فريات موزع على مقاعد مقهى " الزجاج" ينشر غسيل "أل الكترون" فيما يتأبط المهدي ملفا برتقالي اللون، ويكتشف مزايا اجتياز خطوط عتبة المقهى كل يوم، أما "حورية"، سكرتيرة الجريدة الباسمة، التي بح صوتها في قول عبارتها الشهيرة عشرات المرات كل يوم "أخبار اليوم... بونجور"، وهناك في الركن القصي من الباب يجلس "المختار عماري" كرجل حكيم يجتر مأساة "الصحافة المستفزة"، ويكفر في وطن تغير شكله ودولة تمسك بخناق "الآنسة حليمة" وتجربها على العودة إلى عاداتها القديمة الرديئة. بالنسبةإلى باقي الصحفيين فهم متناثرون كأوراق لعبة بعثرتها سلطة المنع يتناهرون (من النهار على وزن يتسامرون) في ما بينهم ويشخصون بأبصارهم إلى رجال الشرطة الذين نسوا شكل المجرمين من كثرة مراقبتهم للصحفيين... مشهد جميل رغم كل "مقولات المحن"، وتعايش سلمي بين الدولة والصحافة على طاولات الكولفازير وكؤوس الشاي وابتسامات التضامن الواردة من ثغور "ناصر" و"علي، نادلي مقهى الزجاج. وبالحق نقول إن حميمية المكان وترابط الوجوه والمصائر وسعادة "الخدود الممنوعة"، كلها دلائل لا تقبل "الزلل" على كون "الضارة" إن كانت "نافعة" فربها من ضارة نافعة لقد التحقت بهذا المشهد "التراجيدي" (محمد منير)، أول أمس وشهدت بأسلاف عيني (عوض أمها) أن "الدولة" عيَّانة وما "فيدهاش" في قراراتها العشوائية المرتجلة في لحظات غضب لا تحسب للعواقب رقما حقوقيا واحدا... بعد أن استأنست بجمالية المنع، تحولتً رفقة "كدار" و"اسطيفي" إلى "رباط المحاكمات" لحضور "وقفة" علي أنوزلا أمام "القضاء" و"القدر" بخصوص ما كتبه ذات لحظة صحفية مجنونة حول "مرض الملك"... كان صوت النقيب الجامعي يشق سكون العدالة بصوت جهوري عاطل في إقناع رؤوس صمَّت من "صخر"، وكنت بالكاد أمنع نفسي من الضحك كلما سمعت "وكيل الملك" يشير إلى "أنوزلا" بصفة "المتهم"، فتخيلته (علي) كل مرة وكأنه "رجل من أزمنة القتل والاغتصاب" أو "شنفرة" القرن الواحد والعشرين، وضحت كثيرا وأنا أدخل رأس الدولة مرة أخرى محاولا استيعاب إصرارها الغريب على اعتبار أنوزلا (وبوعشرين وحيران والجامعي وبنشمسي) "مجينيناتْ الصحافة"... ولعل أكثر ما شد انتباهي في هذه المحاكمة تلك العبارة الجميلة التي أطلقها "وكيل الملك": "لم لا تكون لنا صحافة مواطنة"، وكأن الصحافة المستقلة التي تسري بيننا تكتب عن مشاكل الكونغو الديمقراطية وليس عن قضايا المغرب الجوهرية... ولعل السيد وكيل الملك يبغي القول إنه على الصحافة أن تخلص الوفاء لمقولة "كولو العام زين"... "صحافة مواطنة"؟ ! قول حق يراد به "عاطل"، بل "عاطلون" عن العمل جماعات وفرادى، يقضون غمامة يومهم في المقاهي عوض الجلوس إلى مكاتبهم وأقلامهم... لا سيدي، الصحافة المواطنة هي التي تكشف عن عيوب الوطن بهدف الإصلاح، وليست تلك التي تختبئ خلف كلمات العسل وتكسر كل مرايا الحقيقة. عبد الكريم القمش