يستغرب المرء فعلا وهو يطلع على رسالة بعثتها الكتابة الوطنية لحزب النهج الديمقراطي لمسؤولي وقوى اللقاء اليساري العربي، ليس من المضمون والمواقف و"التشيار" المميز لكل فقراتها، وإنما، أساسا، من المعجم المستعمل في كتابتها، ومن خلفية توجيهها، وأيضاً من افتقارها للياقة التعبير والكلام. رسالة "الرفاق" تحمل تاريخ 29 دجنبر 2014، وموضوعها يتعلق باجتماع لجنة المتابعة لقوى اللقاء اليساري العربي، الذي أقيم بتاريخ: 09 نونبر 2014 بالرباط، في ضيافة حزب التقدم والاشتراكية، وهذا الشرود الزمني الواضح يمكن القفز عليه على كل حال، ولكن المثير للشفقة حقاً هو شرود الأفكار والتقديرات، وأيضاً خفة الكلام والتسرع في الاتهام. "رفاقنا" الثوريون جدا اختاروا تركيز عنفهم الكلامي على حزب التقدم والاشتراكية، مستضيف اللقاء اليساري العربي، وليس على المشاركين العرب في الاجتماع، وكأنهم غضبوا لنجاح هذه التظاهرة السياسية، أو أحسوا كما لو أن إحدى ساحاتهم المنبرية تفر من بين أيديهم، وتقترب من خطاب.. العقل، وهذا لا يرضي هوسهم وشعبويتهم. السياسة، أيها الرفاق، لا تمارس بمثل هذه النمائم، وبكل هذا المرض الطفولي المنتشر في العقول... رسالة النهج اختارت انتقاد بيان اللقاء اليساري العربي فقط لأنه توقف بشكل إيجابي عند التجربة السياسية المغربية، وفقط لأنه ثمن دور حزب التقدم والاشتراكية من موقع المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وأيضاً لأنه عبر عن وقوف القوى اليسارية العربية إلى جانب الشعب والدولة في المغرب في التصدي للإرهاب، فما معنى هذا التركيز؟ هل يمكن لمناضل وطني تقدمي أن ينتقد من يساند بلاده ضد الإرهاب؟ وأين يكمن الضرر لحزب النهج عندما يعبر طرف غير مغربي عن موقف إيجابي من التجربة السياسية المغربية؟ وهل يقتضي ذلك إصدار بلاغ أو رسالة من الكتابة الوطنية، وإعلان كل هذا الاستنفار؟ حتى الشرود يمتلك الحدود أيها الرفاق... أما حين يريد ثوريو آخر زمان أن يضع بيان اللقاء اليساري العربي دعوته لوقف الاعتقالات والملاحقات السياسية بدول الخليج في نفس المرتبة مع حديثهم عن الوضع في المغرب، وكأن شعبنا لم يقدم التضحيات والشهداء طيلة نصف قرن ليكون مختلفا، ففعلا المرء لا يملك سوى الرد على هؤلاء: آسف، أنتم لا تبصرون... كم هو حيوي الآن استحضار القاعدة اللينينية المبدئية، التحليل الملموس للواقع الملموس، لندعو هؤلاء للانكباب على قراءة واقع الشعوب وإجراء المقارنات الضرورية، عل ذلك يسعف في إدراك طبيعة الواقع الوطني ومميزات المرحلة السياسية الحالية. رفاقنا الذين هم بلا نهج يعتبرون التحول الديمقراطي بالمغرب ليس سوى مغالطة خطيرة، أي أننا مثل سوريا ومصر وليبيا والجزائر والسودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر، ويخلص عقلهم التحليلي العبقري جداً إلى أن المغاربة يحيون في ظل نظام حكم فردي مطلق يقوم على الاستبداد، ويرفضون الصلاحيات المطلقة للملك، ويخافون على الحقل الديني لأن أمير المؤمنين يتحكم فيه بشكل فردي، ومن تصل أسماعه هذه التخريجات الإطلاقية يعتقد أن المغاربة هم بلا تاريخ نضالي، وبلا قوى مناضلة قدمت التضحيات والشهداء والمعتقلين والمنفيين، وبأن النضال في هذه البلاد بدأ مع هذا النهج الخافت جدا... آسف، لستم عميانا عن واقع شعبكم فقط، وإنما أنتم أنانيون جداً كذلك، وبلا نظر... تعرفون ربما أن حزب التقدم والاشتراكية لم يقطر به سقف السياسة أمس، وهو ليس لقيطا أو بلا أصل أو تاريخ، ولهذا هو الذي يجب أن يقدم الدروس، وليس أن يقدمها له من لا بصر أو بصيرة لديه. طيلة كل تاريخه لم يدر حزب التقدم والاشتراكية ظهره لشعبه ولقضاياه الوطنية العادلة، وبقي دائماً مرتبطا بتربة الوطن وبنضالات شعبنا، ورفض بقوة التحالف مع أي قوة أجنبية على حساب الوطن، وفهم الأممية، باستمرار، على أنها أولا التشبع بالوطنية والدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد واستقرارها وأمنها واستقلالها الوطني، ودافع عن هذه الخيارات المبدئية داخل الوطن وخارجه، ولم يكن أبدا ضمن جوقة مزدوجي الخطاب... وعندما ناصر بعض المتياسرين خيار الانقلابات العسكرية وباقي أعمال التطرف والمغامرة، وقف حزب التقدميين ضدها بقوة، وانتصر لخيار النضال الديمقراطي، والتاريخ أثبت لاحقا صواب هذا التوجه، كما أثبت صواب موقف الحزب من غزو صدام حسين للكويت بعد ذلك، وكشف الفكر الديكتاتوري والعسكري المتغلغل وسط عقول بعض المحسوبين على الوسط التقدمي، والذين لم يترددوا في التطبيل لصدام وجيشه... هل نواصل التذكير بكل المحطات التي يحفظها تاريخ شعبنا؟ هنا كان الحزب دائماً يمتلك استقلالية موقفه، وشجاعة التعبير عن ذلك، وكان قد فعلها منذ نشأته تجاه الأحزاب الشيوعية الأوروبية والعربية، وذلك ما منحه التميز والقدرة على الاستمرار إلى اليوم، عكس كثير من الأحزاب المغاربية والعربية ذات النشأة والهوية المماثلتين، ووحدها العقول القاصرة هي التي ترى أن الحزب ما إن تكن هناك هبة جماهيرية من أجل التغيير حتى ترتعد فرائسه ويتخندق خلف نظام الاستبداد والقوى الرجعية، فهو لم يرتعد ولا خشي من مواجهة الكبار، فكيف يفعل اليوم مع صغار لم يشفوا بعد من أمراضهم الطفولية؟ في كل الأحوال، لن تنجح نميمة كتابة النهج في تغيير مواقف قادة يساريين عرب لديهم تاريخهم وتجاربهم وكفاءاتهم للتحليل والتقدير والتمييز، وسيواصل حزب التقدم والاشتراكية مسيرته وإشعاعه مرتكزا فقط على مناضلاته ومناضليه، وعلى تاريخه ومرجعيته الفكرية والسياسية، وعلى الاحتكام إلى هياكله التنظيمية الديمقراطية الداخلية... أما الآخرون، فليطلقوا لسانهم كما يشتهون، وليمارسوا تيه الجنون كما يحبون، وليلتحفوا غيضهم وبغضهم ووقاحة التعبير كما هم معتادون...، لأنهم بلا... نهج أو أثر أو نظر. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته