مجلس الدارالبيضاء حتى عندما تمكن من المصادقة على الحساب الإداري، فإن عبثية المشهد لم تكن غائبة... انسحابات من هنا، وامتناع عن التصويت من هناك، وتغيرات غريبة وعجيبة في المواقف وفي التقييمات وفي معجم الكلام. فجأة تحول بعض الأعضاء أمام كاميرات التلفزيون إلى أشخاص مستعدين للعمل، ولفك المنغلق عن جماعة العاصمة الاقتصادية للمملكة... الصورة لم تكن تثير السخرية فقط، كانت غارقة في البؤس وفي العبثية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه... بأقل من أربعين صوتا جرى إقرار ما أجل لأزيد من عامين... سمعنا أحدهم يهدد بتمكين الوالي الجديد من ملفات الفساد التي يعرفها ويمتلك أدلتها وبراهينها، وفقط المسكين نسي أنه كان وعد منذ شهور برفع الملف نفسه إلى السلطات العليا في البلاد، ولكنه لم يفعل لحد اليوم. شاهدنا آخرين تركوا جانبا الشتائم التي كانوا يوزعونها يمينا وشمالا، وشعارات اعتصاماتهم الرمضانية، ولم تنتفخ هذه المرة أوداجهم بالصراخ والسباب، وكأن شيئا ما وقع على الرؤوس، أو أصاب الألسن بالخرس... قد يكون ما حصل بداية مشجعة للوالي الجديد، وقد يمثل الأمر بداية انفراج لبقية المنغلقات البيضاوية، لكن كازابلانكا فعلا هي في حاجة اليوم إلى التغيير الحقيقي. إن معضلات كبرى مثل: البناء العشوائي، الدور الآيلة للسقوط، النقل، الباعة المتجولون، الطرق، الإسكان والتعمير، ثم المشاريع المهيكلة الكبرى المتوقفة أو الغارقة في المشاكل والإرباكات، هي كلها تتطلب اليوم الكثير من الحزم والجدية و...الإمكانات لمعالجة اختلالاتها، وللخروج بالميتروبول من النفق. وإن التحرر اليوم من بلوكاج مجلس المدينة، ولو أنه في البداية، يجب أن يدفع السلطات الولائية الجديدة إلى إعمال إستراتيجية جديدة تقوم على علاقات جديدة بين الولاية والمجالس المنتخبة، وترتكز على القانون، وعلى الوضوح، وعلى ربط المسؤولية بالمحاسبة. البيضاويون اليوم يتطلعون إلى فتح مختلف ملفات الفساد التي يتحدث عنها الكل، ومحاسبة المتورطين فيها، والحرص على استعادة حقوق المدينة وساكنتها، ومن ثم إعمال حكامة جيدة ومغايرة وتنبني على القانون. البيضاويون يتطلعون أيضا إلى علاقات مختلفة بين المسؤولين الترابيين الجدد ومختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمدينة، من أجل إعادة الحماس إلى النخب المحلية ذات المصداقية والكفاءة، للانخراط في مسلسلات إنجاح أوراش الإصلاح والتأهيل. ساكنة الدارالبيضاء تتطلع في الزمن المغربي الجديد أن لا يتكرر واقع تولي أمور مدينتهم من طرف «شناقة» الانتخابات، وفاقدي كل مهارة أو مصداقية سياسية أو أخلاقية. هل يتحقق لهم حلمهم هذه المرة؟