الحلقة 4 تمخضت فكرة هذا البحث، والمتعلقة بدراسة دور المؤسسة التشريعية في مجال السياسة الخارجية، انطلاقا من أهمية البحث العلمي حول البرلمان على اعتبار وجود نقص في هذا الاتجاه، وكذا ضرورة التدقيق في آليات العمل البرلماني بالمغرب هدفا في معالجة مدى فعالية دور النائب والمستشار البرلماني صاحب الشرعية الانتخابية الشعبية في المساهمة في السياسة الخارجية عبر العمل الدبلوماسي البرلماني، الذي أضحى يشكل بعدا هاما في حياة جميع المؤسسات البرلمانية إضافة إلى الدور الأساسي المتجلي في التشريع والمراقبة. إن البحث في الوظيفة الدبلوماسية للبرلمان المغربي يستوجب تحديد المتدخلين والفاعلين في السياسة الخارجية، في اتجاه النظر حول زاوية تقاسم الأدوار والوظائف لاستنباط مكانة البرلمان ضمن المؤسسات الفاعلة هي الأخرى في هذا المجال، بحيث اعتبرت السياسة الخارجية لمدة طويلة خارج اهتمام البرلمانات بذريعة أن الدبلوماسية هي «شأن الأمراء وليس شأن الشعوب» ليثبت التاريخ المعاصر هشاشة وخطورة هذا الحكم، إذ يمكن القول أن الفتوحات الديمقراطية لم تتقدم إلا عبر الرهان الذي اعتمده المنظرون الأوائل للقانون الدستوري في مزايا وفوائد منح الشعوب مكانة المشاركة في تسيير الشؤون الدولية. فلقد تولد سوء فهم لدور البرلمان في علاقته مع السلطة التنفيذية التي ظلت حريصة على الدفاع باستماتة على اختصاصاتها في مجال السياسة الخارجية، والتي كان ينظر إليها دائما، وفي أغلب الدول بما فيها الرائدة ديمقراطيا على أنها المجال المحفوظ لرئيس السلطة التنفيذية بشكل يهمش باقي الفاعلين ولاسيما السلطة التشريعية. وعلى إثر كل مهمة أو أية مشاركة دبلوماسية يقدم رئيس الوفد المشارك تقريرا مكتوبا لمكتب المجلس، الذي يعمل على نشره وتوزيعه طبقا لشروط يعمل المكتب على وضعها. وارتباطا بذلك تنشر أسماء جميع الأعضاء الذين اختارهم المجلس للنيابة عنه في اللجان أو الهيئات التابعة للحكومة وكذا لدى المنظمات الجهوية والدولية، أو في الوفود النيابية إلى الخارج، في الجريدة الرسمية والنشرة الداخلية والموقع الالكتروني للمجلس. وتنبثق عن مجلس النواب من بين أعضائه 325 ذكورا وإناثا على قاعدة التمثيل النسبي للفرق النيابية، لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية كلجنة دائمة حسب المادة 30 من النظام الداخلي، ويبلغ عدد أعضائها 31 عضوا، تختص في الشؤون الخارجية والتعاون، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وشؤون الجالية المغربية بالخارج، والدفاع الوطني والمناطق المحتلة والحدود، وقضايا المقاومين، والأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافية والاتصال(1) وهي المكلفة بمراقبة السياسة الخارجية من خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الخارجية والتعاون والتصويت عليها برسم كل سنة مالية، وتناط بها مهمة استدعاء وزير الخارجية والتعاون للنقاش في مواضيع تهم الشأن الخارجي للمغرب. كما تمر عليها المعاهدات والاتفاقيات قصد النظر فيها قبل الموافقة عليها. وحسب مقتضيات المادة 132 من النظام الداخلي لمجلس النواب دائما، أنه إذا تمت إحالة مشروع قانون بالإذن في المصادقة على معاهدة أو بالموافقة على اتفاقية دولية غير خاضعة للمصادقة، فإن المجلس يدرسه حسب مقتضيات الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 31 من الدستور، إذ لا يحق للمجلس أن يصوت على مواد الوثيقتين (المعاهدة أو الاتفاقية) ولا يجوز له تقديم أي تعديل بشأنها، فقط تنظم المناقشة العمومية المخصصة للموافقة على المعاهدات والاتفاقيات حسب البرنامج والترتيب اللذين حددهما المكتب وفق القرارات التنظيمية لندوة الرؤساء(2). وفي إطار المراقبة البرلمانية للحكومة، يحدد النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة 164 و147 مسألة عرض الحكومة لبرنامجها الحكومي للمناقشة والتصويت عليه من طرف البرلمان(3)، حيث أنه تطبيقا لأحكام الفصلين 60 و75 من الدستور، يتقدم الوزير الأول أمام مجلس النواب بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية ويكون هذا البرنامج موضوع مناقشة في جلسة عمومية يتبعها تصويت لا يقع إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على اليوم الذي عرض فيه البرنامج، ولا يرفض إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، وفقا للشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 75 من الدستور، ويترتب عن عدم المصادقة على البرنامج الحكومي استقالة الحكومة استقالة جماعية، وفقا للفقرة الأخيرة من المادة 75 من الدستور. وفي نفس الإطار للحكومة حسب المادة 148 من النظام الداخلي المتعلقة بتصريحات الحكومة أن تطلب الإدلاء بتصريح أمام المجلس تعقبه أو لا تعقبه مناقشة، بحيث إذا أدلت الحكومة بتصريح تعقبه مناقشة فإنه لا يمكن إجراء أي تصويت كيفما كان نوعه في شأن التصريح. ومن أهم وسائل الرقابة البرلمانية على السياسة الخارجية تأتي الأسئلة باختلاف أشكالها(4)، (الشفوية والكتابية والآنية والأسئلة التي تليها مناقشة)، حسب مقتضيات النظام الداخلي في مواده من 155 إلى 166، حيث يحق لكل نائب أن يقوم بتوجيه أسئلة في القطاعات الحكومية، من بينها قطاع وزارة الخارجية بشكل خاص ارتباطا بموضوع البحث، لتشكل هاته الوسيلة الرقابية قاعدة أساسية في متابعة عمل الحكومة بشكل مستمر عبر المساءلة الأسبوعية من خلال الأسئلة الشفوية وأجوبة الحكومة عن الأسئلة الكتابية التي تنشر في الجريدة الرسمية. كما أن هناك وسائل رقابية أخرى ظرفية كملتمس الرقابة ولجان تقصي الحقائق(5). وبالنسبة للنظام الداخلي لمجلس المستشارين فينص في بابه التاسع من المواد 192 إلى 195 حول مسألة التعيينات الشخصية لتمثيل مجلس المستشارين(6) إلى أن مسألة تحديد من يمثل المجلس تتم بقرار من المكتب مع مراعاة مبدأ التخصص والتشاور مع الفرق وتطبيق قاعدة التمثيل النسبي، ليتضح أن مجلس المستشارين يولي أهمية لمسألة الاختصاص في التمثيلية، ويتم التنسيق بين مجلسي البرلمان فيما يخص التمثيل في المنظمات الدولية والإقليمية حيب تتشكل لهذه الغاية شعب مشتركة مع مجلس النواب، ويؤكد النظام الداخلي لمجلس المستشارين على نفس المقتضى المشار إليه بخصوص مجلس النواب المتعلق بعدم جواز انتقاد أي فريق لفريق آخر في تعيينه لمن يريد من أعضائه، كما يمنع على أي مستشار إبداء ملاحظاته بشأن مستشار آخر. كما يتطابق مجلس المستشارين مع مجلس النواب في جانبه بتعيين مستشارين يشاركون في لجنة خارج المجلس (المادة 194 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين مع المادة 45 من النظام الداخلي لمجلس النواب). ومن جهة أخرى يشكل مجلس المستشارين مع البرلمانات الشقيقة والصديقة لجانا للتعاون والصداقة تحت إشراف المكتب وتتكون من 12 عضوا، تمثل فيها جميع الفرق مع مراعاة مبدأ التمثيل النسبي بالنسبة لرئاسة هذه اللجن، كما تنبثق عن المجلس لجنة دائمة من بين أعضائه 270 تعنى بالشؤون الخارجية والحدود والمناطق المحتلة والدفاع الوطني في تقارب نسبي مع نفس وظائف واختصاصات مثيلتها بمجلس النواب، إذ -لا يقل أعضائها عن 15 عضوا ولا يزيد عن 45 عضوا(7). ويتكلف مجلس المستشارين هو الآخر عند عرض مشروع قانون يهدف إلى المصادقة على معاهدة واتفاقية دولية، بدراسته حسب مقتضيات الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 31 من الدستوري حيث تنظم فقط مناقشة حسب برنامج وترتيب يحددهما مكتب المجلس وندوة الرؤساء، حسب مقتضيات المادتين 267 و268(8)، ومن ذلك يبرز التشابه في الاختصاص والوظيفة مع مجلس النواب في تكرار ملحوظ يتضح مع مناقشة البرنامج الحكومي طبقا أحكام المادة 60 من الدستور(9). وفي إطار مراقبة مجلس المستشارين لعمل الحكومة ينطبق عليه ما ينطبق على مجلس النواب في مساءلة الحكومة عبر الأسئلة باختلاف أشكالها(10). (الأسئلة الشفهية، المواد من 284 إلى 300 والأسئلة الآنية المستعجلة، المواد من 301 إلى 303 والأسئلة الكتابية، المواد من 304 إلى 307) كما أن لمجلس المستشارين الحق في إيداع ملتمس توجيه وتنبيه الحكومة، وكذا إيداع ملتمس الرقابة(11) وتشكيل لجان تقصي الحقائق(12) وكلها وسائل رقابية مؤقتة وظرفية حيث تبقى المراقبة عن طريق الأسئلة الأهم وذات بعد الاستمرارية في متابعة عمل الحكومة بشكل أسبوعي عن طريق الأسئلة الشفوية والأسئلة الكتابية .