إثر تعيين الكاتب والمفكر بنسالم حميش على رأس وزارة الثقافة، استبشر المثقفون والكتاب خيرا، وقالوا إن الوضع الثقافي المغربي سيتحسن على يدي من خبر الثقافة وكتب عنهالكن تفاؤلهم سرعان ما فتر، بعد اتخاذ وزير الثقافة مجموعة من التدابير الإجرائية، التي رأى أنها ضرورية لتغيير الممارسة الثقافية بالمغرب، من مثل نزع الطابع الرسمي على جائزة المغرب للكتاب، والاشتغال على مشروع لتطويرها وتحسين مردوديتها، وتعويض الكتاب على أنشطة المعرض، الذي ساده الكثير من سوء الفهم، ترتب عنه إقدام مجموعة من الكتاب إلى الدعوة لمقاطعة أنشطة وزارة الثقافة، وتأسيس مرصد وطني للثقافة، يقوم مقام الوزارة، التي يكيلون لها مجموعة من الانتقادات. في هذا الحوار مع "المغربية" يوضح بنسالم حميش الكثير من الأمور، ويكشف عن بعض الخطوات، التي سيتخذها بهدف إعادة الاعتبار للثقافة والمثقفين بالمغرب. مرت الآن ستة أشهر على تعيينكم على رأس وزارة الثقافة، فما هي الحصيلة التي يمكن أن تقدمونها عن هذه الفترة: الإنجازات، والإخفاقات، والمشاريع...؟ ** لكل فارس كبوة كما يقال. حتى الآن لم أعرف كبوة خطيرة أو ذات شأن، لكن أكيد أن هناك بعض الأخطاء في التقدير، وفي التحليل، وربما كانت إرادتي أسرع مما هو ممكن ومخول، لكنني أعتبر أن هذا شيئا طبيعيا، في فترة زمنية محدودة، نصف سنة. والحصيلة عادة ما تطلب حينما يكون المسؤول في آخر مساره، لكن على كل حال نعتبر أن النجاحات القريبة منا زمنيا هي معرض الدارالبيضاء، فتوصلت بجرد تام للتظاهرة، الذي قامت به وكالة المغرب العربي للأنباء باللغتين العربية والفرنسية، وكلها والحمد لله إيجابية، وعدد الزائرين بلغ نصف مليون زائر، وهو رقم غير مسبوق، إضافة إلى الشخصيات الوازنة، التي شرفتنا بحضورها، مما ارتقى بمستوى النقاش والحوار حول قضايا أعتبرها أساسية بالنسبة للمغرب، وكذلك تجربة رائدة في ما أعتقد، وهي أولمبياد الاستظهار والقراءة، وكانت لحظة مؤثرة وقوية، وإن شاء الله سأتابعها خلال السنة، وليس بالضرورة في المعرض، بالانتقال من الأكاديميات لتشمل مجموعة من الثانويات، ثم الانتقال إلى مدن أخرى. المعرض الدولي للنشر والكتاب الأخير، عرف تحسنا على مستوى التنظيم وعلى مستوى جمالية الأروقة بشهادة الجميع، لكن في الوقت نفسه عرف مشاكل عديدة بسبب مقاطعة العديد من الكتاب لأنشطته، بسبب اعتراضكم على منح التعويض للكتاب، وهو الشيء الذي تراجعتم عنه في ما بعد، فما دواعي هذا التراجع؟ كم عدد هؤلاء الكتاب؟ إنهم كثر، وهناك هيئات ثقافية، أيضا، أعلنت مقاطعتها لأنشطة المعرض وعبرت عن ذلك عبر بيانات توصلنا بها بخصوص الألف درهم؟ ليس الألف درهم فحسب، بل الأمر يتعلق بالوضع الاعتباري للكاتب المغربي، خاصة أن وزير الثقافة كاتب قبل أي شيء؟ ** حقيقة هذه أشياء مؤسفة، ولأنني أقدر الكتاب، وأنا واحد منهم، ارتأيت أن يجري تعويض الكتاب عبر تحويل بنكي، وليس بذلك القدر الهزيل والسخيف، لأن من يقدر الكتاب لا يلزم أن يعوضهم بذلك القدر أولا، وثانيا بتلك الطريقة المهينة، التي تقضي اقتياد الكتاب إلى زاوية يقيم فيها المأمور بالصرف، الذي يطلب الكشف عن الهوية ويعطي الكاتب السجل ليوقع، ثم يمنحه ذلك التعويض، كل ذلك من أجل ألف درهم. أنا بنية حسنة، وبما أننا في عصر الحداثة، قلت لم لا نحول لهم التعويض على حسابهم البنكي، والعيب علينا إذا لم نؤد لهم تلك المكافأة الرمزية. طبعا لم يكن هناك فهم لهذه الصيغة، فاعتبر الكتاب أنني ألغيت ذلك التعويض. لكن للأسف هذا ما قيل لهم، ولم تصدر وزارة الثقافة بيانا توضيحيا في الأمر، إلا بعد تفاقم المقاطعة؟ ** من قال لهم هذا؟ الساهرون معكم من مديرية الكتاب على تنظيم المعرض ** أولا هناك شيئان إما الاعتراض على طريقة الأداء أو الاعتراض على التعويض في حد ذاته. أولا لا يمكن أن أعترض على التعويض لأنه لا شيء، ويحز في نفسي أن يظل هذا القدر هزيلا بهذه الدرجة، وقلت على الأقل أن يمنح لهم بطريقة لائقة عبر التحويل. وقع سوء تفاهم وسوء تواصل، ربما الوزارة مسؤولة عنه، لأنه لم يكن هناك وقت، بسبب ضغط الوقت والترتيبات التنظيمية، علما أنني أخبرت السيدة المكلفة بالجانب المالي، أن تعوض الإخوة القادمين من مناطق بعيدة، على بطاقة السفر بالطائرة أو بالقطار، أو بصرف تعويض لبنزين السيارة لمن أتى بسيارته، وأن يمنح لهم تعويض يغطي تلك النفقات، أما أولئك القادمون من الدارالبيضاء أو الرباط، فتعويضهم كان سيجري عبر التحويل. للأسف كان هناك سوء تفاهم، وأنا طبعا آخذ العبرة مما يحصل، وإن شاء الله في المعرض المقبل سأضاعف التعويض، وسأخير الكتاب بين التحويل أو الصرف العيني، لأن مهمتنا هي تيسير العمل الثقافي وليس تعسيره. لكن الارتباك لم يقف فقط على مقاطعة الكتاب المغاربة، بل هناك بعض الكتاب المشارقة، الذين لم يحضروا أنشطة المعرض بسبب سوء التنظيم، وبسبب تضامنهم مع الكتاب المغاربة، وهذا ما عبر عنه البعض في مقالات نشرت في الصحافة العربية، ألا يسيء هذا لوزارة الثقافة ولكم، على اعتبار أنكم كاتب أولا ومثقف؟ ** من كتب هو عباس بيضون، وهذا عار، أن نستدعي كاتبا ونؤدي له بطاقة سفر، وأن يحظى بإقامة في فندق من خمس نجوم، وبعد ذلك يطلب التعويض عن قصيدة يقرأها. بالله عيك اذكري لي معرضا واحدا في العالم العربي، يفعل ما أراد هؤلاء أن نفعل. كل هذه الإنفاقات، ثم نعطيهم أربعة آلاف درهم، التي كانت تصرف لهم في ما قبل. أنا قلت لا، لأن من غير المعقول أن يأتوا إلى عين المكان ويطالبون بأربعة آلاف أو خمسة آلاف درهم حتى يقرأوا قصائدهم، فهذا عيب وعار، ومخجل. لكن نحن في المقابل حينما نشارك في معارض، وحضرت، أخيرا، في معرض أبو ظبي، وهو بلد غني، ومع ذلك فهذا بعيد عن تقاليدهم، فهم يتكلفون بالإقامة والتغذية، ومصاريف السفر، ولا يعوضون الكتاب عن أنشطتهم. عرف المعرض نوعا من شد الحبل بينكم كوزير الثقافة وبين مدير مديرية الكتاب حسن نجمي، الشيء الذي انعكس بشكل سلبي على المعرض، فهل هناك خلاف بينكم وبين مدير الكتاب حول تدبير الشأن الثقافي خاصة المعرض؟ ** المعرض كان من أحسن المعارض بشهادة الجميع، لأن عبد ربه كان وراء هذه النتيجة، لأنني قلت إن المعرض يحتاج إلى دفعة جديدة ونفس جديد، حتى لا يكون كأي معرض. المعرض كان اختبارا بالنسبة لي، الذين تعاونوا معي في هذا الاتجاه رحبت بهم، لكن الذين تحفظوا، بشكل أو بآخر، وأحجموا عن المشاركة، فهذا يدخل في نطاق حريتهم، والأمر لا يتعلق بشخص بالذات. اجتمعت أكثر من ثلاث مرات بالمديرية، وبالطاقم الساهر على تنظيم المعرض، وقدمت لهم تصوري للمعرض، الذي أرى فيه فضاء للبيع والشراء، وعقد الصفقات للترجمة، ومرجعي في ذلك معرض فرانكفورت، أو باريس، أو مدريد، وقلت إن الشيء الأساسي في المعرض هو لقاءات بين الكتاب والجمهور، ولقاءات وندوات حول قضايا معينة، فهذا كان هو تصوري، أما أن نأتي بالشعراء أفواجا أفواجا، فاحتراما للشعر ففضاء هذا ليس هو المعرض، بل هو مهرجان عربي مخصوص للشعر، أما أن نخلط الأجناس في ما بينها، فهذا غير معقول. احتفظت ببعض الأجناس بمصاحبات موسيقية، وحاولت أن أعطي الثقل للجانب الفكري، وتلاقح الأفكار، والحوار حول قضايا الاتحاد من أجل المتوسط، ومن أجل ثقافة خالقة لمناصب الشغل، أو العولمة ومسألة الهويات، وهي مسائل أساسية بالنسبة لي، ولو وجدت من يساعدني في هذا الاتجاه، وقد وجدت البعض، فطبعا سأكون مرحبا بذلك. في قلب المعرض نظمت ندوة حول الاختلالات التي يعرفها المشهد الثقافي المغربي، وجرت الدعوة إلى تأسيس مرصد وطني للثقافة المغربية، ومقاطعة أنشطة وزارة الثقافة، بل الدعوة إلى إلغائها، ما رأيكم؟ ** الناس أحرار في آرائهم، وأقول في كل شيء قل ربي زدني علما. لا يجب المطالبة بمرصد واحد، بل بمراصد، لكن الوزارة طبعا لا يمكن القفز عليها، اللهم إلا إذا أراد هؤلاء أن يشتغلوا لوحدهم. نحن نتمنى لهم كل التوفيق والنجاح. أما من يريد أن يلغي الوزارة فليفعل ما يشاء، لكن ما هو البديل؟. جائزة المغرب للكتاب كانت نافذة أخرى للاحتجاج، لأنها برأي العديدين عرفت تراجعا كبيرا ولم تعد لها القيمة نفسها. فلماذا أخرتم تسليم الجائزة؟ ولماذا نزعتم عنها ذلك الطابع الرسمي؟ ** السبب هو ضغط الوقت، فلا ننسى أن دورة المعرض كانت ذات خصوصية، احتفت بمغاربة العالم، وفيها مجلس الجالية والوزارة الوصية على القطاع، فالأمر لم يكن سهلا. ولهذا قلت إنه ليس من الضرورة تسليم الجائزة في المعرض، ولنغير شيئا ما من العادات، وأن الإخوة المجازين من الأحسن أن يحتفى بهم في حفل مخصوص. فلو كانت دورة المعرض عادية، فيها بلد مكرم، كان يمكن أن نحافظ على الجائزة في وقتها ومكانها المخصوصين. هل تشتغلون على مشروع جديد للجائزة؟ ** أشتغل على الموضوع، لأن الجائزة يجب أن ترتقي ماديا، وفي المغرب ظاهرة غريبة، هناك كتب تنال جوائز، لكن مبيعاتها تظل محدودة، بشهادة الناشرين، وهذا مشكل حقيقي، لأنه حينما يحصل كتاب ما على جائزة فمن المفروض أن يقع نوع من التهافت عليه، وأن يحتفى به بشكل كبير. الجائزة تستدعي الكثير من التأمل، فكم الأعمال المرشحة للجائزة قليل، ولهذا أرى أن تنظيم الجائزة مرة كل سنتين كي نوفر الزمن الكافي لتوفر المادة، ولتكون عملية اختيار وانتقاء الأجود ممكنة، لا أن تعطى الجائزة كتقليد سنوي فقط. وهذا اقتراح فقط، ولا أقول إنني سأنجزها بشكل تعسفي، وبلا رضى الأطراف المعنية، لكن لا بد من تحسين مردودية هذه الجائزة، حتى تشرف الوزارة المانحة لها، والحاصل عليها. كل قطاع من وزارة الثقافة يعرف العديد من المشاكل: النشر، القراءة، التراث، المسرح، الموسيقى... فماذا تفعل الوزارة لتجاوز كل هذه المشاكل؟ ** المشاكل وجدتها في الوزارة، وأحاول حلها بالطرق الملائمة، فقضية القراءة من أولوياتي، وسأخصص لها مجموعة من الأفكار مستقبلا، ابتدأتها بأولمبياد الاستظهار والقراءة. لكن ما يجب عمله هو تحسيس الآباء وجمعيات الآباء بأهمية القراءة، وهذا لا يمكن أن يجري إلا بشراكة مع وزارة التعليم، لأن من دونها لا يمكن أن نذهب بعيدا، وأي أزمة قراءة نرصدها هنا في المغرب لها جذورها في المنظومة التعليمية. هذا من جهة، لكن يجب خلق تحفيزات مادية للتشجيع على القراءة، مثل أولمبياد الاستظهار. أكيد أن الكلام عن الأزمة يرسخ الأزمة، وأعتقد أنه يمكننا القيام ببعض المبادرات، ولو بشكل مرحلي، للتخفيف من الأزمة، من مثل العمل مع دور النشر من أجل أن تكون أثمنة الكتب متكيفة مع مجموع الشرائح القارئة. أما عن المسرح ففعلا هناك تقصير تقني سنعالجه قريبا، وقاعة ابا حنيني سترمم بالكامل، لتكون قاعة في مستوى تطلعاتنا، حتى تستجيب لتعدد الاختصاصات: الرقص، والبالي، والمسرح، والموسيقى، والحكاية، والثقافة غير المادية... الآن صرنا نشهد نوعا من التعميم يطبع الثقافة، فهي بدأت تطلق على كل شيء وعلى أي شيء، فما مفهومكم للثقافة؟ ** الثقافة لا يمكن أن يقوم بها إلا المثقفون، ووزارة الثقافة لا يمكن أن تتعامل إلا مع المثقفين أو الراغبين في التثقيف، لكن حينما نتوجه إلى القطاع الخاص، فنحن نتوجه له كداعم، والأمور بخواتمها. هناك قضية أخرى يجب أن أذكر بها وهي أن وزارة الثقافة لا يمكن أن تقوم كناشر، وتزاحم الدور الأخرى، لأنها ستكسر الأثمنة، لأن لديها الوسائل لذلك، لكن الوزارة ليست دارا للنشر، وستستمر في ما سرى النهج عليه سابقا: الكتاب الأول، الذي يرفض من دور النشر، ونشر الأعمال الكاملة بالنسبة للكتاب الذين بلغوا من العمر عتيا، والمجلة، إذ سنبقي على مجلة "المناهل"، أما "الثقافة المغربية" فتحولت إلى ورقية. هل الأسابيع الثقافية بالشكل الذي تنظم به ذات مردودية حقيقية؟ ** كنت دائما أتحفظ بشأن الأسابيع الثقافية، وقلت إنه إذا كان لا بد من الإبقاء عليه، أن نطالب كل الفرق، أن تعطينا منتوجها بشكل "سي دي" قرص مدمج إذا كان موسيقى، أو "دي في دي" إذا كان الأمر يتعلق بمسرحية، أو فولكلور أو رقصات أو أهازيج، وأن تكون هناك لجنة تقيم تلك الفرق. هذا العمل لم ينجز لحد الآن، فالأيام الثقافية المقبلة، ستخضع لهذا التقييم، وستتكلف مديرية الفنون بمعيتي باختيار الفرق والمنتوجات المشاركة، حتى لا يكون الحضور الثقافي المغربي باهتا، أو عملا مكرورا وحسب. هل سيشارك المغرب في معرض باريس للكتاب، أم سيتأخر عن هذا الموعد بسبب ترشيد النفقات؟ ** لا أعرف لماذا تمرر لكم الأخبار بشكل مغلوط، فنحن سنشارك في معرض باريس للكتاب، وقمت بما في وسعي من أجل إقناع مصلحة الشؤون الثقافية بالسفارة الفرنسية، كي تؤدي تذاكر خمسة كتاب مدعوين مغاربة، وهذا بمبادرة مني، والسيد السفير قبل الأمر. أؤكد حضور المغرب في المعرض بسبعة ناشرين، وسيكون لنا رواق هناك ب 62 مترا مربعا، وسيشارك معنا فيه مجموعة من الكتاب، والمعرض سينظم من 26 إلى 31 مارس الجاري. إلى أي حد يمكن اعتبار مشروعكم الثقافي امتدادا لسلفكم الاتحادي محمد الأشعري؟ ** طبعا أنا سأحتفظ بكل ما هو إيجابي، وسأسعى لتكريسه وتمنيعه، لكنني سأقوم بالتغييرات التي أراها مناسبة، وأظن أنه لن يكون إلا موافقا على مسألة تحويل مجلة "الثقافة المغربية" إلى مجلة إلكترونية، وعلى تحسين جودة الأيام الثقافية المغربية بالخارج، وكذلك بالنسبة لخلق جو من الأخوة، لأن الإنسان يمكن أن يعطي أحسن ما عنده، وكل من يرغب في أن يعرقل المسيرة، فما عليه إلا أن يفعل ما يشاء.