نزلت من مكتبي بعمارة السعادة بمركز المدينة حيث كنت اختنق وذهبت لأكل كفتة في مدخل باب الأحد. لمحت صديقة قديمة، رجاء، لم أرها منذ زمن لكنني تعرفت عليها منذ الوهلة الأولى. كانت في كامل أناقتها المعهودة. تتابط ذراع شاب اسمر اللون، قصير القامة. استغربت فهذه ليست نوعيتها من الرجال فهي حسب ذكرياتي تحب الرجال بيض البشرة ذوي الهامات الطويلة. اقتربت مني مندفعة: والله غيوب هذه. أنت التي غبت ياعدوة، فيما غيبتك؟ فيما ترين.... التفتت إلى الشاب الذي كان لا يرفع عينيه عنها. أرتني خاتما مذهبا من ثلاث طوابق. أقدم لك محمود الرمضاني، خطيبي ورجل حياتي. زفافنا خلال أيام، محمود فنان تشكيلي بل هو الفنان التشكيلي القادم. مبروك عليك ألف مبروك. رجل حياتها؟ ما هذا العبث؟ التقيتها قبل سنوات وكانت تقول نفس الشيء بصدد ذلك الشاعر الوسيم الذي سيسطع نجمه ذات يوم وستصير زوجة الشاعر. هكذا كانت تحلم أيامها. كانت تتشبت به ليس لوسامته بل لكونه معروفا وهي تدرب يديها الكريمتين على التحيات ووجهها الجميل المدور على الصور. كانت قبل سنة تحلم بشاعر وهاهي اليوم تقدم لي فنانا هو رجل حياتها. حلم جديد طبخته على جناح السرعة. لم تكن تبحث عن الحب يوما. لم أقابل فتاة بتلك الشفافية في حياتي. كانت تريد رجلا معروفا، مشهورا. يدخلها إلى أيام العاصمة ولياليها. قدمت من حي المحيط، حي متوسط لكن همها هو ان تدخل بيوت الأحياء الراقية كأكدال والسويسي وحي الرياض وحتى مركز المدينة تجد فيه شياكة ما في حين أجد فيه زحمة وضجيجا عارما. رغم عملي في وسط المدينة لم استطع أن أتالف مع الحياة فيه. المهم إنها تريد رجلا معروفا ومهيأ للاغتناء. تريد رجلا تنظر إليه الأخريات، كل الاخريات ويبقى معها هي لأنها الأجمل. أخذتني على جنب وحدثتني عن رجل حياتها: التقينا في حفل افتتاح معرضه بباب الرواح. كل أهل الرباط كانوا حاضرين فالوزير نفسه افتتح المعرض، تصوري الوزير نفسه. سلمت عليه وأخذت معه صورا مع الوزير بشخصه ومنذ ذلك اليوم لم نفترق، لا أقصد الوزير اقصد محمود طبعا. الوزير متزوج منذ زمن كما تعرفين. ولولا ذلك لنظرت اليه هو الآخر عل وعسى. كانت تنظر إلى كل رجل مهم نظرة إغراء. لايهمها السن ولا الشكل. كانت تريد رجلا ذا سلطة وكانت تحركها رغبة فظيعة في الاقتناء. هوس في الاقتناء كأنها تخفي بذلك قلقا ما، قلقا من وجودها بكامله. المهم أن تشتري، لا يهم ماتشتريه: فساتينا لا تلبسها أبدا، كتبا لاتقرؤها. حين لاتقتني تحلم بكل ما يمكن أن تقتنيه إذا ما أتمت زيجة ناجحة مع بطاقة ائتمان لا تنضب. اقترحت علي أن اجري حوارا مع رجل حياتها وان اخصص له صفحتين في المجلة التي اشرف عليها. - ستعجبين بفنه لامحالة. - تتركينني احكم على أعماله بحرية يا لئيمة فهو رجل حياتك أنت أما بالنسبة لي فهو فنان شاب وربما تكون له موهبة حقيقة، من يدري؟ كنت لتعلقي بالمشاعر أود أن اسألها عن مشاعرها الوقادة تجاه الشاعر وأين اختفت. تذكرت ما كانت تقوله منذ أيام الكلية: - أنا بنت من الرباط وبنات الرباط يعرفن مصلحتهن ونحن لا نجري وراء الحب إذا كان فيه فقر وغم. كنت اقدر فيها ذلك الوضوح لهذا قبلتها من الوجنتين وانصرفت. فكرت في أمر هاته الرباطية، امرأة جميلة، متعلمة. تعمل ولا تستطيع أن تستقل بذاتها. ربما يكون الاستقلال غير لازم للمرأة، يكفي أن تظل رهينة منظور الرجل لها. نظرتها لجسدها الجميل تتأسس على عدد المعاكسات اليومية والمجاملات التي تتلقاها من رجال يرونها وليمة في سرير. لم تكن تفكر في كل هذا كأنها مبرمجة على فكرة واحدة : أن تلتقي الرجل المشهور. كنت أشفق على هذا الرجل المشهور الذي ستلتقيه ذات يوم لا محالة. لاشك ان ذلك التعيس سيصد ق آهاتها ولوعتها إليه فيما هي لوعة إلى شهرة وسلطة وهمية تصير حقيقية إذا ما كانت بطاقة البنك من لون ذهبي. كنت أود أن أصرخ أيام لوعتها بالشاعر، أن أقول لها بان تثور على هاته البرمجة لكنني كنت اكتفي بالتساؤل عن طفولتها وكيف تشكلت شخصيتها المتناقضة بين استقلال فعلي أسسته من خلال عملها كمبرمجة حواسيب وبين هذا الضعف الكبير وقبوعها المستسلم في خطاطات لم تصنعها. البنت الجميلة تفكر في زواج ناجح أولا. تظل طيلة حياتها تعمل من اجل هذا وحين تتزوج عليها أن تحافظ على الزوج المهم الذي تنظر إليه الأخريات. يتبع