بعد انتهاء الانتخابات التشريعية، عادت الدارالبيضاء لمعاناتها مع عبث التسيير المسلط عليها، وتراكم المشاكل والمعضلات، واستمرار الشلل في حياتها وفي ديناميتها التنموية والتدبيرية. منذ رفض الحساب الإداري لمجلس المدينة العام الماضي، لم ينجح الرئيس وأغلبيته في عقد عدة دورات أخرى، آخرها دورة أكتوبر الماضي، وبقيت العاصمة الاقتصادية للمملكة تعيش فوضى في إدارة مشاريعها ومرافقها الحيوية وفي الرؤية العامة لمستقبل المدينة وأهلها، وتصر سلطات الوصاية، برغم كل هذا على صمت غريب لحوالي سنتين، ما يجعله قريبا من التواطؤ على حساب مدينة هي الشريان الاقتصادي للمملكة ووجهها الحداثي والتنموي. اليوم ساكنة الدارالبيضاء تتساءل عما إذا كان هذا العبث التسييري سيستمر ضد مدينتهم إلى ما لانهاية، وعما إذا كانت لوبيات وأوساط من مصلحتها التغطية عن المفسدين، وعن كل الذين أنهكوا المدينة ومواردها، وتسببوا في وقف عجلة نموها وإشعاعها. إن الانتخابات التشريعية الأخيرة فضحت بعض الكائنات الانتخابية الفاسدة، وبدا أن هؤلاء الفاسدين، في الدارالبيضاء وفي غير الدارالبيضاء، لا يحرصون سوى على مصالحهم الذاتية الضيقة، ولا يبرعون سوى في إعادة إنتاج الفساد والريع والنهب ومراكمة الثروات، ولا تهمهم لا مصلحة البلاد ولا مستقبلها، وهذا درس ينبغي استحضاره والبلاد تسير نحو انتخابات جماعية هي الأخرى تحمل أكثر من رهان. إن الدارالبيضاء التي حكم عليها مجلسها المحلي بالشلل، والتي أصبحت روائح الفساد تنبعث من أكثر من زاوية فيها، لم تعد تتحمل المزيد من هذا العبث، وهي في حاجة اليوم إلى نخبة جديدة تتشكل من رجال ونساء دولة حقيقيين، ومن كفاءات سياسية وتدبيرية وطنية مؤهلة وذات مصداقية أخلاقية وشعبية، وذلك لإنقاذها من التيه والفوضى التي تغرق فيهما. من دون شك، إن عددا من المفسدين ومن المتسلطين على المجالس المنتخبة في الدارالبيضاء يسعون اليوم إلى إدامة فسادهم وتسلطهم إلى غاية الانتخابات الجماعية المقبلة، وبالتالي تفادي الوقوع تحت طائلة المحاسبة جراء ما ارتكبوه في حق المدينة وسكانها، ولكن مجاراتهم والسماح لهم بأن يعيثوا فسادا في الميتروبول يعتبر ضربة حقيقية لمستقبل مدينة هي الواجهة الحداثية للمملكة. لقد كشفت ترشيحات الانتخابات التشريعية الأخيرة عن وجود أسماء ذات خبرة سياسية وتدبيرية، وذات مصداقية أخلاقية، وبالرغم من عدم فوزها، فهي تعتبر نخبا جديدة قررت الانشغال بالشأن العام، ومن المهم اليوم أن تحرص الأحزاب الديمقراطية الجادة على عدم تضييعها، وتسهر على تأهيلها لخوض الانتخابات الجماعية، والدفع بها للعمل من أجل إنقاذ الدارالبيضاء من شرذمة سماسرة الانتخابات ولوبيات الفساد والريع. وفي السياق نفسه، ثمة اليوم حاجة ملحة للوعي بأن الإحجام عن المشاركة هو الذي يترك المكان فارغا لقوى الفساد، ومن ثم لابد من جعل مشاركة المواطنات والمواطنين مكثفة في التصويت، وفي اختيار البرامج والأحزاب الجدية، والمرشحين والمرشحات ذوي الكفاءة والخبرة والمصداقية، وأيضا معاقبة المفسدين، والتعبئة لفضح التزوير والتشنيع بممارسيه وسد الطريق عنهم. الدارالبيضاء اليوم تحتاج إلى الصادقين من أبنائها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته