سلفيا ديفوتو كل صباح ترى الأوديسة تمر من تحت شباكها، لكن اوليس بعيد. ربما في ممالك اخرى يحرث البحراو يقطف وردة الصخر، او ينام على ساحل مقفر ، رمله كالتبر. هي لاتغزل الصوف ولا تفك النسج فكل شيء هباء في ناظريها. تجلس في المساء على كرسيها الأخضر. تعاين في البحر شبه جزيرة وجبل. تنظر الشمس تنزل في الماء، تسمع دوشة النار في اليم وتشم الدخان. تنظر إلى البحر، المراكب تصطاد على ضوء الفوانيس والنجم يهتز في اعالي السماء. كم مضى من الوقت؟ تسأل نفسها بينما الهر يموء. حان وقت عشاؤه. يتبعها، ذيله منتصبا، ويدلف خلفها، في ظلمة البيت خلف ظلال النخل. لحظة ثم يقرع الناقوس. إنها الثامنة. اوليس منشغلا، في البعيد، بنسج حكاية ستروى ذات يوم. تقول الحكاية إن المسافر قد يعود . لكنه لم يعد كالامس، فغبار السفر وذكرى الحروب، ماء البحار المملح بالشمس، نساء الجزر القرمزية والتيه في لجة الموج عشرين عاما مضاعفة غيرت لون شعره وصار كهلا، لايود غير سرير من القش في حديقة كي ينام ويحلم, اوليس هذا اليوم لا ابن له، لا كلب ينتظره وايثاكا ليست غير حلم. والتي تنظر من غرفتها إلى البحرتعشت ثم نامت، بعد أن غسلت أسنانها واستسلمت للنوم. جرس الكنيسة يقرع والهر ينام ويحلم بقطة اوليس، الذي لم يأت ذكرها في اغاني شاعر اليونان أدونيس له عينان من سندلس، تنظران بعيدا. يعرف القرآن والانجيل ونهج البلاغة. يعرف المتنبي عن ظهر قلب ويحفظ نصف أشعار بيرس. من رابية نزل يهش الكلمات كما ينزل راع من العهد القديم . يسكن باريس في اعالي برج من زجاج ومعدن. لكنه مازال طفلا يحلم بالغبار ومدرسة من الطين والحجر وممحاة لها رائحة الورد. يوما كان يمسك بالقلم. يغمسه في الدواة ويرسم حروفا فارسية ، تتدلى كما الكرم من عريشة البيت. يحب الخزامى والنبيذ والعسل الحضرمي. يحلم بالطفولة في المساء ويرى مايرى النائم في الحلم. ينزل من سفح رابية وقد نبت الصبار والغار، جنبا لجنب بين احجارها. قبل ميلاده الثاني بسنين، تمشى وحيدا. ردد ابياتا للمعري، ثم سار لغاره حيث العنكبوت ينسج بيتا. خلفه القرية كانت رسمة. نوافذها بلون البحر وشرفاتها مطرزة كسجاد بخارى. دخل الغار رغم بيت العنكبوت. صلى ركعتين من قصائده الاولى، ثم اختار اسما يبدأ بالالف وغاب عن الدنيا. في باريس يشرب قهوته وحيدا، قبل ان يبدأ في رسم قصيدة، فهو لايكتب بل يرسم. الورقة تهتز بين يديه. خلوته لاتكفيه للشعر. صرت ختيارا، يفكر. ينظر صورة وجهه في زجاج النافذة - الباب ، فيرحل للبعيد. يبحث عن حلاج يقطع السان جرمان بعباءة صوف . يلتقي بالنفري وعكازه الفضي، هامته على صورة طائر. يعطيه ابرة لايمر الشعر في عينها الا بعناد شاعر. يرجع من سفر خيالي. يعلق معطفه في مدخل البيت. يرتاح قليلا ويطلب كأس ماء. . يسمع الاخبار. لاشئ اكثر حزنا، يردد ثم يكتب ويكتب حتى الليل. تناديه زوجته خالدة :علي، علي؟ فلا يرد عليها. في الصمت، في منتصف الليل اتت القصيدة في زحام المرايا. حين ينام الجميع في شقته التي تطل على ساحة رينان ، يفكر بالقصيدة وبعين باث التي لونها الشذر. يذكر شبابيك قريته. يغمض عينيه قليلا ويركض طفلا في الغبار. تيريز لسكيتي مثل غزالة تمشي في الطريق، لكنها حين تصعد السلم المفضي لشقتها ، تصير حمامة تهدل في المساء. تعاين من شرفتها طرق المدينة، تنظر للحافلات او تراقب زبائن صيدلية في يمين شقتها. المساء يغمر باريس. برد خريفي شفيف. تنغلق الستائر. تشتعل المصابيح على الرصيف. يقفر الاسفلت. كلا ثمة امرأة عجلى تحاول الركض . تختفي خلف شارات المرور. تغلق باب شرفتها. تشم رائحة الورود في مزهرية بلون الخمر، من صنع فينسيا. تدير موجة المذياع، تسمع الجاز بينما تهئ عشائها ثم تحلم بالسفر. بالأمس انتظرت طويلا. كان موعدها مع العشيق. لم يأت باكرا كعادته. ظلت تراقب هاتفها المحمول حتى وصل. كان يحمل حقيبة سوداء وباقة ورد من حديقته. زينيا و وجوري الهند وكوسموس على الاطراف، ابيض. لم يشربا قهوتهما بل نهضا متعانقين وانسربا في الحشد. منذ الأمس تحلم بالسفر وشراء قبعة من القش ورواية كونديرا الأخيرة. في العاشرة أطفأت النور. سحبت غطاء أبيض. حدقت في سقف غرفتها. كان سيف نور يرسم جرحا في الظلام. فكرت بعشيقها وبزهايمر أمها وأغلقت عينين. ثم مضت تسافر في بحار من زمرد.