت عليها اللجنة لصياغة مواد المسودة، على أن اللجنة أوفت لكل المرجعيات التي ترتبط بالقوانين والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والدستور وكذا توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، مسجلا فيما يخص عقوبة الإعدام على أنه تم تنزيلها في جرائم الدم أي القتل أو الاعتداء على الحياة سواء في إطار جرائم الإرهاب أو جرائم ضد الإنسانية.