اعتقلت الشرطة القضائية بالقنيطرة، أول أمس، رئيس بلدية سيدي يحيى الغرب والمستشار البرلماني في الغرفة الثانية، بعد أن ضبطته متلبسا بتلقي رشوة من مقاول حصل على ثلاثة مشاريع من البلدية المذكورة. القضية تكررت مثيلاتها في العديد من المرات بمناطق مختلفة، كما أن مجالس الحديث في أكثر من جماعة قروية أو حضرية تروي قصصا عن وقائع مشابهة، ما يحيل على وجود منظومة فساد داخل كثير من جماعاتنا المحلية. بداية، لابد للقضاء أن يحرص على متابعة قضية سيدي يحيى الغرب، والفصل فيها وفق القانون، وبما يجعلها عبرة ودرسا للآخرين، وإشارة للمفسدين بأن الزمن ليس هو الزمن، وبأن سياقات اليوم تختلف عن سياقات الماضي، وبأن زمن التغيير حل فعلا. من جهة ثانية، فان ما حصل يحثنا على التفكير في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وفي حاجة بلادنا إلى منتخبين يختلفون كليا عن فصيلة رئيس بلدية سيدي يحيى الغرب وأمثاله. هذه المرة، الانتخابات الجماعية ستندرج ضمن نسق دستوري ومؤسساتي مختلف، وستفضي إلى إعادة تشكيل مجلس المستشارين انسجاما مع أحكام الدستور الجديد، كما أنها ستفرز مجالس منتخبة عليها مواجهة تحدي تفعيل الجهوية، والقيام بصلاحيات أوسع من السابق، والاستحقاق برمته سيقام في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية مليئة بالمصاعب والاكراهات والمطالب وتجليات القلق، ما يجعل السكان يعبرون عن تطلعات وانتظارات متعددة تجاه مجالس الجماعات المرتقب أن يفرزها هذا الاستحقاق المنتظر، ومن ثم، فان البلاد في حاجة إلى نوعية أخرى من المنتخبين لا ينتمي إليها قطعا أمثال رئيس بلدية سيدي يحيى الغرب. إن جماعاتنا المحلية في حاجة اليوم إلى منتخبين يمتلكون قدرا كبيرا من المصداقية الأخلاقية والسياسية، ويكونون شخصيات سياسية حقيقية وليسوا مجرد(شناقة) حولهم العبث الانتخابي إلى أعيان ووجهاء، ومكنهم الفساد والريع من الاغتناء غير المشروع على حساب الجماعات وسكانها. تحتاج جماعاتنا إلى كفاءات بإمكانها ممارسة التدبير الإداري وإدارة المشاريع، والوعي بالتحديات المطروحة على البلاد، والمساهمة في إنجاح مختلف أوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وممارسة القرب مع الساكنة، وتقوية أسس الديمقراطية التشاركية. لم يعد مقبولا اليوم أن يسيطر على جماعاتنا المنتخبة سماسرة الحملات الانتخابية و(البلطجية)، ويتحولون، بين عشية وضحاها، إلى مالكي الثروات والعقارات(على عينك يابن عدي)، وبعد ذلك يبقى الكثيرون يستغربون لمبرر تنامي التوتر والاحتجاج وسط الساكنة، وتفاقم المشاكل والأزمات وتجليات الاحتقان.. فقط بمنتخبين يمتلكون النزاهة والمصداقية وإرادة العمل والكفاءة يمكننا إعادة المواطنات والمواطنين إلى صناديق الاقتراع، والى الثقة في عمل المؤسسات، والى التفاؤل بمستقبل الوطن.