خلف بريق الصور السياحية.. القفار أمامكم والفيافي وراءكم، وليس لكم إلا التأقلم مع قساوة الطبيعة والهشاشة الاجتماعية والتكيف مع ضنك العيش. ذلكم هو أقرب تعبير يلخص مشهد الواحات المغربية. جمال ونضارة الواحات بالمغرب لم يعد يشفع لها كي تبقى متربعة على عرش جمال المشهد الطبيعي المغربي. بل طرأ عليها تقهقر ملحوظ وأفول بارز يزحف نحو مختلف معالمها وقسمات ملامحها. جداولها العديدة، أضحى جفاؤها يهلك الزرع والضرع وعطاؤها يجرف الضفاف ويكتم الأنفاس. الواحات المغربية درع منيع أمام التصحر تغطي خمسة عشر بالمائة (15%) من مجموع مساحة المغرب، وتختزن تنوعا بيولوجيا، وتهيكل الحياة الاجتماعية وتنظمها، وتوفر منتوجا زراعيا مهما. ويقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة، أي ما يعادل 5.3 بالمائة من عدد السكان المغرب عامة. تقدر مساحة الواحات المغربية، المتواجدة على مشارف الصحراء، نحو 115.563 كيلومتر مربع وفق أربع مجموعات كبرى تشمل الواحات الواقعة جنوب سوس ماسة درعة، وجنوب الأطلس الصغير، وواحات طاطا، وواحات وادي درعة (ورزازات، زاكورة، فم ازكبد، أكدز، دادس)، وواحات حوض زيز (الرشيدية، ومولاي علي الشريف، وتنجداد، وكلميمة)، وواحة فكيك. هذه الواحات جميعا تصنف مناطق جافة، نسبة تساقطاتها المطرية ضعيفة، مما يجعل مواردها المائية المحلية لا تتجدد إلا بشكل استثنائي. وتتكون الموارد المائية للواحات من المياه السطحية الآتية من المناطق الجبلية البعيدة فضلا عن المياه الجوفية الممتدة على طول الوديان التي تتأثر بالعوامل المناخية. وتمثل نسبة الموارد المائية بمنطقة الواحات أربعة بالمائة (4%) من الموارد المائية السطحية بالمغرب. خمس سيارات رباعية الدفع عبرَت شريط الواحات من سلسلة الأطلس الصغير إلى غاية الحدود المغربية الجزائرية. ضمت لفيفا من الإعلاميين الذين رصدوا عددا من المشاهد المقلقة. وعاينوا حديث أهالي هذه المناطق عن المآل والمستقبل. الساكنة تحدثت إلى أعضاء الوفد الإعلامي الذي زار تلك المناطق بمبادرة من الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والبيئة المكلفة بالبيئة وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، في إطار المرحلة الثانية من البرنامج الإفريقي للتكيف مع التغيرات المناخية بالمغرب . وضع مقلق جدا تحدثت وصفته الساكنة، من جراء الخصاص المائي والتصحر وقلة التساقطات المطرية، مما أدى إلى تلف العديد من أشجار النخيل وتراجع الفرشة المائية وانجراف التربة الناتج عن فيضانات الأودية التي تجرف المزروعات على الضفاف. وهو ما حدا ببعض السكان إلى الهجرة إن لم نقل الفرار نحو الحواضر. واحة «تانزيضا» تحتضر وتعد واحة «تانزيضا» التابعة لإقليم طاطا أسوأ نموذج لوضعية الواحات بالمغرب حيث باتت مقبرة للنخيل ومكانا لنفوق الحيوانات والمواشي. ولم يعد يقطن بها سوى خمس أسر بعدما كانت تنبض بالحياة وتتوهج بخيرات حقولها ونخيلها. وطأة المكان الموحش شديدة. وشموخ أطلال العمران جلية. وجمرة قيظ المكان خانقة. اصطف شيوخ الأسر المتبقية، منتظرين الزوار (الإعلاميين) لعل بشائر الفرج تأتي من خلال إبراز مآسيهم في وسائل الإعلام. بمدخل القرية - التي يعود أقدم ساكنتها إلى عهد المرابطين - تبدو آثار بنايات متهالكة توحي بخلو المكان من أي كائنات حية. وتحت لهيب الشمس الحارق سارع الوفد الإعلامي الخطى، بعد أن ترجل من السيارات المكيفة، نحو بقايا نخيل شامخة عسى أن يتفيأ بظلالها الوارفة بجلد وعناد. يتذكر أهالي الدوار(القرية) أن منطقتهم كانت تختال بين ستة «عيون» على طول ضفة نهر «تمنار» (من ثلاث إلى أربع كيلوميترات)، وبمحاذاة دوار «تانزيضا». لكن على مدى السنوات المتوالية أخذت العيون تجف واحدة تلو الأخرى..حيث جفت منذ سنتين آخر»عين» توجد في منتصف الوادي، اختفت تحت طمي تراب النهر بعمق حوالي مترين. ياسر العبدلاوي مستشار برنامج الأممالمتحدة الإنمائي أكد، في تصريح للوفد الإعلامي، أن إشكال الواحات يعد من انشغالات البرنامج منذ 2005 حيث خصص لها غلاف مالي ناهز 30 مليون دولار بغية إعادة التفكير في إحياء الواحات وإعطائها دورها الحقيقي لأن اندثارها هو اضمحلال قيمتها التاريخية والحضارية. ولا مناص من التفكير معا بصوت مسموع لإنقاذ الوضع وتنمية المعارف حول التغير المناخي مع تقوية الرصد وإدماج بعد التغير المناخي في المخططات الإستراتيجية للجماعات. وتعزيز التأقلم بوصفه سبيلا إجرائيا للتخفيف من آثار التغير المناخي على حياة الساكنة المحلية التي تعاني من الهشاشة. وأبرز أودور محمد رئيس جماعة فَمِ الحصْن (عمالة طاطا) أن المنطقة تشكل عمق تاريخ المغرب وتدخل ضمن صميم اهتمام الجماعة. وهناك مساع حثيثة، بتضافر جهود مختلف الشركاء، لتأهيل المنطقة وإرجاعها لعهدها الزاهر خاصة أن الساكنة مرتبطة بأرضها وحقولها. ورغم هجرة عدد كبير من السكان فإنه من الممكن عودتهم إذا توفرت سبل العيش الكريم. وأكد رئيس الجماعة أن هناك مشروعا لإعادة إحياء «تانزيضا» التي تعاني من جفاف الفرشة المائية وزحف الرمال وتغير المناخ بشراكة مع وكالة الجنوب وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي. الزمن ب» تانزيضا» يختلف عنه في مناطق مغربية أخرى. الشيخ محمد، وهو من الساكنة، صرح لنا أنه «بالأمس كان هذا الوادي يضم عدة تماسيح شاهدتها بأم عيني»، وعند استفسارنا إياه عن تاريخ هذا «الأمس»، أكد أن ذلك يرجع إلى ستينات القرن الماضي، إنه الأمس القريب حسب الشيخ وبتأكيد رفقائه. محمد نبو، مدير الدراسات والتخطيط والتوقعات بكتابة الدولة لشؤون المياه والبيئة، أفاد أن وضع الواحات يتطلب تشجيع الممارسات التي تثمن اقتصاد الماء، خاصة في القطاع الزراعي من خلال استعمال تقنية السقي الموضعي والسقي الجماعي، والعمل على توعية الساكنة المحلية بأهمية التدبير المعقلن للموارد المائية بإشراك الإعلام والمجتمع المدني. إنقاذ ما يمكن إنقاذه يتوقع أن يستمر نقص المياه في الواحات المغربية إلى أفق سنة 2020، مع بلوغ الحاجيات لهذا المورد الحيوي حجم 1528.8 مترامكعبا مقابل 1329.6 المعبأة أي بعجز يقدر ب199.2 مليون مترا مكعبا (87 بالمائة من الحاجيات). من هنا لابد من إشراك الإعلاميين وتمكينهم من استيعاب جيد لقضايا تغير المناخ خاصة في مناطق الواحات المغربية، وفق مقاربة متعددة القطاعات تُدمج فيها الجماعات المحلية بمختلف مستوياتها، وتضمن أيضا المشاركة والانخراط الفعلي لجميع مستويات اتخاذ القرار. يشار أن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (PNUD) وهو شبكة التنمية العالمية التابعة للأمم المتحدة، يدعو إلى التغيير وربط الدول وتحقيق نفاذ البلدان إلى المعرفة والخبرة والموارد، من أجل مساعدة الشعوب على بناء حياة أفضل. وتنتشر مكاتب برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (PNUD) في 166 بلدا، ويتعاون مع هذه البلدان لمساعدتها في تطبيق الحلول التي أوجدتها لمواجهة تحديات التنمية العالمية الوطنية.