فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    توقيف شخص بتهمة الوشاية الكاذبة حول جريمة قتل وهمية    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بانتصار دراماتيكي على ريال مدريد    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    مراكش… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بإلحاق خسارة مادية بممتلكات خاصة وحيازة سلاح أبيض في ظروف تشكل خطرا على المواطنين.    بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    الرصاص يلعلع في مخيمات تندوف    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم العالمي للشعر
نشر في بيان اليوم يوم 20 - 03 - 2015


أمجد مجدوب رشيد*
جمهور الشعر بالمغرب صغير
ينص السؤال حول واقع الشعر المغربي المعاصر على القراءة الخاصة. والقراءة وعي جمالي، وإدراك لسياقات التجربة الشعرية المغربية..والوقوف عند اتجاهاتها الفنية والمعنوية.. وتعثراتها.. وحدود التحديث والحداثة.. ومكانة ووضع المتلقي لشعرنا المغربي المعاصر..وتداول النص الشعري.. ثم إشكال السياسي والثقافي والشعر من أوثق تجليات الثقافة. ودون أن نغفل صلاتنا بالشعر العالمي وآفاق التجربة الشعرية في بعدها الكوني..هذه تفريعات أو أبواب قراءتنا /تأملنا التي ستكون محطات ورقتنا هذه.
القراءة وعي جمالي تتخلق الرؤى في الزمن، كل تلق يعد بناء وهدما وتصحيحا لا يمكن الإقصاح عن حدود الموقف من الشعرية المغربية المعاصرة في راهنيتها وأبعادها دون تحديد مفهوم النص الشعري ..لأن كل قراءة هي موقف، ينضبط بشكل ضروري لمواصفات النص كما بلورتها القراءات ولحظات التلقي ..قد يخضع المفهوم إلى مراجعة في إطار التحولات الجمالية، لكن وفي نظري / وها اشتباكي في الإعلان عن رؤية خاصة يحافظ المفهوم مفهوم الشعر عن نواته الصلبة.النص الشعري / القصيدة ..تكوين لغوي يهدف إلى تحقيق متعة جمالية / الجمالي لا ينفصل عن الفكري والرؤيوي. تنصهر فيه الفكرة واللغة والصورة والعاطفة والإيقاع لتتخذ لها لبوسا يتجلى في الرؤيا ...باعتبارها الجامع التكويني المدمج لعمليات الخلق الفني والتي لاتنجز، بأي حال من الأحوال بالقصد والترقب، إلا كبرق وكانخطاف.
سياقات التجربة الشعرية المغربية من مرحلة التأثر إلى مرحلة الإنجاز مرورا بمراحل التبلور، لقد شب الشعر المغربي عن الطوق واستوت سوقه وتهدلت قطوفه. لقد صار للشعر المغربي كيان باسق، ومنجز ثري، ثري بالتنوع في الحساسيات والأنماط والأساليب، وتخلص من سجن الرؤية الواحدة في الكتابة، تلك التي أرادت أن ترهن الشعر المغربي وتنأى به عن الأبعاد الإنسانية والجمالية، فتجعله جسرا تعبره كتائب تقاتل به ولا تقاتل عنه. وتثرى الساحة الشعرية المغربية اليوم بعدد وافر من الأصوات الشعرية الجديدة، التي تحتاج إلى الإنصات لها ومواكبة تجاربها.
اتجاهات الشعر المغربي المعاصر الفنية والمعنوية
سنلخص هذه الاتجاهات في العناصر التالية: تعايش الأنماط الشعرية :العمودي والتفعيلي وقصيدة النثر. تلوُّن المنجز النصي بأبعاد محلية ومكانية. توسع حضور الصوت الشعري النسائي كميا ونوعيا. المضي بعيدا في اشتراطات التحديث والحداثة. تداخل الأجيال والحساسيات الشعرية. رسوخ التجربة الزجلية المغربية. انفتاح الشعر المغربي المعاصر على الأبعاد الكونية.بروز تجمعات شعرية ونقدية تحمل رؤى مغايرة. هذا فيض من غيض.
تداول النص الشعريجمهور الشعر بالمغرب صغير، بسبب عوامل منها: إفساد الإعلام الرسمي لذوق المواطن .. فقد قدم التلفزيون المغربي غرائب الموضوعات ولم يستهدف بناء المتلقي. وحبذا لو كف عن الفعل وفقط، بل قام بإفساد ذوق الناس المتلقي ينشأ من خلال مشروع ثقافي مجتمعي، لنرى المواطن المغربي يقرأ الشعر ويقبل على اقتناء الإصدارات الشعرية ويحضر الأمسيات وحفلات التوقيع ...على المجتمع والمدرسة والإعلام الاشتراك في صياغة تصور التنشئة الأساسية للمتلقي. فالشعر المغربي إنتاج يحتاج إلى القارئ ..لأن الإبداع الشعري يتخلق ويصهر في وجدان الشاعر وسعادة الشاعر في تلك اللحظة من التلقي المضيئة. أسعد حين يتذوق متلق ما نصا شعريا لي ..والشطط في الهواجس والرؤى والغموض أقصى من الجمهور الصغير أصلا عددا من أفراده..على الشعر المغربي المعاصر أن يفكر في القارئ لأنه به يحيا ..وعلى الشعراء العمل على توسيع قاعدة القراء للشعر.. لقد لفت انتباهي تجربة الشاعر السوري سليمان العيسى في الكتابة القصصية للأطفال والتي يدمج فيها نصوصا شعرية تناسب الإدراكات الجمالية للطفولة. وطبقت الاختيار ذاته في «حكاية قطرة الماء» فأوردت نصا شعريا كالأنشودة ...وذيلت الكتاب الموجه للطفل بتمرين في قراءة الأنشودة ليدرك أهمية التنوين والمدود ودورهما، بطريقة مبسطة جدا، في الإيقاع والإنشاد. ومعضلة المعضلات وضع النص الشعري بالكتاب المدرسي، فسرعة إنجاز الكتب ضمن المخطط الاستعجالي الذي أهدر الأموال بدون جدوى .. فمتأمل هذه النصوص يخلص إلى كونها تنشئ في حالة وجدت المدرس صاحب الكفايات الديداكتيكية متلقيا معطوبا ومشوها، يعرف النص الشعري العمودي ويقدسه! الحداثة من المدرسة تبدأ...وفيها يتم وأدها.
إشكال السياسي والثقافي للأسف مازال هذا الاشتباك المغرض والتوظيفي والإقصائي. مغرض لأنه يرى في الشعر وسيلة للاسترزاق والظهور وتوظيفي لأن لأن الشعر يستعمل كبطاقة لولوج فضاءات. الضوء .. وإقصائي لأنه غير ديموقراطي وغير حداثي ولا يؤمن بالاختلاف ..وهو في كل ذلك (شللي /جماعات وأصحاب) وحيثيات حجب الجائزة كافية كدليل. ابتلي الشعر المغربي بوجود جهلة في كثير من مراكز القرار، وللأسف هم من وكلوا برسم وجه الحياة الثقافية.. والجهل عماء: لقد قيل :كل يقرب النار إلى قرصه.! ما العمل؟ تصحيح أعطاب الحياة الثقافية يبدأ من الاقتناع أن الشعر المغربي سيحيا بالإنصاف ..وتعدد الأصوات وبالممارسة النزيهة وبالنقد المواكب الموضوعي ...وبالقراءة بحيث وفي كل مكان يتم فتح فضاءات القراءة. وبناء مشروع ثقافي جمالي إعلامي ومدرسي يعلي من ثقافة التعرف على ثراء منجزنا الشعري.
*شاعر
***
عبد السلام مصباح*
إلى كل الشعراء في يومهم المطروز بفصول المحبة
يمثل اليوم العالمي للشعر بالنسبة لي، حالة استثنائية، إذ ارتبط بعيد ميلادي، لذا فأنا اليوم أحتفي بعيدين: اليوم العالمي للشعر وعيد ميلادي، فإلى كل عشاق الحاء من شعراء وغاوين.. أقول: جُمُوعَ الأَحِبَّه،أَتَيْنَا...لنوقدَ شمعَ المحبَّهعَلَى ثَغْرِنَا أَلْفُ غِنْوَهوَفِي كَفِّنَا أَلْفُ وَرْدَههَدَايَاعَطَايَا..وَفِي حَرْفِنَا يُورِقُ النُّورُوَالْحُبُّوَالْحُلْمُ..لِلْحَامِلِينَ الْجُنُونَوَلِلْعَاشِقِينَ حُقُولَ الْغِوَايَه وأغتنمها مناسبة لأنثر بعض آرائي اتجاه الشعر والشعراء، والتي قد تغضب البعض، خصوصا دعاة موت الشعر، وانحساره، وأصبح السرد سيد الساحة...لهؤلاء أقول: لاوألف : لاوملايين : لاالشعر بخير بخير...لأنه توأم الحب والجمال والفرح
والشعر بخير ما دامتِ الشمس تشرق صباحا مسكونةً بالحياة، وما دام القمر يظلِّلُ العشاقَ بأجنحته القزحية، والعزف على قيثارات الفرح ما زال يطرب..وما دامت العصافير تلقي أشعارها في الزمن الفسيح، وتُرسل أُغنياتها الجميلة عبر سماوات البهاء لِتغمسَ قلوبَنا في نهر الدهشة والإبهار الشعر بخير...ما دامت تسقيه قطرات الدم الجُلنَّاريَّة، وما دام الورد الأحمر كامن في حقول القلب، وما دامت تحميه حروف اليد، و دامت تلاحقه القصائد المتشحة بنبل المحبة.. الشعر بخير...ما دامت هناك قلوب تتدفق بالمشاعر الرقيقة والأحاسيس النبيلة.. الشعر بخير ما ابتعدت عنه الظواهر الشعرية المتطفلة والطفيلية التي تشجعها بعض المنابر، وبعض المؤسسات.. الشعر بخير ما ابتعدت عنه الميلشيات واللوبيات..
الشعر بخير...وزمن الانترنيت والعولمة والأسمنت لا يخيف الشعر الأصيل، الشعر أقوى من أن تهزمه مناورات العولمة، وأعرق من أن تحميه أزرار الانترنيت، جنونه الآن يرقص فوق شاشاتها بكل كبرياء الشعر في زمن العولمة فراشة قزحية، توزع الرحيق والألوان، توزع الحب والدف...والقصيدة زرقاء كالماء، فكيف، إذن، تستمر الحياة دون ماء؟ القصيدة سمراء كالرمل، فهل أنتم مستعدون للاستغناء عن الرمل، القصيدة عارية كالهواء، هيا حاولوا أن تقتلوا الهواء..
الشعر حقيقة إنسانية منذ القدم، ولا يمكن أن يقتلها الأسمنت ولا البرق ولا ...السرديات، والشاعر ينبغي أن يجدِّدَ نفسه باستمرار، وأن يُعرِّفَ بها باستمرار في علاقتها مع المادة التي يشتغل عليها، والمحيط الذي يعيش فيه.
الشعر انسجام، وطبيعتنا أن نتذوق الانسجام، لذا فالشعر لن يموت، وسيبقى متربعا في شموخ وإباء على عرش اللغة التعبيرية، شاء من شاء وأبى من أبى، رغم أن جمهوره يزداد تقلصا، بينما جمهور السرديات يزداد توسعا...لكن لا خوف على الشعر...لأنه يتطور، يتجدد الشعر أسمى من أن يُقتل، لأنه كامن في وجدان كل إنسان، وكل القيم الجميلة تنصهر فيه...وسيظل متحركا وفاعلا ومتطورا ومتجدِّدا...ويفاجئنا دائما بألقه العَسجدي، وبشغبه الساحر، وبرقراقه المُموسق، والمفتون بالانطلاق إلى حيث الحاء تتوهَّجُ تحت قباب الروح وتفيض بينابيع لا تنضب الشعر بخير لأنه يؤثث قلوب مريده شوقًا وولهَا وبهاء، وبعطر الفرح، ويزيدها حبًّا بسحره المبهر العجيب..أيها الغاوون المدمنون على القصيدة، الموغلون في حاءاتها ثمة شمس في الأفق تُدوزن تفاعيله، وتُموسٍقها بإشراقاته وألقه وشغبه الجميل..
الشعر بخير ما دام يضيء الدنيا بآلاف الشموع الباهرت
الشعر بخير ما دام يمنح الكون كينونته فطوبى لكم أيها المشاكسون وطوبي لكم أيها الغاوون.
*شاعر
***
محمد ميلود غرافي*
لا بد من التراكم الشعري بجميله ورديئه لفرز قصيدة نوعية
أعتقد أن ما يروج هذه الأيام عقب الحجب اللامعقول لجائزة الشعر بأن الشعر المغربي في مأزق إبداعي وجمالي وأن القصيدة المغربية لم تكتب بعد وأن الأصوات الشعرية الجديدة هي أصوات "متشاعرة"، هي أحكام جائرة في حق تاريخ الشعر المغربي الذي راكم منذ أكثر من نصف قرن تجارب متنوعة لا يمكن الاستهانة بها.
لا شك أن أصحاب هذه الأحكام هم ممن ظلت ذائقتهم في قراءة الشعر العربي أسيرة نمط شعري واحد في خضم هذا التراكم أو لم يطلعوا ولا يريدون بحكم هذا الأسْر أن يطلعوا على كل ما يكتب الآن في خارطة الشعر المغربي ورقيا وإلكترونيا. إنهم بكل بساطة يرفضون كل ما يشكل قطيعة مع الماضي، القريب منه أو البعيد.
أن تكون هناك قطيعة مع القصيدة التي كان وما زال يكتبها بعض شعراء الأجيال السابقة، مهما كانت طبيعة هذه القطيعة، لا يعني أن الشعر المغربي في مأزق ولا في ضعف أو قصور. بل إن أشكال القطيعة تلك وضع صحيّ ينمّ على أنه لا يمكن أن نكتب شعرا كما كان يكتبه الأولون ولا حتى رواد القصيدة المغربية حديثا. هذا أمر بديهي جدا. لكن الذي ليس بديهيا في الثقافة العربية بشكل عام هو مسألة التحول والتجديد والقطيعة. تاريخنا السياسي والثقافي بشكل عام هو تاريخ الثبات ومراوحة المكان والاستكانة إلى أنماط تفكير لا تقبل النقد. فما أن يبزغ شعاع من التجديد لكسر المتعارف عليه أو فقط لتجاوزه إلى شكل آخر حتى تقوم القيامة ونجد أنفسنا في مواجهة تيار التقليد بكل ثقله الإيديولوجي والثقافي.
يحدث هذا في الفكر طبعا وينعكس بديهيا على الشعر. فبعد قرون طويلة من قصيدة الشكل العمودي كان صعبا على شعراء الأربعينيات في مصر والعراق أن يفرضوا أنفسهم من داخل ما كانوا يلتمسونه من أفق مغاير للقصيدة العربية وطريقا آخر في الكتابة الشعرية. وقد أخذت قصيدة التفعيلة وقتا طويلا قبل أن تفرض نفسها في ساحة الشعر العربي وتساهم بالتالي في تغيير ذائقة القارئ العربي من شكل القصيدة العمودية إلى شكل قصيدة التفعيلة.
ما يحدث الآن في الشعر العربي عامة والمغربي خاصة هو أن تصورا آخر للقصيدة بدأ يشق طريقه منذ التسعينيات لدى العديد من الأصوات الشعرية الجديدة، ساهم فيه لا شك انفتاح الشعراء المغاربة واطلاعهم على منجزات القصيدة خارج العالم العربي. ولا أنكر، أنا الذي بدأت تفعيليا وما زلت أمارس قصيدة التفعيلة كلما أحسست بالحاجة إلى ذلك، أن في هذا التحول الشعري الذي يسميه بعض النقاد المغاربة بالحساسية الجديدة أفقا متميزا للشعر المغربي. سواء كانت هذه الحساسية تخص شعراء ما يسمى بقصيدة النثر أو الشعراء الذين طوروا أساليب الكتابة من داخل قصيدة التفعيلة ذاتها. في الوقت ذاته يظل هذا التصور لدى العديد من هذه الأصوات ضبابيا وغير ذي مرجعية معرفية وجمالية كافية في مسألة تحولات القصيدة في الشعر الغربي التي تحاول بعض الأصوات اقتفاء أثره. ولعل هذا التصور الضبابي، بل الخاطئ أحيانا، هو ما أفرز ويفرز لدى العديد من هذه الأصوات نصوصا أقرب إلى الخاطرة منها إلى الشعر وأسقط بعض الشعراء "الرواد" الذين أرادوا تجاوز أنفسهم وتجاربهم السبعينية في التكلف ورصّ الكلمات بعضها إلى بعض عن طريق معجم لغوي هجين يجمع بين نوقِ المعلقات وطائرة الإيربيس. ولعل هذا التصور أيضا هو ما يؤدي كثيرا إلى استسهال الكتابة الشعرية ونفور القارئ العربي من الشعر. لكن كل هذا الخلط وكل هذه الضبابية وكل تصور لم ينضج بعد يدخل في منطق الصيرورة والتحول، إذ لا بد من كل هذا التراكم الشعري بجميله ورديئه، بقوته وضعفه كي يُفرز هذا الكمّ كلُّه قصيدةً نوعيةً.
أما عن علاقة الشعر المغربي الحديث بمحيطه، فإني أسجل بارتياح أن القصيدة المغربية المعاصرة بشكل عام أعادتنا بشكل أو بآخر إلى حقيقة وجوهر الشعر، لأنها أخرجت القصيدة من أسر الإيديولوجيا والخطاب السياسي اللذين شكلا ميزة أساسية للشعر المغربي من الستينيات إلى الثمانينيات. ورغم أن هذا التغير مردُّه إلى انحسار اليسار المغربي وفشله السياسي وانعدام أفق الرؤى اجتماعيا وسياسيا واتساع رقعة الصراع خارج ما هو وطني نتيجة العولمة، وبالتالي الانحياز إلى الفردانية بدل الروح الجماعية، فإن النصوص التي نتجت عن هذه العوامل كلها أعادت القصيدة العربية والأمازيغية وقصيدة العامية إلى منطقة الشعر، لأن الشعر في آخر المطاف من الشعور والشعور ابن الذات أولا قبل أن يكون جماعيا. وأحب أن أستحضر هنا إلحاح شاعر مغربي كبير مثل محمد علي الرباوي في كل حواراته على أن الشعر نوع من "السيرة الذاتية". من هذه الزاوية فالقصيدة المغربية الآن والعربية بشكل عام بدأت تأخذ على عاتقها أشكال التعبير الذاتي والوجداني عن علاقة الفرد/ الشاعر باليومي وتفاصيله. لذلك ستكون أكثر اقترابا من منطقة الشعر إذا هي تخلصت من الإيديولوجي والأخلاقي والسياسي المباشر والطابع الرومانسي وروح الخاطرة. هذا لا يعني أن القصيدة تلك هي في معزل عن محيطها، بل هي أكثر التصاقا به وأكثر تنديدا ببشاعته، لأنها نابعة من شعور ذاتي، شريطة أن يعرف الشاعر كيف يحول ذلك الشعور الذاتي إلى حس جماعي وإلى مرآة يرى فيها القارئ نفسه وتجربته وآلامه.
*شاعر
****
محمد عزيز بنسعد*
حفاظا على ماء وجه القصيدة
المشهد الشعري / الزجلي المغربي غني بغنى أحزمته
اللغوية .. وقد يشمس على الوافدين إليه ترسيم حدود الجهويات المتقدمة بأسمائها وتجاربها التي راهنت على التميز... فكان لها ما أرادت وما ابتغته لنفسها. نعم هناك أسماء تمتلك القدرة على التجاوز .. ساهمت فعليا في تشكل ملامح ظهور قصيدة زجلية حداثية تمثلنا من حيث تنوع الرؤى والمضامين ونمثلها من حيث سعة الخيال وآليات الاشتغال .. الأمر الذي أفرز لنا أجيالا من التجارب أنْحَازُ منها إلى الجيل التسعيني لقدرته على الإضافة النوعية بضخ دماء جديدة في شرايين القصيدة الزجلية، يجدر بالحداثة اليوم أن تقر بقدرة هذا الجيل على إحداث تحولات في مفهوم خلخلة الثوابت إلى درجة تجريم فعل تأليه الأصنامات والأزلام الزجلية. هذا فضلا عن الجيل الذي سيليه وبرزت فيه أسماء عدة لازالت تؤثث مشهد لغتنا المحكية. إنها ساحة غنية بالمبدعين والتجارب الخلاقة بالرغم من الغياب المفتعل والغير مبرر للجهات الوصية. الأمر الذي يستدعي قراءة سوسيو ثقافية، ونفسية وتاريخية معمقة لهذا الوضع الذي أضحى مزمنا، والذي أعتقد بأنه آن الأوان لتجاوزه. أرى أن المتن الشعري / الزجلي يمرّ اليوم بمخاض عسير، ومردّ ذلك إلى الأفكار والنظريات والآراء ورياح العولمة والتغيير التي اجتاحت سماء الإبداع الشعري عموما، وبالتالي أرخت بظلالها وأمطرت بزخاتها على شساعة الحقل الزجلي برمته، مسّت جذوره الضاربة في عمق تراب المبنى وسمك ترسبات المعنى. فمن محاولات طمس معالم قياسات الملحون والإجهاز على هدم وحدة بيته ( غطا وفراش ) إلى محاولات الإجهاز على (رباعيات) المجدوب، مرورا بإسكات المتن العيطي (حبّة حبّة) في سائر ربوع مملكة الشعر، بدأت محاولات
الشعراء في الاتجاه نحو ترسيم خارطة طريق من السجيّة ) الى ( لكريحة) )
إلى باحة ( لقصيدة ) وصولا إلى ( الومضة ) ثم إلى (الشذرة) وها نحن في حضرة ( الهايكو) وتسميات أخر. لم تستطع القصيدة الزجلية أن تواكب الإيقاع السريع في سباق الماراطون الشعري البديع وتحقق ما فرضته عليها الحداثة والتحديث من تطورات جديدة، وما تزال الكوكبة الشعرية مجتمعة تتصارع فيما بينها بسبب جملة من العوامل الموضوعية والذاتية. إن النقد الآن في موقف لا يحسد عليه وذلك بسبب هذا التراكم من النصوص التي تسمى زجلاً، فهناك من يعتقد أن أية خربشة يكتبها على بياض الورق بلسان دارج مغربي يمكن أن يطلق عليها تسمية (قصيدة زجلية)، قس على ذلك هامش البوح الكبير الذي تكفله مواقع التواصل الاجتماعي وتكالب بعض المتشاعرين إذ يكفيهم اخذ صور وهم بكامل أناقتهم بجانب الشعراء وهذا يكفيهم أو يشفع لهم على الأقل بغزو أقبية الصالونات وأسرة المهرجانات. بئس النصوص المفتوحة على مصراعيها ولمن هب ودب. والأمثلة على ذلك كثيرة. وهذه مسألة لا أريد الخوض فيها لأن مزبلة التاريخ حتما ستعفينا من هذه الذوات المريضة بداء فقدان الإمتاع والإبداع، فالزمن كفيل بتجاوز هذه الأسماء المتنطعة التي احتلت ساحات وميادين الشعر بالبلطجة بالسخرة وبالمناولة أيضا. نحن اليوم في حاجة إلى نقد ينهض بالنقد قبل الشعر، و يخرج بهما من الرتابة والضبابية إلى مراتع النور، فناقد بدون زاد معرفي، وبدون خرائط لغوية، حتما سيتيه في أدغال ومنزلقات بيت القصيد. إننا في أمس الحاجة إلى إعتقاء النصوص الشعرية من البوار والتصحر فهم من يستطيع إقامة جسور من المحبة والتواصل من اجل التلذذ بمتعة النص، من أجل القبض على جمر الدوّال والمقاصد وهذه البغية هي التي تغري القارئ والناقد والباحث على السواء. كان بإمكان هذه المؤسسات أن تحمي وعينا الجمعي وتصون ذاكرتنا الشعبية وترمم معالم هويتنا الضائعة ، بدل تَطاوُسِ القيمين عليها وحرصهم على نشر بذور التفسخ والانحلال إلى درجة العهر والقوادة.
ستظل أياديهم ملطخة بمداد مكابدتنا، وبحبر أحلامنا المرجأة إلى حين إجلائهم من دائرة مراكز القرار. عاش الإبداع حرا..بدون وساطة ولا إكراميات..بدون إملاءات فوقية كانت أو تحتية.. بدون ولاءات أو تنازلات، حفاظا على ماء وجه القصيدة.
*زجال
***
فاطمة بوهراكة*
علينا أن نصالح المجتمع مع الشعر
الشعر متنفس الحياة وهو بمثابة الصمام الراقي والبهي للإنسان، لكن البعض جعله مجرد ذكرى نحتفل بها سنويا من خلال اليوم العالمي للشعر يوم 21 مارس. وحسب اعتقادي أن الحركة الشعرية المغربية مثقلة بالتجارب المختلفة حسب اختلاف المدارس التي نهل منها كل شاعر.
بالإضافة إلى وجود أصوات شعرية مهمة سواء من الرواد أو الشعراء الشباب . لكن ما يعاب على المبدع الشاعر المغربي هو عدم تفاعله بشكل كبير مع القضايا الوطنية وأيضا العربية - اللهم بعض المحاولات التي تتحدث عن القصية الفلسطينية - مجمل الشعر المغربي ينصهر في الذات الشاعرة التي تقتصر على لغة الحب تارة ولغة الحزن واليأس تارات أخرى، كأنها تعبر عن رفض أو تهميش هذا الشعر داخل المجتمع الذي أصبح مجتمعا ماديا بامتياز.
الشيء الذي جعل البعض ممن يملك سلطة المال يروج لمفهوم لا أهمية الإبداع بشكل عام والشعر بشكل خاص، متناسي أن المال لا ينفع شعوبا بلا فكر ولا قيم. و أن الحضارة العربية الإسلامية كانت قوية عندما اعتمدت على أدبائها ومفكريها لإخراج شعوبها من جور الجهل. لتصبح دولا عظمى ولن يتحقق هذا الحلم القديم الجديد إلا إذا أعاد هؤلاء طريقة فهمهم لقوة الإبداع داخل المجتمع ومدى تأثيره الايجابي على الشعوب. وفي حالة تهميشه ستكون الأمم مهددة بالثورات والانفجارات والتقتيل الذي يعبد المال ويحتقر الفكر المتفتح.
وعليه وجب علينا جميعا أن نصالح المجتمع مع الإبداع بشكل عام والشعر بشكل خاص، حتى نستطيع إرساء سفينة الحياة العامة بأمن وأمان.
*شاعرة وباحثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.