من المؤكد أن المعارض بصفة عامة، سواء أكانت جهوية أم وطنية أم دولية، تعد مناسبات ناجعة للتعريف بالكتاب والكتاب، وتشجع على القراءة، وتمنح الفرصة للباحثين لكي يتابعوا جديد الأعمال التي تهم مشاريعهم البحثية، كما توفر، عن طريق الندوات التي تقام، فرصا للحوار والتفاعل مع الكتاب حول القضايا المختلفة التي تهم القضايا الفكرية أو الجمالية التي تكون مدار تلك الندوات. ويعتبر المعرض الدولي للكتاب أهم تظاهرة ثقافية في المغرب، لكن نجاح أي تظاهرة لا يقتصر على جمالية الهيكلة المادية وهندسة الشكل أو إحكام التنظيم، أو جودة المنتوج الفكري... بل يعود بالأساس إلى استعداد المشاركين والمستهدفين للمساهمة في النجاح. ومن ثمة لا يمكن الحسم في سبب التراجع الملحوظ، بشكل مؤلم خلال هذه السنة، من هنا لا تعتبرالإجابات التي سأقدمها سوى استنتاجات لانطباعات أولية، قد يكون بعضها موسوما بنسبية "متوسطة": إضافة إلى الجهد الذي بذل في إخراج المشهد الفرجوي لموضعة الأروقة وهندسة المكان، والتي لا تخلو من تحقيق للمركزية والهامش، في تمثيل، واضح، لتصور مُجَرَّدٍ يحقق التراتبيات التي تسم كل ما هو موجود، حيث تأخذ المؤسسات الوازنة معنويا أو تجاريا أو اعتباريا مكان المركز بينما تحاذيها بالتدريج بقية المؤسسات وفق نفس النظام التراتبي الخفي الذي لا يحضر إلا بعَدِّه دلالة أيقونية خفية، وإضافة إلى البرنامج الثقافي المعتمد الذي يترجم تصور الوزارة الوصية، والذي يزاوج بين اللقاءات والقراءات والندوات، وإلى ضيف الدورة (فلسطين) العزيز على قلوب وعقول المغاربة؛ وإضافة إلى تميز الدورة بالإعلان عن جائزة البوكر العربية، وبحضور لجنة تحكيمها و بندوة نقاشية حول المعايير التي اعتمدت من أجل انتقاء لائحتها القصيرة، بما يوحي ذلك من إضافة استثنائية تغري بمتابعة القارئ المغربي والعربي الذي تتوافر له إمكانات الحضور، فإن الدورة الحالية تبدو باهتة. بيد أن الموضوعية تقتضي التساؤل عن الأسباب العميقة للتدهور الواضح، لأن التنظيم الجيد وجمالية الهندسة وكثافة الدعاية المرئية والمسموعة والمقروءة، والعمل الدؤوب للمضيفات، وتوفير دليل الأروقة، وكتيب الأنشطة في جميع مداخل المعرض، وبرمجة اللقاءات الهامة، لا يكفي لنجاح رهين برغبة الطرف الفاعل المتمثل في الفئات المستهدفة. ولذلك من أجل الحديث بنزاهة وواقعية وحياد غير مبطن بأي رسالة أيديولوجية، يجب التركيز، في تحليل الصورة الباهتة، على الفئات المستهدفة. وبما أن الخوض في مثل هذه التأطيرات صعب، يتطلب الاستناد إلى معطيات دقيقة، وإلى دراسات معمقة اجتماعية ونفسية، فأكتفي بانطباعاتي الخاصة بعد أن داومت على حضور المعرض، يوميا، حيث لاحظت أولا، بالنسبة للكتاب، أن أغلبهم معنيين، أكثر، بالبحث عن ناشرين، وعازفين عن ندوات لا يكونون مسيرين لها، أو متكلمين فيها؛ وإذا ما حضروا حضروا مجاملة لصديق وليس رغبة في نقاش، ورغم عملهم على الدعاية لتوقيعات كتبهم، لا يحضرون توقيعات الآخرين، ولو على سبيل المجاملة، الشيء الذي يزيد من فشل ذريعة التوقيعات بعَدِّهَا آلية من آليات تشجيع تسويق الكتب، وليس قراءة الكتب بالضرورة. ولذلك فإن العديد من اللقاءات والندوات تحكمت المجاملة في جلب جمهورها القليل، إلى حد يجلب الخجل. أما بالنسبة للفئات المستهدفة عامة، والتي من المفروض أن يكون الباحثون والطلبة على رأس قائمتها، فشبه غائبة، على الرغم من كون الدارالبيضاء تحتضن إحدى أهم الجامعات المغربية ( ثلاث كليات للآداب)، وأن عدد الطلبة والباحثين والأساتذة يقدرون بعشرات الآلاف. فلحد الآن لم ألتق بطالب واحد من طلبتي بالمعرض، ولو على سبيل الصدفة، وهو الشيء الذي يشير إلى خلل ما في المنظومة التربوية، وليس بالضرورة في موعد المعرض أو برنامجه أو الكتب المعروضة فيه.. كما أن الفئات الأخرى غير المتعينة والمستهدفة بالدرجة الأولى، والتي تكمن في عموم الجماهير، فلا يمكن أن نتحدث عنها إطلاقا، لأن عدد الزوار، وشبه خواء الأروقة من المقتنين أو حتى المتلصصين على الفهارس والعناوين، لا يقبل التقييم قياسا إلى مدينة مترامية مثل الدارالبيضاء. ومن ثمة لا يمكن إلا أن نعترف بأن الوضع الخاص بالقراءة في وطننا العزيز أكثر من كارثي، وأن على الجميع (دولة ومؤسسات وأفرادا) أن يعاود التفكير في طرق ناجعة لإدماجها ضمن السلوكيات اليومية للناشئة، ولو بنسبة محدودة..