قدم أعضاء مجلس مدينة الدارالبيضاء الدليل بأنفسهم على أن العاصمة الاقتصادية للمملكة ضحية لمنتخبيها، وأن كل ركن فيها بات يستغيث طلبا للإنقاذ من عبثية لم تعد تطاق. إن واجهة المغرب الحداثي، والقلب النابض للاقتصاد الوطني، لا تستحق مثل هؤلاء المنتخبين، الذين لا يستطيعون حتى الإنصات لبعضهم البعض. للمدينة عيون تكشف كل الفضائح، ولها لسان ينطق بالوقائع كماهي، وهذه الصورة تنقلها لنا احتجاجات السكان في الكريانات وفي المناطق المهمشة، وتفضح الأمطار والفيضانات عمق الأزمة، وعقم الرؤوس المسيرة لشأن المدينة. عندما لا يستطيع رئيس مجلس مدينة مثل الدارالبيضاء أن يدير اجتماعا لمجلس يفترض أنه يحوز أغلبيته، فمعنى الأمر هو العبث. وعندما يغضب الرئيس نفسه، ويقرر الانسحاب من قاعة الاجتماع، وإلغاء الاجتماع، فعلى القانون السلام. وعندما تسود الفوضى المكان، ويتفرج ممثلو السلطة على المهزلة، دون أن يطلب منهم الرئيس التدخل لتأمين سير الجلسة، فالواضح أن عديد أطراف تتواطأ لتكرس المهازل. وعندما تتعدد فضائح شركة «ليديك» وينبري مسيرو المدينة للدفاع عنها، بدل مواجهتها دفاعا عن مصالح ناخبيهم ومدينتهم، فهنا رائحة الفضيحة تنبعث من مكان قريب جدا. إن من كان يشجع الفساد خلال الانتخابات يجب أن يحاسب اليوم، ومن يبرع في تشجيع الترحال وفي صنع وفبركة الأغلبيات الهشة عليه أن يحاسب، ومن يصر على إنجاح فاسدين وسماسرة الكريانات والعقار و»شناقة» الانتخابات عليه أن يحاسب.... السؤال اليوم يتوجه إلى عمق تحولات الدارالبيضاء، فالأوراش التنموية الكبرى يغيب عنها مجلس المدينة، والمطالب الاجتماعية التي يعبر عنها السكان يوميا، وتقام بشأنها الاحتجاجات بما في ذلك أمام أعين المنتخبين،هي كذلك يغيب عنها المجلس الموقر، ولا يمتلك القدرة أو الإرادة لتدارسها وحلها ضمن هياكله وصلاحياته. منتخبو الدارالبيضاء لم يكتفوا بالاستقالة العملية من الفعل في ديناميات تأهيل مدينتهم، ولم يكتفوا بإهمال القضايا الجوهرية لساكنة المدينة، ولم يكتفوا بعنترياتهم الفارغة خلال الاجتماعات، إنما باتت عبثيتهم تهدد بتحول شوارع الدارالبيضاء إلى فضاء وحيد لطرح مطالب السكان والبحث لها عن حلول، وهذا على كل حال لا يخلو من خطورة اجتماعية وأمنية، ستتسبب فيها رعونة بعض صغار العقول الذين ابتليت بهم الدارالبيضاء، وتسلطوا على مشهدنا الانتخابي والسياسي. الدارالبيضاء مكبلة اليوم بقيود من عقم وفساد وفشل في تدبير شأنها المحلي، ومن خلالها تتلقى ديمقراطيتنا المحلية ضربة موجعة. كازا لا تستحق كل هذا العبث.