ليست الانتخابات المرتقبة في العام المقبل مجرد محطات اعتيادية كسابقاتها، وإنما، بالنظر إلى سياقها العام وما هو مرتبط بها من تطلعات، هي موعد حاسم ومؤسس لمرحلة جديدة في المسار التنموي العام لبلادنا، ومن ثم وجب تفعيل حوار سياسي حولها يكون بنفس الأهمية، ويجسد حجم الرهان المطروح على هذه الاستحقاقات. من البدهي القول إن الانتخابات المحلية تمثل العمود الفقري لتدبير شؤون المواطن اليومية، وبأن الجماعات المحلية تجسد الإدارة الأقرب إلى المواطن، وبالتالي فهي معنية بقضاياه ومتطلباته وحاجياته في الخدمات البلدية اليومية، وفي التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وفي الاستجابة لحاجياته الثقافية، وأيضا في تطوير منظومة مشاركة المواطنات والمواطنين في مراقبة تدبير الشأن المحلي، وفي المساهمة فيه... وسواء على صعيد الجماعة المحلية، حضرية كانت أو قروية، أو فيما يتعلق بالجهات وغيرها، فإن كل هذه المؤسسات التمثيلية الترابية مدعوة اليوم لكي تندرج ضمن دينامية التقدم إلى الأمام في مسار الإصلاح وتقوية المشاركة والرقابة الشعبيتين، بدل الركون إلى عقلية التردد والخوف من... التقدم. إن هذا التحدي يجب تجسيده أولا في النصوص القانونية والتنظيمية وفي الصلاحيات ومنظومات التسيير والعلائق، ثم في كامل المنظومة الانتخابية ذات الصلة، ولتحقيق ذلك لا بد أن يتوفر الوعي والإرادة لدى الدولة أولا، ثم لدى مختلف الفرقاء السياسيين، وبعد ذلك سيكون سهلا توفير الإمكانات والشروط الضرورية للإنجاز والنجاح. من جهة ثانية تتحمل الأحزاب السياسية أيضا مسؤولية كبيرة ومحورية لإنجاح الرهان، وذلك أولا بإنتاج مواقف والتزامات ورؤى موضوعية وذات بعد نظر، ثم من خلال حسن اختيار المرشحات والمرشحين الذين يمتلكون التكوين والمهارة اللازمين، وأيضا المصداقية الأخلاقية والسياسية. وفي السياق ذاته، فإن المواطنات والمواطنين، وخصوصا من يمتلكون مستويات دراسية ومعرفية منهم، هم أيضا مطالبون بالابتعاد عن اللامبالاة والنفور من الانتخابات المحلية ومن العمل السياسي، والإقبال المكثف على التسجيل في اللوائح الانتخابية، ثم المساهمة في التصويت ولم لا الترشيح أيضا، والأهم تشكيل قوة شعبية لمراقبة نزاهة الانتخابات، والحرص على محاربة شراء الأصوات والإنزال والتزوير وفضح المفسدين، وبالتالي العمل المنظم من أجل اختيار كفاءات حقيقية لتدبير شأننا الجماعي اليومي. دور النخب الجامعية والمدنية والاقتصادية هنا أساسي لتوفير مجالس جماعية محلية وجهوية كفؤة وقوية وذات قدرة على التدبير والتخطيط لمصلحة الناس، وإن التنازل عن القيام به هو الذي يتيح سيطرة لوبيات الفساد والريع على الجماعات المحلية وإدامة التخلف ونهب المال العام. اليوم، والمشاورات السياسية تعلن عن انطلاقها، بالإضافة إلى تزايد الحراكات الحزبية الداخلية صلة بالمواعيد الانتخابية المرتقبة، فإن المطلوب هو الوعي بأهمية عمل ودور الجماعات المحلية والجهات، ليس فقط في إطار مسلسل تطوير بناء الدولة، أو على مستوى تحقيق التنمية وتلبية مطالب الناس، وإنما كذلك وأساسا فيما يتعلق بالاستقرار المجتمعي العام، وبالبعد الاستراتيجي في المسار الديمقراطي العام لبلادنا. كل الاحتجاجات الشعبية والحراكات كانت تركز، في بلادنا وفي المحيط الإقليمي، على الكرامة والعيش الكريم، وتقدم لنا الاستحقاقات المقبلة فرصة سانحة لإنتاج هياكل وتمثيليات قادرة، ديمقراطيا وشعبيا ومعرفة، على تحقيق ذلك والاستجابة للمطالب الشعبية، أي تحقيق الاستقرار، وغير هذا الطريق سيقود بلادنا نحو المجهول، حيث أن الفساد الانتخابي وسيطرة «شناقة» الانتخابات على تسيير الجماعات والجهات لا يمكن أن يستمر بهذه البشاعة إلى ما لا نهاية. الانتخابات المقبلة فرصة إذن لإحداث التغيير بشكل عملي وملموس، ويكون له أثر في حياة الناس، فرجاء لنعمل كي لا تضيع الفرصة على بلادنا وشعبنا.