العبث، هو عنوان المشهد الحالي لمجلس مدينة الدارالبيضاء في تسييره لهذه الجماعة وفي تدبيره للشأن المحلي وتعامله مع قضايا الساكنة ومصالح المدينة. والعبث في عبث هو أقل ما يمكن أن يوصف به هذا المشهد الذي استمر بنفس اللوبيات ونفس الوجوه تقريبا منذ سنة 2003. الآن تتوجه الأنظار إلى تداعيات عجز هذا المجلس ورئيسه و»أغلبيته» عن إتمام دروة فبراير (ونحن في شهر أبريل) وتمرير الحساب الإداري بالرغم من كل المسرحيات الممسوخة والفاضحة لسماسرة الانتخابات والانتهازيين والفاسدين. وإن كانت هذه الحالة الشاذة، والخارجة عن القانون، كفيلة لوحدها بإثارة انتباه وتساؤلات المواطنين. فما راكمه القائمون على المجلس، عبر سنوات، فيه ما هو أكبر وأفظع مما يجعل هذه الحالة مجرد نتيجة وتحصيل حاصل.فكل المتتبعين لتدبير الشأن المحلي واجتماعات المجلس ونتائج لجانه يرون بأن تقاطع المصالح والفوائد بين مكونات أغلبيته المفبركة وضع تسيير شؤون المدينة في خانة عنوانها العريض هو: «الفساد».وقبل أيام فقط ، صدحت أصوات الساكنة المنادية ب «إسقاط الفساد» وبشعار: «تمشي دابا تمشي دابا المجالس الكذابة». وفي اجتماعات المجلس ذاتها كثيرا ما كشفت لعبة المساومات وممارسة الضغوط، عن تلاعبات وتجاوزات وتبديد المال العام. أما العجز وسوء التدبير فماثل في حالة المرافق الجماعية وفي ساحات وأزقة المدينة وشوارعها، وفي تردي الخدمات البلدية، والتسيب في استعمال المجال، وفي تعثر مشاريع تنموية حيوية الخ... أما وسائل الإعلام فقد أتت، من جهتها، بنماذج عدة عن حالة الفساد وسلوكات المفسدين، من بينها ما يهم الممتلكات الجماعية، وعدم استخلاص أموال باهضة، مستحقة للخزينة الجماعية على أشخاص وجهات معروفة، كما صار من المتداول في كل المحافل، ما للعلاقات المصلحية بين لوبي مجلس المدينة وشركات التدبير المفوض وفي مقدمتها شركة ليديك التي صرح أحدهم في اجتماع رسمي للمجلس بأنها مولت الحملات الانتخابية لبعض الأعضاء. ومن الغريب أن يستمر عبث هذا المجلس في الزمن المغربي الحالي الذي من عناوينه الرئيسية: - سيادة إرادة الانتقال بمسار الإصلاح إلى مراحل ومستويات متقدمة. - اتساع انخراط مختلف الفئات في العمل من أجل بناء ديمقراطية حقيقية وبالبنيات والمضمون المتلائمين مع العصر. - نقاش وطني منكب على هندسة الإصلاحات المطروحة في جدول الأعمال؛ - إعادة النظر في توزيع وتوازن السلط من خلال نظام جهوي فعلي وحقيقي؛ - الإصلاحات الضرورية في المشهد السياسي؛ - فرض المراقبة والمحاسبة والشفافية في تدبير كل المرافق العامة؛ - شروط ومتطلبات توفر المصداقية في المؤسسات التمثيلية والقطع مع الفساد واجتثاث جذوره. وهذا ما يجعل هذه الحالة، حالة مجلس الدارالبيضاء، فريدة ومثيرة، ليس فقط لكونها تهم أكبر المدن المغربية، وليس لكون المتمسكين بها يضعون أنفسهم خارج الزمن المغربي، ولكن أيضا لكون هؤلاء يعاكسون تيار الإصلاح، ويدفعون العجلة إلى الوراء، ويبخسون إرادة البناء والتقدم وعزيمة المغاربة على المضي بها نحو المبتغى. قد يعود المتتبعون للتساؤل عن سر أو أسرار استمرار الوضعية الشاذة في مجلس البيضاء، وعن أسباب عدم مبادرة الجهات المعنية بالتدخل والمساءلة. غير أن العودة إلى هذه التساؤلات قد تكون متجاوزة، لأن سؤال اليوم ينصب على سبل ووسائل إنقاذ الدارالبيضاء وتحريرها من الفساد والمفسدين ومن عبث العابثين. هل ذلك ممكن باستقالات بعض المكونات؟ هل بمساطر التفتيش والمحاسبة؟ هل بإثبات مخالفات مقتضيات الميثاق الجماعي؟ هل عبر انتخاب مكتب ورئيس جديد؟ هل بحل المجلس بعد أن تأكدت حالة إفلاسه؟. وعلى مستوى آخر، يمكن التساؤل كذلك إن كانت قوى اليسار والفعاليات الديمقراطية الأخرى ستقدم على مبادرات مشتركة ومنسقة في اتجاه هذا الإنقاذ الذي يتطلع إليه الشارع البيضاوي؟. تصوير: عقيل مكاو