أخذ مكانه في الركن الأيسر حذاء الشبابيك المرتجلة في الطرف القصي. بعد أن استوى جال بنظره في أرجاء الفضاء الذي كان مقهى من مقاهي المركز القديمة المتوارية في الأزقة الخلفية. تلك التي تعرفها مدائن مختلفة كالدار البيضاء. ------------------------------------------------------------------------ وهو يحب الأماكن الممسوحة التي لا تثير النظر مثل شخصه هو تماما. فيها يتوحد بعيدا عن الفضول. المقهى محموم و ضاج كالعادة قبل المراهنة. وليس كل الضجيج مزعجا. بشر وبقايا بشر جالسون إلى الطاولات منحنون على أوراق برامج السباق، في غياب يتجاهل العالم. يفكرون، يحسبون، يخمنون ثم يسطرون أرقاما وأرقاما، في أوراق جانبية، على هامش جريدة، على هامش منديل ورقي..وخيول مطهمة راقية لامعة الشعر تعدو في أذهانهم، تسابق ريح الهوى نحو سراب الملايين المرتقبة، هناك في الغد عند خط الوصول، وهنا في وريقات صفراء باهتة لكن محتضنة بلطف وخوف. مثلهم فعل. أشار على النادل فأتاه بمشروب وبرنامج رهان. مسح بعينه أسماء الخيول والفرسان والأرقام والتخمينات المسطرة عموديا برهة. ثم قلب الورقة حيث البياض فقط يبرق مثل غسيل مشع نصاعة في الشمس. كان هذا الصباح رائقا. وكان ذهنه في سلام مع العالم فقد اكتشف في جيبه وهو يستيقظ من النوم أوراقا مالية لم يدر كيف تم إنقاذها من ليلة البارحة الصاخبة فكان بإمكانه أن يلبي غوايته الأبدية التي سيمارس الآن بفرح قلق عن مآلها..أخذ قلما من جيب المعطف وبدا يخمن ثم كتب..لمدة. ولما أحس بإعياء في الظهر توقف وجال بنظره مرة أخرى. نفس الفضاء. لم يتغير العالم. فطفق يرتعد بحسرة خفية آسفة اختفت حالما سأله كهل مكرمش الوجه وبسن واحدة عن الفرس الرابحة. تأمله وأجاب : « كلها رابحة، وأنا ألعب بالجميع». حدق الآخر فيه وحك ذقنه ثم ما لبث أن غطس من جديد في ورقته. أما هو ففكر في أن يمطط بدنه قليلا فنهض واتجه نحو المرحاض. قضى حاجته كمن تخلص من فوران زائد. وهو خارج تأمل وجهه في زجاج البويب الفحمي بصباغة داكنة. راقت له نفسه. ولم لا وقد حالفه الصباح.. عاد إلى الطاولة. عب رشفات متلاحقة من مشروبه. وحالما وضع الكأس امتلكه فجأة جزع جارف فنادى على النادل. أين الورقة التي كانت هنا؟ لقد رميتها في الزبالة. . أهلكتني يا أبله. إنها قصيدة! قصيدة ؟ لم يكن فيها أرقام خيول فحسبتها غير ذات جدوى..