اختتم الاتحاد المغربي للشغل مؤتمره الوطني الحادي عشر بالدار البيضاء، والذي التأم ضمن احتفالات المركزية النقابية بعامها الستين، وشهد افتتاح المؤتمر حضورا سياسيا ومجتمعيا حاشدا جسد معظم مكونات المشهد الوطني، بالإضافة إلى وفود أجنبية. اللحظة لا تعني فقط مناضلات ومناضلي الاتحاد المغربي للشغل، ولا تهم النقابيين وحدهم، وإنما هي مناسبة لتأمل الواقع النقابي في بلادنا، وطرح الأسئلة الجوهرية ذات الصلة في علاقتها بالمجتمع وبمختلف ديناميات الإصلاح والتأهيل والبناء الديمقراطي والتنموي. من المؤكد أن مركزية نقابية كبيرة وعتيدة مثل الاتحاد المغربي للشغل لن تخلو حياتها الداخلية والتنظيمية من مشاكل واختلالات، والمؤتمر يعتبر الفضاء المناسب لدراستها وبلورة حلول لها، لكنها تبقى قضايا تعني مناضلات ومناضلي الاتحاد المغربي للشغل أولا وأخيرا، وفي المقابل للمركزية، كما لنقابات وطنية أخرى، مسؤولية وطنية كبرى تجاه الدينامية النضالية والتنموية لبلادنا وشعبنا. اليوم، إصلاحات مركزية مطروحة على بلادنا، على غرار إصلاح أنظمة التقاعد ومنظومة المقاصة والإصلاح الضريبي والنهوض بالقدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، والإصلاح الجدري للتعليم والإدارة، وتطوير مقدرات البلاد لإنتاج الثروة وتوزيعها، وتوفير فرص الشغل، وأيضا لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتقوية التنافسية الاقتصادية لبلادنا، وتشجيع الرأسمال الوطني، ومحاربة الريع والفساد في مختلف مناحي المجتمع، وتمتين مرتكزات دولة القانون في المجال السياسي وفي المجال الاقتصادي، وهذه كلها أوراش لا يمكن أن تنجح بدون انخراط المركزيات النقابية الوطنية الحقيقية، وبدون إسهامها في إنضاج المواقف والأفكار وبلورة الحلول والتوافق حولها. إن الاتحاد المغربي للشغل، كنقابة جماهيرية عتيدة وكبيرة، هو الأقدر اليوم على قيادة هذه الدينامية النقابية الجديدة، وتقوية السير نحو الوحدة النقابية وفق هذا الأساس الوطني الواعي والمنتبه، وأيضا من أجل تعزيز جبهة النضال الاجتماعي للدفاع عن الإصلاح. النقابة مطالبة بالتعبير عن نبض العمال والموظفين وعموم الأجراء والدفاع عنهم، وهذا هو دورها الطبيعي والكوني، ولكنها أيضا مدعوة لتكون قوة اقتراح وتفكير تعمل من أجل فتح الآفاق أمام شعبنا، وأن تتمثل هي ذاتها الإصلاح وتعتبره مسؤوليتها... المسألة النقابية تطرح اليوم في بلادنا من خلال ضرورة صياغة هوية نضالية جديدة للنقابات الحقيقية، وذلك بما يمكنها من تقوية فعلها في الميدان وأيضا قيادة دينامية الإصلاح، وتطرح أيضا من خلال بلورة أشكال ناجعة ومنتجة للوحدة النقابية بلا أي تدجين سياسي أو خطابات شعبوية تابعة، ثم تطرح كذلك من خلال توسيع دائرة التنقيب وسط الأجراء، وتعزيز التنظيم والوحدة داخل النقابات نفسها، علاوة على أهمية التأطير القانوني لعمل النقابات ولعلاقاتها ضمن فضاء الشغل ومع أرباب العمل والحكومة... إن أهمية إنجاح ورش تأهيل الفعل النقابي ببلادنا تكمن في الوعي بأهمية المسألة الاجتماعية ككل، وأيضا أهمية إنجاح الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في مغرب اليوم. هنا للاتحاد المغربي للشغل الدور الأساسي للنهوض بكامل هذه الدينامية والسير بها إلى الأمام، إلى جانب حلفائه الحقيقيين في المشهد السياسي الوطني.